مرور عام على ميلاد أول طفلتين “معدلتين” جينيا… أسئلة لا تزال تبحث عن إجابات

اثنين, 11/25/2019 - 10:57

وصل إلى عالمنا قبل بضعة أسابيع، طفلتان صغيرتان جميلتان من الصين، بحالة صحية جيدة مثل أي طفل آخر. تحمل الصغيرتان اسمي /لولو/ و/نانا/”.

بهذه الكلمات، وبابتسامة خجولة ارتسمت على وجهه، أذاع العالم الصيني “هي جيانكوي”، على مجتمع العلم وعلى الناس في أنحاء العالم يوم 25 من تشرين ثان/نوفمبر 2018، للمرة الأولى، نبأ الطفلتين اللتين ولدتا عن طريق التلقيح داخل المختبر، تلاه تعديل جيني قبل أن يتم زراعتهما داخل رحم الأم.

وأصبحتا “لولو ونانا” أول طفلتين معدلتين وراثيا في العالم.

وبعد مرور عام على الولادة، لمتابعة حالة الطفلتين.

لقد تمت معالجة جيناتهما باستخدام مجموعة تعديل الجينات “Crispr/Cas9” لمنحهما مقاومة لفيروس نقص المناعة البشرية (إتش. آي. في).

ولم تنشر “وكالة أنباء الصين الجديدة” الرسمية (شينخوا)، أي أخبار أو تقارير بشأنهما منذ كانون ثان/يناير الماضي.

وتردد آنذاك إن السلطات كانت على دراية بهوية الطفلتين وأنهما تخضعان للملاحظة الطبية.

وينطبق الأمر نفسه على امرأة كانت حبلى في ذلك الوقت في جنين ثالث، قام العالِم “هي” بمعالجة جيناته وراثياً. ولم يتم الإعلان في أي وقت مضى عما إذا كان الطفل قد وُلِدَ.

وماذا عن هي جيانكوي؟ اختفى عالم الفيزياء الحيوية عن المشهد العام، ولم يتم نشر تقرير نهائي عن إنجازه.

وأفاد تقرير مؤقت للحكومة صدر في كانون ثان/يناير الماضي، بأن “هي” سيتلقى عقابا، “وفق القوانين والإجراءات الرسمية”. وترك ذلك المجال “مفتوحا” للتكهن بشأن ما يعنيه ذلك الإعلان. ولم يكن هناك أي حديث عن أي إلقاء القبض على العالِم آنذاك. وبعد فترة وجيزة من الإعلان الذي أطلقه “هي” قامت الجامعة التي يعمل بها باحثا في مدينة شنتشن بجنوب الصين، بفصله من عمله.

والآن، تقول الجامعة لوكالة الانباء الالمانية (د.ب.أ) إنها لا تعرف شيئا عن مكانه حاليا. وقال متحدث باسم الجامعة: “لم يعد لدينا.”

كما قامت شركة متخصصة في علم الوراثة، مقرها شنتشن، كان للعالِم دور قيادي بها في العام الماضي، بتغيير اسمها عقب الجدل الذي ثار حوله.

واليوم، يقول أحد العاملين بالشركة إنه لا يعرف مكانه.

وفي الوقت الذي يتواصل فيه الغموض بشأن العالِم “هي”، لا يزال البحث في هذا المجال العلمي مستمرا.

ويتواصل العمل في المختبرات في أنحاء العالم، سعيا لتطوير تقنية تعديل الجينات، والتي تشمل هدف جعلها تقنية يمكن تطبيقها على البشر.

ورغم دعوات العديد من الباحثين والخبراء إلى فرض حظر على التعديل الوراثي، والاتفاق الطوعي بعدم إجراء أبحاث عليه، أعلن العالم الروسي دينيس ريبريكوف قبل أسابيع قليلة عن هدفه لعلاج الصمم الوراثي عبر تعديل جيني للجنين.

وفي حزيران/يونيو الماضي، أعلن الباحث في “الجامعة الطبية للأبحاث الوطنية الروسية” في البداية عن هدفه لتعديل جينات الأطفال، لمنحهم مقاومة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (ايدز)، كما فعل “هي”.

ويبدو أن هناك حاجة ملحة في الوقت الحالي لمناقشة القضايا الأخلاقية ذات الصلة، ووضع مبادئ توجيهية ملزمة دوليا بشأن مثل هذه الأنشطة، بحسب ما يقوله بيتر دابروك، رئيس “مجلس الأخلاقيات الألماني”.

وأشار دابروك إلى الحاجة إلى نقاش واسع النطاق، على المستوىين المحلي والدولي، وأوضح أنه “يجب أن تغادر القضية مجال النقاش بين الخبراء وأن تتحول إلى نقاش اجتماعي… وهو أمر له بُعدُ تاريخي إنساني.”

وفي أيار/مايو الماضي، أعلنت لجنة الخبراء بالمجلس موقفها بشأن ما يعرف باسم تعديل الجينوم البشري، أو معالجة جينات النسل.

واتفق الخبراء على أنه لا يمكن السماح لهذه الإجراءات حاليا بسبب ما تشكله من مخاطر، ولكن لا يمكن استبعادها تماما لأسباب أخلاقية. وفي الوقت نفسه، شكلت “منظمة الصحة العالمية” مجلس خبراء لصياغة مبادئ توجيهية للإشراف على استخدام مثل هذه التقنيات وإثارة نقاش عام.

وفي محاولة لإضفاء المزيد من الشفافية، قامت منظمة الصحة العالمية بإنشاء سجل للدراسات السريرية ذات الصلة في هذا المجال.

ومازال التعديل في المواد الوراثية البشرية، محظورا في كثير من الدول، وبينها ألمانيا والولايات المتحدة.

ويرى دابروك أن عقد مؤتمر دولي على مستوى الأمم المتحدة – مماثل لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ – يمكن أن يشكل استراتيجية مُتَصَوَّرة لإثارة حالة نقاش واسعة النطاق، ويعتقد أن ألمانيا يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في هذا الصدد.

وأظهر رد الفعل على إعلان الباحث الروسي ريبريكوف، أن الجدل لم يذهب سدى حتى الآن، بحسب دابروك الذي يقول: “ألقى (ريبريكوف) حجرا في الماء، ويراقب الآن ليرى ماذا سيحدث”.

وأكدت الجهات الرقابية في روسيا و”بوضوح مذهل”، أنها لن تسمح في الوقت الحالي بإجراء مثل هذه التجارب.

وحذر الخبراء في روسيا مرارا وتكرارا من أنه من الممكن أن تتسبب مثل هذه المشاريع – مثل مشروع ريبريكوف – في الإضرار بصلاحيات البلاد في عالم العلوم.

وعلى النقيض من الصيني “هي”، أخبر ريبريكوف مجلة “نيتشر” الدورية العلمية أنه ينتظر الحصول على إذن من وزارة الصحة أولا، قبل أن يقوم بزرع خلايا تم تعديلها وراثياً في رحم المرأة.

كما أنه يرغب في أن يكون على يقين على نحو مسبق، من أن هذه الطريقة لا تنطوي على خطورة. ويقول ريبريكوف إنه عثر على إجراء أكثر أمانا من مجموعة “Crispr / Cas9 ” لتعديل الجينات، مع وجود خطر أقل للتأثير على المادة الوراثية خارج الهدف.

ويُعتبر خطر ما يسمى بـ “الآثار غير المستهدفة”، عقبة رئيسية أمام تطبيقات تعديل الجينات الوراثية في عالم الطب.