الليبرالية الجديدة “شـكل جديد للاستعمار القديم”

أربعاء, 12/30/2020 - 16:32

نشر موقع “الدراسات الإستراتيجية العالمي” مقالاً تحليلياً عن “الليبرالية الجديدة” جاء فيه:

يعود ظهور “الليبرالية الجديدة” كتعريف لمجموعة من المعتقدات الاقتصادية إلى الاقتصادي الألماني ألكسندر روستوف عام 1938 والذي كان واحد من مجموعة صغيرة من المفكرين الأوروبيين والأمريكيين الذين بدؤوا بالتنظير حول “ضرورة إعادة تعريف القيم الليبرالية” في إطار التساؤلات عقب الأزمة الاقتصادية في ثلاثينيات القرن العشرين، وبالرغم من خلفياتهم الفكرية المختلفة إلا أن الليبراليين الأوائل اشتركوا في مقاومة صعود الأحزاب والفكر الجمعي الذي تجذر عبر أطياف الفكر السياسي مثل الاشتراكية، لقد ادّعوا بأنهم “يسعون إلى إعلاء قيم المجتمع والجماعة والتخطيط العقلاني”، الأمر الذي أشعر “الليبراليين الجدد” بأنه لن يقود إلا إلى الشمولية والعبودية، فما هي “الليبرالية الجديدة”؟

“الليبرالية الجديدة” هي حزمة من السياسات الاقتصادية انتشرت على نطاق واسع في العقود الأخيرة في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، ورغم ندرة استخدام المصطلح إلا أن تأثيراته واضحة حيث يزيد الفقراء فقراً والأثرياء ثراء.

تحمل “الليبرالية الجديدة” أفكاراً سياسية واقتصادية وحتى دينية وتتبنى إستراتيجية “تهدف إلى منع الصراع الطبقي” ويتم تقديمها إلى الفقراء والطبقة العاملة على أنها “نزعة تقدمية في مقابل النزعة المحافظة أو اليمينية”، وحين يصرح السياسيون ذوي النزعة اليمينية بأنهم يكرهون الليبراليين فإنهم يقصدون النوع السياسي من الليبرالية، وليس لديهم مشكلة مع الليبرالية الاقتصادية والتي تنضوي “الليبرالية الجديدة” تحت لوائها.

لقد ساهمت الأزمة المالية في العقود الأخيرة بتقليص معدلات الربح، ما ألهم الشركات العملاقة بإعادة إحياء الليبرالية الاقتصادية وهو ما أطلق عليها “الليبرالية الجديدة” التي انتشرت على نطاق عالمي في ظل العولمة المتسارعة للاقتصاد الرأسمالي.

وتتسم “الليبرالية الجديدة” بعدة ملامح، يمكن تلخيصها بما يلي:

1-هيمنة السوق، وهو ما يعني رفع كافة القيود التي تفرضها الحكومات على المشروعات الخاصة مهما كانت التبعات والأضرار التي يتسبب فيها رفع هذه القيود، ومزيد من الانفتاح على التجارة والاستثمار الدولي وتخفيض الأجور وعدم التدخل لضبط الأسعار، إضافة إلى إتاحة الحرية الكاملة لحركة رؤوس الأموال والبضائع والخدمات.

2- تقليص الإنفاق على الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية وتخفيض الإنفاق على الضمان الاجتماعي والبنى التحتية كصيانة الطرق والجسور وخدمات المياه والكهرباء تحت مسمى تقليص دور الدولة، وبالطبع لا يعارضون الدعم الحكومي لرجال الأعمال.

3- التحرير: ويعني تقليص التدخل الحكومي في أي شيء قد يخفض الربح حتى فيما يختص بتهديد البيئة والأمن الصناعي.

4- الخصخصة: أي بيع المشروعات والبضائع والخدمات التي تمتلكها الدولة إلى رجال الأعمال، ويتضمن ذلك بيع البنوك والصناعات الحيوية والسكك الحديدية والكهرباء والمدارس والمستشفيات وغيرها، ورغم أن البيع يتم بحجة “البحث عن كفاءة الإدارة” إلا أن الخصخصة تؤدي إلى تمركز الثروة في أيدي قلة من رجال الأعمال، مقابل أن يضطر المواطن العادي إلى دفع المزيد مقابل احتياجاته.

5- القضاء على مفهوم الصالح العام أو المجتمع واستبداله بمصطلح المسؤولية الفردية والضغط على الشرائح الأفقر في المجتمع من أجل البحث عن حلول لمشاكلهم الخاصة بنقص الرعاية الصحية، والتعليم والضمان الاجتماعي، وإذا فشلوا في إيجاد الحلول يتم توجيه اللوم إليهم “باعتبارهم كسالى”!.

تقوم مؤسسات مالية قوية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالترويج “لليبرالية الجديدة” ومحاولة فرضها على جميع أنحاء العالم.

وانتشرت “الليبرالية الجديدة” في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، وقد ظهر أول نموذج واضح لتطبيقها في دولة تشيلي”بفضل الاقتصادي في جامعة شيكاغو ميلتون فريدمان”، وتم هذا عقب الانقلاب الذي رعته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ضد الرئيس التشيلي سلفادور الليندي عام 1973 وتلت تشيلي دول أخرى، لكن أسوأ النتائج كانت في المكسيك، حيث وصف أحد الباحثين “الليبرالية الجديدة” بقوله:”إنها استعمار جديد لأمريكا اللاتينية”.

ولا شك في أن “الليبرالية الجديدة” تدمر برامج الرفاهية الاجتماعية الجديدة حتى في البلدان الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وتهاجم حقوق العمال لاسيّما العمال المهاجرين، وتقتطع من ميزانية البرامج الاجتماعية إذ يعمل الليبراليون الجدد على إنكار حقوق الأطفال والنساء والآثار السلبية المهددة لكوكب الأرض ويحاولون استدراج شعوب العالم بقولهم” سوف يرفع هذا يد الحكومة عن كاهلنا”.

إن المستفيدين من “الليبرالية الجديدة” هم قلة محدودة من سكان العالم، أما الأغلبية الساحقة من السكان فلن تجلب لهم سوى المزيد من المعاناة بعيداً عن المكتسبات التي تحققت في الستين عاماً الماضية ما يجعلها معاناة بلا حدود.

إن “الليبرالية الجديدة” تمثل شكلاً جديداً من أشكال الاستعمار القديم وتطال الدول التي تحاول تقديم الخدمات لشعوبها عن طريق النقابات والمنظمات والأحزاب.

هذا بعض ما تحاول “الليبرالية الجديدة” الوصول إليه وخاصة في الشرق الأوسط.