تحقيق يتتبع آثار بيع المخطوطات المالية النادرة في موريتانيا

سبت, 05/09/2015 - 13:05

أصيب المالي إسماعيل با بنوبة من هيستريا الضحك، تخفي ورائها آثار الخوف والفزع الشديدين، بينما يتذكر كيف نجا ورفاقه من الشرطة الموريتانية، أثناء قيامهم ببيع عدد من المخطوطات النادرة، القادمة من مدينة نمبالا الواقعة في الغرب المالي، في العاصمة الموريتانية نواكشوط.

حصل با ورفاقه على المخطوطات من مكتبة عامة، إثر فوضى ضربت مدينتهم نمبالا، بعد هجوم جماعة مسلحة على المدنية أول العام، في يناير/ كانون الثاني، وينوي إسماعيل ورفاقه إنفاق ثمن المخطوطات المسروقة، خلال فترة بقائهم في نواكشوط للبحث عن عمل هناك.

يرى إسماعيل با في بيع المخطوطات "تجارة ممتازة"، تضمن لأي قادم من مناطق الوسط أو الشمال المالي، دخلاً مادياً يساعده على ظروف العيش خلال فترة البحث عن العمل التي عادة ما تمتد لأسابيع أو أشهر في العاصمة الموريتانية نواكشوط.

اللعب بالنار

يقول إسماعيل با، لـ"العربي الجديد"، بينما يتجول بشكل مسرع بين المارة وسط سوق إكلينيك بالعاصمة نواكشوط، إنه نجح في تهريب المخطوطات عبر معبر كوكي الزمال الواقع على الحدود الموريتانية المالية، في الحوض الغربي بأقصى الشرق الموريتاني. ويقول إسماعيل: "كانت مغامرة حقيقية حين فكرنا في بيع المخطوطات النادرة، ما جعلنا نعتبر أنفسنا قيد الاعتقال والسجن في أي وقت".

العبث بالتراث يتواصل

في موريتانيا عشرات من تجار المخطوطات المالية مثل إسماعيل، هؤلاء يصولون ويجولون بين موريتانيا ومالي، ما أدى إلى تعرض تراث المخطوطات في هذه المنطقة إلى استنزاف كبير، خلال الفترة التي حكمت فيها الحركات المسلحة المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي العديد من المدن المالية المليئة بالمخطوطات، مثل تمبكتو وغيرها من مدن الشمال والشرق المالي.

"
تقدّر المخطوطات في موريتانيا بقرابة 40 ألف مخطوط وفي مالي بـ300 ألف مخطوط، تراجع عددها إلى أقل من 100 ألف
"

يحكي علي الطارقي، القادم إلى موريتانيا، من مدينة كيدال (تقع في أقصى الشرق المالي)، بحثاً عن فرصة عمل، إن تجارة المخطوطات رائجة بشكل كبير خلال وبعد الحرب المالية، وإن العديد من الماليين جلب معه مخطوطات وخاصة من موريتانيا والجزائر والمغرب مستغلين حالة الفوضى وغياب الأمن التي حدثت في إقليم أزواد.

يقول علي، لـ"العربي الجديد": "شاهدت عدداً من المخطوطات النادرة، من بينها كتب في الفقه المالكي، ومراسلات قديمة بين بعض الشخصيات الهامة، إضافة إلى مخطوطات شعرية ناردة، بيد تجار المخطوطات يحاولون بيعها في موريتانيا".

نهب ممنهج

يؤكد الباحث في التراث الموريتاني، سيد أعمر ولد شيخنا، أن الجزء الموجود من المخطوطات عند الأفراد والأسر في مالي، يتعرض لعمليات تهريب ونهب ممنهج، وبيع غير مشروع، لصالح أثرياء ومهتمين بتهريب هذه المخطوطات خارج مالي وموريتانيا.

وقال ولد شيخنا، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "عدد من المخطوطات المالية النادرة جرى إهداؤه لأصحاب النفوذ في المنطقة للترويج للبضاعة، وحتى الجزء الموجود بالمكتبات والمعاهد الحكومية يتعرض لعمليات بيع وسرقة من قبل صغار الموظفين"، مشيراً إلى أن أيام الحرب الأخيرة في مالي "تعرضت بعض المخطوطات للنهب والحرق، لكن بمستوى محدود، تحديداً في مدينة تمبكتو".

غابت الرعاية فنُهبت المخطوطات

شكّل غياب جهات معنية بحفظ ورعاية المخطوطات في جمهورية مالي، أثناء الحرب في إقليم أزواد، أهم عامل ساعد في تنامي التجارة غير المشروعة في المنطقة. ويرى ولد شيخنا أن غياب الدول والمنظمات المعنية بالتراث عن المشهد وعدم تحركها للمساهمة في حفظ التراث في مالي، كان من أبرز الثغرات التي نفذ من خلالها لصوص المخطوطات إلى المكتبات العامة وقت الحرب لنهب تراث ظل محفوظاً مئات السنين".

وتابع ولد شيخنا أن مخطوطات مالي وموريتانيا تعرضت لعمليات نهب وسرقة كبيرة، إذ تقدّر المخطوطات في موريتانيا بقرابة 40 ألف مخطوط وفي مالي بـ300 ألف مخطوط، ولكن المؤكد هو تراجع عددها إلى أقل من 100 ألف مخطوط، منها 30 ألفاً في مركز أحمد بابا التمبكتي ومكتبات "ماما حيدرة".

وأضاف ولد شيخنا، الخبيرفي تراث المنطقة، أن بقية المخطوطات في مالي تتوزع بين "جامع سنكري"، ومركز الشيخ سبد المختار للوثائق في مدينة غاو، لكنه يرى أن أكبر سرقة تعرضت لها مخطوطات المنطقة إلى جانب التجارة غير الشرعية "هي تلك التي جرت على أيدي الاستعمار الفرنسي الذي نهب الكثير من كنوز هذه المنطقة ورحّلها إلى باريس، كما فعل مع مكتبة الحاج عمر الفوتي، ومكتبات تمبكتو، ومكتبة الشيخ سبد المختار".

غياب الترقيم

شكل غياب آلية تكنولوجية لترقيم المخطوطات في مالي، عاملاً سلبياً مكّن المُلّاك وتجار المخطوطات غير الشرعيين، من الاستمرار في نهب المخطوطات التي تشكل تراث المنطقة.

يرى الباحث الموريتاني، عبدي ولد محمد فال، أن المناطق الجنوبية من مالي أضحت فرانكفونية لا تقرأ بالعربية، فيما أصبحت مالي الشمالية مهمشة وجاهلة، وهو ما يضاعف من خطورة مشكلة نهب التراث المالي المستمرة بلا توقف.