الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع الحلقة (8) / المرابط ولد محمد لخديم

اثنين, 06/22/2015 - 15:14

وهي القراءة التي اضطرّ إلى الميل إليها العالم الفيزيائي البريطاني "ستيفن هوكينج" صاحب النّزعة المادية الإلحادية، حيث طعن في الإلحاد في كتابه "تاريخ موجز للزمن"، قائلا: "طالما أنّ للكون بداية فحتما لا بدّ من خالق".
    أمّا العالم الفيزيائي الكنديّ "هيوغ روس"،

فقد نفى أن تكون للإلحاد أيّ علاقة بالعلم، وأكّد أنّ الإلحاد لم يعد سوى مكابرات فلسفية، وكتب يقول: "عندما أبحث عن إلحادي لأناقشه أذهب إلى قسم الفلسفة في الجامعة؛ لأنّه لم يبق في علم الفيزياء شيء يدلّ عليه"..
    وهذا ما قال به أستاذ الرياضيات التطبيقية والفلك، البريطاني "تشاندرا كراماسنغي حيث يقول: "تعرّض دماغي لعملية غسيل هائلة كي أعتقدَ أنّ العلوم لا يمكن أن تتوافق مع أيّ نوع من أنواع الخلق المقصود، ولكنّي الآن لا أستطيع أن أجد أي حجة يقبلها العقل تستطيع الوقوف أمام دلائل قدرة الخالق حولنا؛ الآن ندرك أنّ الإجابة المنطقية الوحيدة لظهور الوجود هي الخلق وليس الخبط العشوائي غير المقصود".
     أمّا العالم "روبرت مليكان"، الحائز جائزة نوبل في الفيزياء، فقد ذهب إلى أبعد من هذا حينما قال: "بالنسبة إلي، من غير الوارد أنّ ملحدا حقيقيا يمكن أن يكون عالما".
   وعلى صعيد علم الأحياء يقول عالم الكيمياء الحيوية، الأمريكي "مايكل بيهي": "على مدى الأربعين سنة الماضية اكتشفت علوم الحياة أسرار الخلية، واستلزم ذلك من عشرات الآلاف من الأشخاص تكريس أفضل سنوات حياتهم، وتجسَّدت نتيجة كلّ هذه الجهود المتراكمة لدراسة الخلية في صرخة عالية تقول: إنّه التصميم المُوَجَّه الرشيد؛ وهو ما يؤدي حتماً إلى التسليم بوجود الخالق المُبدع".
     لقد أصبح الإلحاد مجرّد مكابرات فارغة، لا تستند إلى علم ولا عقل ولا منطق. وقد اعترف كثير من العلماء بأنّ النّزوع إلى الإلحاد ما هو في حقيقة الأمر إلا خضوع لعقد ونزوات نفسية، كثيرا ما تكون مرتبطة بظروف النّشأة. يقول أستاذ الطب النّفسيّ في جامعة نيويورك "بول فيتز" في كتابه "منظور التقصير الأبوي": "إنّ نسبة كبيرة من الملحدين، سبب إلحادهم هو إما أسلوب نمط الشدّة في التربية، مثل   "كارل ماركس" و"فرويد"، أو إنّ والديهم تُوفّوا في الصغر مثل "جان بول سارتر". وقد اعترف "بول سارتر" في كتاب "وداعا سارتر" بأنّ السبب الحقيقي لإلحاده هو أحداث جرت في طفولته".
       وربّما يكون النّزوع إلى الإلحاد والإصرار عليه بسبب الحقيقة التي يخشى الملحد مواجهتها عندما يتخلّى عن مكابراته، كماتقدم آنفا من كلام (لتراوسكارلندرج) وكما يقول المحامي "كيث"، أحد أكثر المتحمّسين لنظرية التطوّر في هذا الصدد: "إنّ نظرية النشوء والارتقاء غير ثابتة علمياً، ولا سبيل إلى إثباتها بالبرهان، ونحن لا نؤمن بها إلا لأنّ الخيار الوحيد بعد ذلك هو الإيمان بالخلق الخاصّ المباشر، وهذا ما لا يمكن حتى التفكير فيه"!
     المكابرات التي يصرّ عليها بعض المتعصّبين المتشبّثين بالإلحاد، اضطرّتهم إلى أن يتواصوا بترك المناظرات العلمية، لأنّها أدّت إلى زعزعة أوساطهم، وتسبّبت في إذعان كثير من أساطينهم للحقيقة؛ فمنذ مطلع السبعينيات، وبدء المناظرات العلمية، اضطرّ مئات العلماء الذين كانوا من أنصار نظرية التطوّر والارتقاء إلى التخلّي عنها، والانضمام ليس فقط إلى أنصار نظرية التّصميم، بل أذعن عشرات منهم لحقيقة الخلق المباشر، ما جعل علماء كبارا من منظّري الداروينية، مثل "ستيفن جاي قولد" و"إسحاق إيسيموف"، يصرخون بأنّه يجب على التطوريين أن يتوقفوا عن المناظرات بعد أن خسروا أكثر من 100 مناظرة.(25)
   مما سبق يتبين بالبراهين والأدلة الحديثة من أساطين العلم الحديث بطلان النظريات التي كان الملحدون يتشبّثون بها، وفقدانها لكل أساس كانت تقف عليه على ألسنة الدلائل وألسنة الخلائق..
    وأن توالي الاكتشافات العلمية أجبرت أشدّ المدافعين عن الإلحاد على الإذعان والتّسليم بوجود خالق عليم حكيم لهذا الكون.وأن منهج الفطرة السليمة يقتضي ذالك...
          فقد اتجهت الأنظار منذ زمن بعيد أن بناء الفكر وبناء الوجود واحد وليس هناك صيغة للأفكار إلا أجسادها اللفظية وهذا ما يقتضي إيجاد نظرية تبحث في اللغة بحثا جدليا يكشف عن التضاد القائم في كل لفظ من ألفاظها ليصلوا من خلال هذه الخصائص اللغوية إلى إقامة فلسفة تعتمد أمثلة ذات وجهين، وجه طبيعي وآخر إنساني مجتمعين معا في اللفظ..
      إن هناك حاجة لنشوء نظرية لغوية عامة لا تنفصل فيها الصورة عن المادة تكون قاعدة لهذه الفلسفات، فهل يمكننا القول أننا قد اقتربنا فعلا من هذه النظرية ؟!!
      إذا رجعنا إلى المقاربة السالفة الذكر(26) للحضارة ووصفها كنسق كلي جامع يحدد عقليتها ونمط رؤيتها للوجود وأخذنا المقارنة التي أنجزها مالك بن نبي في سياق المقاربة بين قصتي روبنسون كروزو     وحي ابن يقظان واستنتاجه للتمايز بين العقلين الغربي والشرقي، حيث ينتهي إلى تقرير اختلاف جوهري في الرؤية إلى الكائن الإنساني ووظيفته في الوجود، إذ تنزع الرؤية الفلسفية للحضارة الإسلامية نحو نظرة كلية كيفية، وتنزع الرؤية الغربية نحو نظرة (27) تحليلية كمية.
         وكون هذه الرؤية الكمية لاتبدو فقط في هذا النتاج السردي الروائي ولا في النمط الثقافي الحضاري الغربي الراهن، بل حتى في الخلفية الثقافية الهلينية ووقوف مدرسة فرانكفورت مليا عند أسطورة أو ديسيوس في ملحمة الأوديسة كاشفة عن مركزية هذه الرؤية المادية التي سيصطلح عليها هوركايم وأدرولو بالأدائية.
        وتمظهرها...