موريتانيا.. "كمبي صالح" عاصمة مملكة غانا تعاني الإهمال

أحد, 05/31/2015 - 10:36

تمثل مدينة "كمبي صالح" مثالاً حياً على إهمال وتجاهل السلطات الموريتانية للمآثر التاريخية في البلاد، فالمدينة التي كانت العاصمة السياسية لمملكة غانا تعاني اليوم من الإهمال وزحف الرمال رغم الدعوات التي وجهها الباحثون بفتح مجال الحفريات بالمدينة للكشف عن آثارها والاهتمام بالمعالم التاريخية التي دفن أغلبها تحت الأرض بسبب عوامل التعرية وزحف الرمال.

وتقع مدينة "كمبي صالح" في الجنوب الشرقي من موريتانيا وتعتبر من أقدم المدن الأثرية في المنطقة، وتبعد عن العاصمة نواكشوط نحو 960 كيلومترا، وأقرب مدينة إليها هي تمبدغة التي تقع شمالها على بعد 60 كيلومترا.

تاريخ وتجارة

كانت "كمبي صالح" العاصمة السياسية لدولة غانا، غير أن تاريخها بدأ قبل ظهور مملكة غانا، تحديداً في القرن الثالث الميلادي عندما سيطرت قبائل الماندية الوثنية على طرق القوافل التجارية بين أوداغست (موريتانيا حالياً) وتمبكتو (بمالي)، حيث شيدوا مدينة "كمبي صالح".

وخلال القرن السابع الميلادي برزت إمبراطورية غانا كقوة عظمى مهيمنة في المنطقة متخذة من مدينة "كمبي صالح" عاصمة لها، وعرفت المدينة أوج ازدهارها في عهد الملك الإفريقي المسلم منسى موسى الأول، ملك إمبراطورية مالي (1280 - 1337)، حيث وصل عدد سكانها إلى نحو 30 ألف نسمة مجسدة أكبر مدينة على الإطلاق في القارة الإفريقية.

كما لعب موقع المدينة بين مناجم الذهب ومقالع الملح، دوراً هاماً في ازدهارها فكانت المدينة معبراً لقوافل التجارة الصحراوية التي تتنقل إلى شمال إفريقيا وبلاد السودان، ولعبت "كمبي صالح" أدواراً رئيسية على مراحل تاريخية متباعدة خاصة بعد أن دخلها الإسلام في القرن الحادي عشر الميلادي فكانت مدينة مختلطة عرقياً ودينياً، وساهمت في نشر الإسلام في إفريقيا.

لكن المدينة عرفت مرحلة أفول بسبب سقوط مملكة غانا والجفاف الذي دفع سكانها إلى البحث عن مناطق استراتيجية للتجارة والرعي فتغيرت المسارات الجغرافية لقوافل التجارة نحو مدن ومراكز أخرى. وسقطت المدينة في أيدي قطاع الطرق واللصوص الذين استخدموها كمنطلق لعملياتهم العسكرية، فتهدمت أغلب معالمها بسبب الغارات التي كانت القبائل تشنها على اللصوص اللذين احتموا بها.

الإهمال والنسيان

ويقول الباحث في التراث محمد محمود ولد بابا أحمد إن أغلب تاريخ وتراث مدينة "كمبي صالح" من مآثر ومخطوطات ضاع بسبب ما تعرضت له المدينة من نهب وهدم وإهمال.

ويضيف: "لاتزال فصول الإهمال تهدد ما تبقى من كمبي صالح التي أصبحت مدينة مندثرة مهجورة رغم دورها التاريخي الكبير، فبعد أن أعيد اكتشافها عام 1913 شجع الاستعمار الفرنسي العلماء والمهتمين بالحفريات على الاهتمام بها وخلال هذه الفترة تم اكتشاف المخطط العمراني للمدينة، وبعض آثارها، وتوقفت البحوث والحفريات أواخر السبعينات".

ويشير إلى أن تاريخ المدينة جذب قبائل الشرق الموريتاني إلى إعمارها من جديد، فظهرت في نفس المكان تقريباً مدينة صغيرة تحمل نفس الاسم، لكن محاولات السكان لفت أنظار المسؤولين إلى وضع المدينة والضغط عليهم لإنقاذها باءت بالفشل.

ويوضح أن جل المعالم والكنوز الأثرية بالمدينة طمرها النسيان والإهمال، وما يظهر منها حالياً هو بعض الأسوار وبقايا أساسات أبنية، فيما المدينة الأثرية تغرق في سباتها تحت الأرض في انتظار من يكتشفها.

ويطالب الباحثون السلطات بإيلاء أهمية كبيرة لمجال الحفريات للكشف عن آثار حضارية بموريتانيا وخاصة بمدينة "كمبي صالح" التاريخية. 

العربية نت