عبد الباري عطوان/ لماذا نحتفِل بالذّكرى 13 لانتصار حرب تموز ونعتقد أنّها “فاتحة شهيّة” لانتصاراتٍ قادمة؟

خميس, 08/15/2019 - 01:32

لماذا نحتفِل بالذّكرى 13 لانتصار حرب تموز ونعتقد أنّها “فاتحة شهيّة” لانتصاراتٍ قادمة؟ وما الذي تغيّر ميدانيًّا وعسكريًّا مُنذ ذلك التّاريخ؟ وما هي الإنجازات الأربعة التي تشرح أسباب حالة الثّقة العالية في صُفوف محور المُقاومة وانهيارها في صُفوف التحالف الأمريكي الإسرائيلي؟

 

يُصادِف اليوم الذّكرى الـ 13 لانتصار المُقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة بقيادة “حزب الله” على العُدوان الإسرائيلي، وتحطيم أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، ودبّابة الميركافا التي كانت درّة تاج الصناعة العسكريّة الإسرائيليّة ومصدر فخرها.

لسنا من كُتّاب المُناسبات ولكن هذا الانتِصار وما زال هو الانتصار الأعظم في تاريخ العرب والمِنطقة الحديث، وجاء تتويجًا لتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي، وهزيمةً لمشروعٍ استسلاميٍّ عربيٍّ كان يستعدّ للاحتفال بإنتهاء المُقاومة وثقافتها، وبِدء التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة بشكلٍ نهائيٍّ، والتّمهيد لنظريّة الفوضى الخلّاقة بالصّورة التي كانت تروّج لها في ذلك الوقت كونداليزا رايس، وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة، وإدخال المِنطقة كلّها في العصر الإسرائيلي من أوسَعِ أبوابه.

من حق المُقاومة، سواء في لبنان أو في الأراضي الفِلسطينيّة، أن تحتفل اليوم بهذا الانتصار الكبير الذي أسّس لتطوّر قُدراتها العسكريّة، ومكّنها من امتلاك منظومة صاروخيّة متطوّرة أرهبت وتُرهب الإسرائيليين، وألغت فاعليّة تفوّقهم الجوّي، وفضَحت أسطورة قُببهم الحديديّة التي كلّفت عشرات المِليارات من الدولارات، وانحَنت منكسرةً ذليلةً أمام صواريخ المُقاومة وطائراتها المُسيّرة التي لم يُكلّف إنتاجها على أيدي العُقول المُؤمنة الجبّارة إلا بِضعَة آلاف.

***

جميع مُحاولات القيادتين السياسيّة والعسكريّة الإسرائيليّة لترميم الدّمار النفسي والعمليّاتي التي لحِقَت بالجيش الإسرائيلي من جرّاء هذه الهزيمة باءت بالفَشل، وباتت هاتان القِيادتان تعتبران منظومة صواريخ المُقاومة، وقُدراتها العسكريّة الهائلة مصدر تهديد وجودي حقيقي للدولة العبريّة، حتى أنّها باتت تعُد للمِليون، ليس قبل شنّ أيّ عُدوان على جنوب لبنان، وإنّما على قِطاع غزّة المُحاصر والمحدود المساحة أيضًا.

التطوّر الأبرز الذي تجلّى في السنوات الـ13 الماضية، يتجسّد في أنّ المُقاومة باتت أكثر قدرةً على استهداف كُل المُدن والأهداف الاستيطانيّة الإسرائيليّة من أقصى الشّمال حتى ميناء إيلات (أم الرشراش) في أقصى الجنوب، وبمِئات الآلاف من الصواريخ من مُختلف الأحجام، وتحمِل رؤوسًا تفجيريّةً يصِل وزن بعضها إلى نِصف طن.

لم يُجافِ السيّد حسن نصر الله الحقيقة عندما أكّد في مُقابلته الأخيرة مع قناة “المنار” الشهر الماضي “أنّ المُقاومة قادرة على إعادة إسرائيل إلى العصر الحجري”، مُحذّرًا من “أنّ اجتياح الجليل عُنوان مركزي في استراتيجيّة المُقاومة في حال اشتعال فتيل أيّ حرب قادمة”، أيّ أنّ الحرب المُقبلة ربّما تكون حرب تحرير أيضًا للأراضي المُحتلّة.

انتصار المُقاومة شبه المؤكّد بإذن الله، بجناحيها في لبنان وفلسطين المحتلّة وكُل حُلفائها، يأتي من عدّة حقائق أوّلها أنها تنتمي إلى محور مُواجهة جديد أكثر صلابةً وقوّةً من المِحور السابق، وثانيها أنّها “تُقاتل بما تصنع” من الصواريخ ومعدّات عسكريّة، ولا تعتمد على أيّ قوى خارجيّة في مصادر تسليحها، وثالثها، وجود إرادة القِتال الشجاعة، واتّخاذ قرار الحرب لدى قيادتها، ورابعها، أنها ليست مُموّلة من دولٍ نفطيّةٍ عربيّةٍ.

أذرع المُقاومة في لبنان وفِلسطين وسورية والعِراق واليمن هي التي أفشلت صفقة القرن، وأجهضت كُل المُخطّطات الأمريكيّة والإسرائيليّة لضَرب إيران، وحافظت على وحدة التراب السوري، وأحبطت مؤامرات التّفتيت والتّقسيم، والفِتنة الطائفيّة التي كانت ترتكِز إليها.

الحِصارات التجويعيّة لشُعوب محور المُقاومة في اليمن، ولبنان، وفِلسطين، وسورية، والعِراق، وإيران، لن تُكسَر إرادتها، ولن تُرَكّعها، وتدفعها لرفع رايات الاستِسلام البيضاء، بل تزيدها عزمًا على المُواجهة، والصّمود والقِتال حتى النّصر أو الشّهادة.

قُدرات محور المُقاومة تطوّرت، وتتطوّر يومًا بعد يوم، وتنتقل من مرحلة الرّدع إلى مرحلة الأخذ بزِمام المُبادرة والهُجوم إذا لزِمَ الأمر، وما فعلته وتفعله حركاتها المُباركة في قِطاع غزّة في الرّد الفوريّ على أيّ عُدوانٍ إسرائيليٍّ بقصف تل أبيب، هو أحد الأمثلة التي تُؤكّد هذه الحقيقة.

***

هذا التحوّل غير المسبوق في المِنطقة، سياسيًّا وعسكريًّا وأخلاقيًّا، هو الذي جعل الرئيس دونالد ترامب “يَجبُن” عن الرّد على إسقاط طائرته المُسيّرة التي اخترقت الأجواء الإيرانيّة، وإعطاب سِت ناقلات لحُلفائه، واحتجاز اثنتين، وهو الذي غير موازين القِوى في حرب اليمن، وفكّك التّحالف الإماراتي السعودي، وهو الذي دفع بنيامين نِتنياهو للهرولة إلى القاهرة طالبًا وِساطتها مع سُقوط أوّل صاروخ للمُقاومة على السّاحل الفِلسطيني المُحتل من رفح جنوبًا وحتى الناقورة شِمالًا.

عِندما يؤكّد السيّد حسن نصر الله، زعيم المُقاومة الإسلاميّة في لبنان والمِنطقة، أنّه سيُصلّي بإذن الله في المسجد الأقصى في القدس إذا كتب الله له طُول العُمر بعد تحريرها فإنّه يستند في هذه النّبوءة إلى معلوماتٍ، وأسرار القُدرات العسكريّة الهائلة التي يملكها محور المُقاومة، وبِما يُعزّز ثِقته الاكيدة بالنّصر.

احتفالنا اليوم بالانتصار في حرب تموز (يوليو) عام 2006، وبعد صُمود المُقاومة لـ34 يومًا، لم تبخل فيها بالدّماء الزكيّة، والأرواح الطّاهرة، هذا الانتصار ربّما يكون “مُقدّمة” و”فاتح شهيّة” لانتصاراتٍ قادمةٍ بإذن الله، نقولها بكُل ثقة.. وكُل انتصار وأنتم بخير.. والأيّام بيننا.