جدل حول المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم المتواصل في موريتانيا برعاية الإمارات

خميس, 02/10/2022 - 09:40

مع أنه شهد حضوراً واسعاً من طرف علماء ومشايخ الطرق في إفريقيا، فقد أثار المؤتمر الإفريقي للسلم المتواصل في نواكشوط حالياً، جدلاً واسعاً وقوبل بانتقادات من طرف مفكرين إسلاميين أكدوا أنه “استخدام للدين الإسلامي لخدمة أجندات معادية للإسلام، كما أنه لقاء لا يذكر فيه احتلال فلسطين ولا معاناة أهلها”.

وأكد الرئيس الموريتاني، محمد الشيخ الغزواني، في مداخلة له أمام المؤتمر، أن “التطرف وما ينشأ عنه من عنف وإرهاب يحصد أرواح الأبرياء ويلحق بالغ الضرر باقتصاديات العديد من البلدان وبأمنها واستقرارها، يشكل اليوم، خاصة في القارة الإفريقية، خطراً محدقاً يهدد كيانات الدول ويسد كل آفاق الاستقرار والتنمية”.
“ونظراً لتعقد ظاهرة التطرف والإرهاب بحكم تشابك عواملها المتعددة، يضيف الرئيس الموريتاني، فقد تبنت الجمهورية الإسلامية الموريتانية، في مواجهتها، استراتيجية مندمجة ومتكاملة لم تقتصر على البعد العسكري والتنموي فقط، بل شملت كذلك بعداً فكرياً هو محور أساسي في بنيتها العامة، إذ التطرف في الأفكار هو غالباً منشأ التطرف والعنف في الأفعال، فالفكر المتطرف يجد في هشاشة الأوضاع الاجتماعية والظلم والفقر والجهل والبطالة، بيئة مواتية للنمو والانتشار في الجسم الاجتماعي خاصة في فئة الشباب ليتحول على إثر ذلك إلى عنف إرهابي فعلي هادم وفتاك”.
وقال: “صحيح أن الانتصار على الإرهاب يستلزم ضرورة كسر شوكته العسكرية وكذلك حرمانه من بيئة مواتية بالعمل على مكافحة الجهل والبطالة والفقر وعلى إقامة دولة قانون راسخة الأساس وبناء تنمية شاملة مستديمة، ولكنه يتطلب كذلك في المرتبة الأولى، العمل على تنقية العقول من بذور التطرف الفكري بإشاعة ثقافة السلام والمحبة والإخاء وبنشر قيم الدين الإسلامي الحنيف من تسامح ووسطية وإخاء والذود عنها في وجه قراءات منحرفة وتأويلات منحرفة”.
وتحدث الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة وهي هيئة تدعمها الإمارات العربية وتتولى الإشراف على المؤتمر “أن سبب بعض النزاعات التي تحدث في القارة الإفريقية هو التباس في فهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطاعة ولي الأمر”، مؤكداً “على “أنه من واجب العلماء والمفكرين تبيين مقاصد الشريعة”.
وأكد “أن على العلماء والمفكرين أن يساهموا في صناعة السلم والدعوة إليه”.
وتوقف الشيخ بن بيه عن الوضع في إفريقيا، فأوضح “أن النزاعات التي تشهدها بعض المناطق في إفريقيا مردها وجود التباس في فهم النهي عن المنكر والأمر بالمعروف وطاعة ولي الأمر”.
وأضاف: “من واجب العلماء تبيين مقاصد الشريعة، ونحن ندعوهم إلى الالتفات إلى فقه السلم والمفهوم الشرعي”، وفق تعبيره.
وفيما تتواصل أشغال هذا المؤتمر في نواكشوط، تواصل الجدل حوله أيضاً بانتقاد واتهام منظميه بخدمة أجندات خارجية.
وقال المفكر السلفي الموريتاني محمد سالم المجلسي: “مؤتمر تعزيز السلم تموله دولة الإمارات التي لا يزال ينزف الجرح الذي خلفته في اليمن وليبيا وغيرهما، ويحضره سفير الحريات الدينية في أمريكا التي نشرت الخوف والظلم وأسالت الدماء والدموع في كل مكان، هذا فضلاً عن برامجه المضلة المثبورة المبدلة للدين باسم السلم العالمي، والداعية لوحدة الأديان باسم الأخوة الإنسانية، فليت شعري ماذا يُرجى من حكماء النظام العالمي الجديد وقرة عين مسعِّري الحروب وموقِدي الفتن!؟”.
وقال: “لا ريب أنَّه لا تستقيم منفعة مع الفوضى، ولا يُذاق لثمرة حلوة طعم في ظلِّ الخوف، بل الأمن منتجع النُّفوس، ومورد الآمال، ولكن لا سبيل إلى أمن شامل وارف الظلال ما لم تُنكر المنكرات السلطانية، وذلك أمر لا يلوي عليه مؤتمر السلم إلا بجعل الإنكار على الحكام ورفض هيمنة قُوى الكفر العالمي سبيلاً للفوضى واعتراضاً على السلم”.
وزاد المجلسي: “سيقع استبشار بثقة الدَّولة في العلماء، وليتَ شِعري أيَّ علماء!!؟
إنَّهم سيبقون فرقة عَزف لحن الحاكم، ولن ينبت في جهتهم أمل ولو كانوا يغرسون على شَفة السَّحاب، وعجيب أنَّ المؤمن لا يلدغ مِن جُحر مرَّتين، بينما يُراد لنا أن نُلدَغ من جُحرِهم مِراراً”.
وزاد: “عند كلِّ حكومة طائفة منهم، تُبرِّر باطلَها، وتَمدح عاطلَها، ويومَ زار ترامب أرض الجزيرة، وصف بعضُهم زيارته بالمباركة، وثمَّنوا دعوته للسلام، وشَدُّوا على يَده لمحاربة التَّطرُّف استدلالا بالمصلحة وخدمة للإنسانية، كما يفعل علماء البلاط عندنا عند كلّ مضايقة للدَّعوة، وذلك كله شِنشنة معروفة عن علماء السُّوء”.
أما العلامة الشيخ محفوظ إبراهيم فال، فقد علق على مؤتمر “بذل السلام للعالم” قائلاً: “من المؤسف حقاً أن يكون علماء الإسلام هم من يتولون تحريف الدين وطمس معالمه وتشويه حقائقه، وهم من ويبذلون علمهم وفصاحتهم فيما يسمونه ضرورة تصحيح مفاهيم عدة منها: الجهاد وولاة الأمر؛ ويتماهون في خطابهم مع مسؤول الحريات الدينية بوزارة الخارجية الأمريكية ويتبادلون معه الخطب؛ ليس ذلك مكانكم معشر العلماء، بدون مجاملة، إنكم في المكان الخطأ ومع القوم الخطأ وتنشرون الخطاب الخطأ”.
وتدخل القيادي الإسلامي البارز محمد جميل منصور مساهماً في هذا النقاش بقوله: “لم أجد ما يمثلني فيما كتب عن مؤتمر السلم في إفريقيا المنعقد هذه الأيام في نواكشوط، لأن معظم من كتبوا توزعوا نوعين من الناس: نوع ينظر لمضمون الخطاب وطبيعة الأفكار، فيحكم حكماً إيجابياً، ونوع ينظر إلى السياق السياسي وطبيعة الرعاة والاصطفاف في تمايزات الساحة الإسلامية العالمية، فيحكم حكماً سلبياً”.
وقال: “لا أستطيع أن أخفي إعجابي بأفكار الحوار مع الغرب، وتغليب معاني السلم والوسطية والانفتاح، وسبيل التسامح في التعامل مع الآخر الديني والفكري والسياسي، ورفض مسالك التطرف والغلو والتشدد، كما لا أستطيع أن أخفي حساسيتي من الاصطفاف مع من يمول الحروب، ويندفع نحو الكيان الصهيوني معترفاً داعماً، ولا يدخر جهداً في محاصرة الوسطية الإسلامية المشهود لها بذلك”.
وزاد: “كما أجد صعوبة في فهم مؤتمرات للعلماء، لا تذكر فيها فلسطين ولا يندد باحتلالها، ولا تحضر فيها معاناة الأمة بكافة أبعادها، فالأمة تعاني من ثالوث الغزاة والغلاة والطغاة، وهي جهات تتخادم وإن ظهرت متخاصمة متدابرة”.

 

عبد الله مولود

نواكشوط – «القدس العربي»