عبد الباري عطوان/ التّلاسُن بالصّواريخ يتصاعد بين إيران ودولة الاحتلال..

أربعاء, 12/11/2019 - 00:56

التّلاسُن بالصّواريخ يتصاعد بين إيران ودولة الاحتلال.. لماذا يُهدِّد الحرس الثوري الآن بتسويةِ تل أبيب بالأرض ومن لبنان؟ وهل الغضب اللّبنانيّ الرسميّ “مُبَرّر”؟ وكيف دخَل الحوثيّون على حلبَة التّهديدات؟ ومن سيُطلِق الصّاروخ الأوّل الذي سيُفَجِّر الحرب الشّاملة؟

 

تزداد حدّة التّهديدات العسكريّة المُتبادلة بين المَسؤولين الإيرانيين ونُظرائهم الإسرائيليين هذه الأيّام في ظِل تواتر التقارير الإخباريّة عن وجود خُطط أمريكيّة إسرائيليّة لتوجيه ضرَبات صاروخيّة تستهدف بُنىً تحتيّة عسكريّة واقتصاديّة إيرانيّة بهدفِ تدميرها، وخاصّةً المُنشآت النوويّة.

الصّراع الآن لم يعُد صِراعًا عَربيًّا إسرائيليًّا، وإنّما صِراعًا عَربيًّا إيرانيًّا من جهةٍ وإسرائيليًّا من الجِهة المُقابلة، ففي وقتٍ تتّجه فيه دول عربيّة للتّطبيع مع دولة الاحتِلال الإسرائيليّ، تتعزّز قُدرات الرّدع في دول محور المُقاومة وأذرعه العسكريّة الضّاربة، في تزامنٍ مع تسارعِ عمليّات تخصيب اليورانيوم في المُنشآت النوويّة الإيرانيّة.

الطّرف الإسرائيليّ كان البادئ عندما هدّد نفتالي بينيت، وزير الحرب الإسرائيلي، بتحويل سورية إلى فيتنام أُخرى لإيران، وتعهّد بإنهاء الوجود العسكريّ الإيرانيّ فيها، داعيًا حُكومته إلى الانتقال من الرّدع إلى الهُجوم ومُتعهّدًا في الوقت نفسه بمَنع إيران من امتِلاك أسلحة نوويّة.

السّلطات الإيرانيّة تُدرك جيّدًا أنّ هذه التّهديدات الإسرائيليّة نابعةٌ من قلَق من حُكومة تل أبيب من فشل الحِصار الاقتصادي، والمُظاهرات التي انطلقت في عدّة مُدن إيرانيّة نتيجةً له، في تقويضِ النّظام الإيراني من الدّاخل وإسقاطه بالتّالي، وأنّ هذا القَلق قد يدفع حُكومة نِتنياهو، التي تترنّح من جرّاء الأزَمَة السياسيّة التي تعيشها الدولة العبريّة حاليًّا، إلى توجيه ضرَبات عسكريّة مُتهوّرة، بغِطاءٍ أمريكيٍّ على أهدافٍ نوويّةٍ إيرانيّة، لإنقاذ نفسها، وزيادة شعبيّتها بِما يُؤهّلها للفوز بالجولة الانتخابيّة الثّالثة في غُضون الأشهُر الأربعة المُقبلة، ولكن هل تبقى “إسرائيل” على حالها إذا ما اندلعت الحرب؟

 

***

 

الإيرانيّون، وبعد أن أخمَدوا نيران الاحتِجاجات، وسيطرت قوّاتهم الأمنيّة على الأوضاع بأقل الخسائر البشريّة، لن يكونوا مُطلِقي الرّصاصة الأُولى، أو الصّاروخ الأوّل، وسيتركون هذا الأمر للإسرائيليين المَأزومين، ليفتحوا أبواب جهنّم، بردّهم المُزلزِل على العُدوان.

اللواء مرتضى قرباني المُستشار في الحرس الثوري عبّر بشكلٍ دقيقٍ عن هذه الاستراتيجيّة الإيرانيّة عندما نقلت عنه وكالة “ميزان” قوله “سنُدَمِّر إسرائيل من دون إطلاق صاروخ واحد من الأراضي الإيرانيّة”، وأضاف “إذا ارتكبت إسرائيل أصغر خطأ تُجاه ايران سنُسوّي تل أبيب بالأرض من لبنان، ومن دون الحاجة إلى مَعدّات أو إطلاق صواريخ من إيران”، وأضاف “إذا أمَرنا مُرشد الثّورة في “ليلةٍ ما” بإطلاق الصٍواريخ فإنّ جميع الإسرائيليين سيَرفعون راية الاستِسلام.. سنَقطعُ آذانهم إرَبًا ولا نخشى من جراثيم الفَساد”.

تصريحات اللواء قرباني هي الأقوى من نوعِها مُنذ عشر سنوات على الأقل، وبالتّحديد مُنذ أن كان الرئيس السّابق أحمدي نجاد في السّلطة، ممّا يعني من وجهةِ نظرنا أنّ المِزاج الإيراني الرّاهن هو “مِزاج حرب”، وهذا ينطبق على أذرع حُلفاء إيران العسكريّة مِثل “حزب الله” في لبنان،  و”أنصار الله” في اليمن، وحركتيّ “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في غزّة، و”الحشد الشعبي” في العِراق.

نتَفهّم قلق السيّد إلياس بوصعب، وزير الدّفاع اللبناني، من جرّاء تهديد اللواء قرباني بتحويل الأراضي اللبنانيّة إلى قاعدة لتدمير تل أبيب ومُساواتها بالأرض، مِثلَما نتَفهّم أيضًا وصفه لها بأنّها “كلام مُؤسِف وغير مقبول ويُشكّل تعدّيًا على أرض لبنان وسِيادته”، ولكن عندما تندلع نيران الحَرب وتخرج الصّواريخ من مخابِئها، فإنّه من الصّعب “تحييد” بعض الجبَهات، واللبنانيّة منها بالذّات، فالحرب ستكون شامِلةً لكُل المِنطقة، لأنّها ستكون مُختلفة، وحجم النّيران المُستَخدمة فيها أكبر وأضخم من كُل سابِقتها عشَرات المرّات، فهِي ببساطة “آخِر الحُروب”، والشّعوب لا تختار أقدارها، ولا جِيرانها، وهذه حقيقة تنطبق على الجميع.

هُناك قرار جرى اتّخاذه قبل أسابيع على أرضيّة نظريّة تقول إنّ “المُؤامرة” الأمريكيّة الإسرائيليّة المدعومة من قِبَل بعض العرب، انتقلت من سورية إلى جميع دول محور المُقاومة وأذرعه، ومثلما نجحت سورية بدَعمٍ من إيران وروسيا و”حزب الله” من إحباطها، سيتكرّر الفشَل نفسه في حال البِدء في تطبيقها، لأنّه سيتم التصدّي لها بالأُسلوب نفسه ومن المحور نفسه.

أمران لافِتان لا بُد من التوقّف عندهما في هذه العُجالة، ويُمكن أن يُضيفا تأكيدًا لما قُلناه سابِقًا:

الأوّل: الأنباء التي ذكرت أنّ مُقاتلات روسيّة من طِراز “سوخوي 35” اعتَرضت طائرات إسرائيليّة في جنوب سورية كانت تُخطِّط لشَن غارات على مِنطقة “T4″، حيث أكبر قاعدة عسكريّة جويّة في سورية ومنَعتها من تنفيذ مهامها.

الثّاني: تصريح اللواء محمد ناصر العاطفي، وزير الدّفاع في حُكومة صنعاء الذي أدلى به إلى صحيفة “المسيرة”، وقال فيه “إنّ إسرائيل شارَكت، وما تَزال، مُنذ اليَوم الأوّل في العُدوان على اليمن”، مُشدِّدًا على “أنّ الثّأر قادِمٌ لا محالة”.

***

المستشار اللواء قرباني لا يُطلِق هذه التٍهديدات من أجل التّرهيب، وفي إطار الحرب النفسيٍة فقط، وإنّما أيضًا على أرضيّة معلوماتيّة تُؤكِّد أنّ هُناك حماقة إسرائيليّة وشيكة، و”الحرس الثوري” ومثلما علّمتنا التّجارب السّابقة يقول ويفعل، ويملك في جُعبته العديد من المُفاجآت على غِرار الصّواريخ التي أسقطت المُسيّرة الأمريكية “غلوبال هوك” فوق مضيق هرمز، وجعلت ترامب يبلَع لسانه، ويتراجَع عن تهديداته، أو تلك المُجنّحة من طِراز “كروز” الإيرانيّة الصُّنع التي انطلقت من صعدة وأصابت مُنشآت أرامكو في بقيق وخريس بدقّةٍ مُتناهيةٍ، ودفعت القِيادة السعوديّة إلى فتح مُفاوضات السّلام مع الحوثيين في مسقط يَأسًا من الحِماية الأمريكيّة.

درجات التوتّر تزداد سُخونةً بشَكلٍ مُتسارعٍ، والمِنطقة بانتِظار “الصّاروخ الأوّل” لكي تنفجر الحرب، سواءً كانت مَحدودةً أو مُوسّعة.. فهل سيأتي هذا الصّاروخ من جنوب لبنان، أو تل ابيب، أو صعدة، أو من غرب العِراق؟ لا نملك الإجابة.. واللُه وحدهُ يعلَم.