جدل في موريتانيا حول تسلل جهاديين من جنسيات مغاربية قادمين من مالي

خميس, 08/15/2019 - 01:35

«القدس العربي»: أثار خبر نشرته وكالة «الأخبار» (موريتانية مستقلة)، عن تسلل جهاديين مسلحين من جنسيات جزائرية وتونسية وليبية إلى موريتانيا ضمن التحضير لعملية تمس الاستقرار الأمني بالمنطقة، جدلاً كبيراً في موريتانيا بين مثبت لهذا الخبر لا يملك أدلة مقنعة على صحته، ومشكك فيه متسائل عن دواعي عودة تنظيم القاعدة لنشاطها الإرهابي في موريتانيا المتوقف منذ 2011.
وربط مدونون بين نشر الخبر واحتمال أن يكون مسرباً من جهات مقربة من الرئيس السابق من أجل إظهار ضرورة بقائه في السلطة لكونه القادر أكثر من خلفه على تأمين البلد.
ودون الهيبة الشيخ سيداتي، المدير الناشر لوكالة «الأخبار»، راداً على المشككين قائلاً: «لا صلة بيننا مع الخبر سوى صدقه، وحين ننشر أخباراً عن الملفات التي لها حساسية زائدة عند المتلقي (الأمن ومشتقاته، المؤسسات المالية كالبنوك، الأوبئة، ملفات الفساد الكبيرة وصفقاته)، نستخدم أقسى المعايير المهنية قبل النشر، ومن أراد بعد ذلك أن ينطق مطمئناً أو مهدئاً أو مهدداً، كما فعل في السابق، فليختر منصة غير التشكيك في الخبر».
وقال: «عموماً، لم نتعود ممن يرى نفسه متضرراً من تلك الأخبار، الترحيب والإشادة».
وأكدت وكالة «الأخبار» في خبرها «أن الأمن الموريتاني يكثف عمليات البحث عن أجانب تسللوا داخل الأراضي الموريتانية خلال الأيام الماضية، من المعتقد، حسب الوكالة، انتماؤهم إلى أحد التنظيمات الإسلامية المسلحة في شمال مالي».
ونقلت «الأخبار» عن مصادرها «أن الأمن الموريتاني يشتبه في انتماء المجموعة إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، كما يُخشى أن يكون لتسلل المجموعة التي تحمل جنسيات جزائرية وتونسية وليبية صلة بالتحضير لعملية تمس الاستقرار الأمني بالمنطقة».
وفي تعليق له على هذا الخبر، أكد محمد محمود أبو المعالي، الإعلامي المختص في متابعة ودراسة النشاط الجهادي المسلح في الساحل، «أن خبراً بهذا الحجم والخطورة ينشر بالتفصيل مع عدد وجنسيات المسلحين المعنيين، وفي هذه الظرفية الخاصة من تاريخ البلد، عشية رحيل الرئيس السابق واستلام خلفه للسلطة، مدعاة للتوقف، بعد مرور قرابة ثماني سنوات على آخر تسلل لعناصر القاعدة إلى الأراضي الموريتانية (حادثة اختطاف الدركي اعل ولد المختار من مدينة عدل بكرو في ديسمبر 2011).
وأضاف: «بعض المؤشرات التي تحيط بالمعلومات الواردة في هذا الخبر، تجعل القارئ الملم ولو بيسير المعرفة، بظروف تلك الجماعات في شمال مالي وتداعيات الحرب عليها، وبعض تفاصيل تاريخ المواجهة بينها وبين موريتانيا، لا يجد مندوحة من إثارة بعض الأسئلة التي قد تقود إلى تقييم تلك المعلومات أو تحديد مدى وضوح الزاوية التي سيقرأها منها».
«وفي مقدمة هذه الأسئلة، يضيف أبو المعالي، السؤال عن ماذا استجد على الحدود الشرقية الموريتانية حتى عادت القاعدة للنشاط على الأراضي الموريتانية، ولماذا توقفت أصلاً تلك النشاطات منذ نهاية عام 2011، ومن المسؤول هنا في موريتانيا عن تلك الحالة الهادئة التي تعيشها العلاقة بين الطرفين». وقال: «لقد سال حبر كثير في السنوات الماضية حول إشكالية العلاقة بين موريتانيا وتنظيم القاعدة، لكن ما يهمنا اليوم هو المستجد على مستوى العلاقة بين الطرفين، الذي أدى إلى إرسال تنظيم القاعدة عناصر منه إلى داخل الأراضي الموريتانية، كما ورد في الخبر».
«فعلى مستوى الوضع الميداني لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهي فرع الصحراء من تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، يضيف أبو المعالي، لا جديد سوى مزيد من الظروف الضاغطة واغتيال بعض قادة الصف الأول من أمثال أمير الصحراء يحيى أبو الهمام وغيره، ما أدى إلى تراجع حجم العمليات داخل مالي، وهو ما يجعل سياسة التنظيم القائمة على تحييد موريتانيا وإبقائها خارج المعركة أمراً أكثر لزوماً اليوم مما كان عليه سابقاً، وآخر تصريح صادر عن التنظيم في هذا السياق ما قاله «أبو عبيدة العنابي» رئيس مجلس أعيان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، في مقابلة أجراها مع الصحافي في قناة فرانس 24 «وسيم نصر»، (نشرت نهاية شهر مايو الماضي) حين سأله عن إمكانية انتهاء حالة استثناء موريتانيا من الاستهداف بعمليات التنظيم، رد قائلاً: «كل من كان باذلاً الحياد، أياً كان مسماه، فلا تغير في موقفنا منه ما دام كذلك»؛ ومن نافل القول التذكير بأن موريتانيا لا وجود لقوات تابعة لها على الأراضي المالية، بل حين أُعلن عن تأسيس قوة دول الساحل الخمس (G5) توقع بعض المحللين أن التنظيم قد يرى في مشاركة موريتانيا في تلك القوة إعلان حرب ويستأنف أنشطته العدائية ضدها، لكن قادة التنظيم تمسكوا بموقفهم الرافض لاستهداف موريتانيا، وحين أعلن عن تعيين الجنرال حننا ولد سيدي (وزير الدفاع الحالي) على رأس قوة الساحل في مالي توقع آخرون أن يقرأ التنظيم في ذلك التعيين حالة متقدمة من العداء والمشاركة في الحرب ضده، لكن قادة التنظيم كانوا واضحين في موقفهم، فلا جديد ما لم تدخل قوات موريتانية إلى الأراضي المالية وتشارك في الحرب والمواجهة».
وزاد: «أما ربط الأمر بتغير رأس النظام في موريتانيا ومغادرة محمد ولد عبد العزيز للسلطة ، فإن الأمر ليس بهذه البساطة السطحية، فمهما كان السبب وراء وقف القتال والأعمال العدائية بين موريتانيا والقاعدة، فإن الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني يعتبر أبرز الفعالين فيه، فإن كانت هدنة كما يعتقد البعض فهو قائد أركان الجيوش خلال تلك الفترة، وهو من يحارب ومن يهادن، وإن كان للأمر علاقة بتطوير الاستراتيجية الدفاعية والأمنية لموريتانيا كما يقول آخرون، فالرجل كان على رأس المؤسسة الدفاعية في البلد، وقبلها كان مديراً للأمن، ومغادرة ولد عبد العزيز للسلطة لا تعني بالضرورة انهيار تلك المنظومة أو تراجعها بشكل تلقائي».
«وانطلاقاً مما سبق وتأسيساً على عوامل ومؤشرات أخرى يضيق المقام عنها، يقول الإعلامي أبو المعالي، فإنه يمكن القول إن إرسال تنظيم القاعدة لمسلحين من عناصره إلى الأراضي الموريتانية لتنفيذ عمليات داخلها أمر غير وارد بل مستبعد جداً، لكن يبقى احتمال آخر قد يكون وارداً إن صح دخول هؤلاء العناصر إلى الأراضي الموريتانية، وهو احتمال لا يدعو إلى القلق أو الاستنفار، إذ قد يتعلق الأمر بعناصر من التنظيم قرروا مغادرته والانسحاب منه، ويبحثون عن طريق للعودة من حيث أتوا، وفي هذه الحالة فإنه لا يخشى من أي تصرف يصدر عن هؤلاء في الحالات الطبيعية، لأنهم مجرد باحثين عن مأوى مؤقت في طريقهم لمغادرة المنطقة.
ويعود تاريخ آخر العمليات التي نفذتها التنظيمات الإسلامية المسلحة داخل الأراضي الموريتانية إلى ديسمبر عام 2011؛ ونفذت التنظيمات الجهادية المسلحة عدة عمليات داخل موريتانيا ابتداء من منتصف العقد الماضي، ومن بينها قتل جنود في حامية لمغيطي 2005 وقتل سياح فرنسيين قرب ألاك 2007 وقتل جنود في تورين 2008.
وبلغ معدل العمليات التي نفذها منتمون للجماعات المسلحة ذروته عام 2009 الذي شهد مقتل قس أمريكي بنواكشوط، وتفجير انتحاري نفسه قرب السفارة الفرنسية، واختطاف ثلاثة إسبان على طريق نواذيبو.