بين شَبُّو وعبدي.. شجاعة الرعب ...

سبت, 08/20/2022 - 14:43

حكى لي أحد الرعاة أنه ظل تائها بين أذناب الإبل، وأخفافها، لا يدري هل يحافظ على الموجود، أم يواصل قت آثار المفقود، فأجهده الجوع، والتعب، واليأس.. 
استلقى على قفاه في ظل شجرة لا تحجب شمسا ولا ترد ريحا، يقول الرجل كنت أرسم خطة جديدة لمطاردة الضوال، وأستحضر عدد النوق، ومياسمها الخاصة فشعرت بجسم ناعم البطن باردِه يتسلق بطني، فأنكره جلدي، ونفرت منه نفسي، فقال مرافقي(عبدي لا تحرك هذا احْنَشْ أَرْكَطْ اعْلَ كَرْشَكْ)، لن تسلم منه إلا إذا بقيت جامدا كالصخر، تحركت الحية، ثم تمددت، وبدأت رحلتها الاستكشافية فوق بطني وأنا أعلم أن عمري رهين أي حركة، حاولت أن أمنع اقشعرار جلدي، وارتفاع حساسية الاستيحاش، بل حاولت تخفيض وتبطيء حركة أنفاسي ونبضات قلبي..
بدأت الضيفة  أخطر تحرك عرفته تلك المساحة الخاصة من جسمي..شعرت بجُسَيْم مبلل يتحسس تجاويف جلدي وأدركت أنه لسان الحية، وأنها تبحث عن مواضع العرق وتمتصه..كان مرافقي يتجنب الحركة هو الآخر، ويتهيب الكلام خوفا من إثارة (حنش الكايله)، وكان يغمض عينه لا يتحمل متابعة الأحداث..وخطر ما قد تنبئ به مفاجآت اللحظات المنتظرة..
بقيت متسمرا كالجثة، أكاد أخرج من جلدي، أبتلع الخطر توقيا لخطر أكبر..
واصلت الحية زحفها بهدوء، وبطء، وما يعجلها وقد قادها حظها السعيد إلى هذه البقعة المجهدة مشيا وبحثا فصارت كأنما أصابها مطر من عرق..
ثم حدث ما لم يكن بالحسبان، ورمتني معذبتي برصاصة الاحتياط، نزلت الحية بعد أن جففت مواضع التعرق في ثنيات بطني، نزلت في حفرة إبطي، أنا لا أستطيع تحمل لمس الإبط، وردات فعلي قاسية أحيانا (لأنني ما نِنْهَرْ)..وبدأت تخزني تحت الشعر بحثا عن مستنقعات عرق مالح جديدة، ثم شرعت في لعق الإبط، كتمت أنفاسي، حبستها، خيل إلي أن جلدي خرج من جلدي، وأنا أشعر برغبة قاهرة لا إرادية في الانتفاض والخروج من جحيم التحمل والانتظار، ومرافقي يهمس(عبدي لا تحرك)، هو أيضا لا يستطيع الحركة لأن أي استشعار ينبئها بخطر معناه نقطة نهاية لحياتي، توقفت الحية عن تحسس منابت الشعر بعد أن جففت مستنقعات تلك الغابة الصغيرة، ومكثت فترة تأمل وتخطيط، وعشت لحظات فزع شديدة وطويلة، وأنا أتصور أنها ربما راودها خاطر بدخول أحد الجحرين، أعني ثقبي أنفي ولك أن تتصور حجم الكارثة...
طاب للضيفة المقام في مستعمرتها الآمنة، وعرفانا بحسن الضيافة قررت أن تأخذ راحة قصيرة هدأ فيها كل شيء إلا وجيب قلبي، وانتظاري لمصير مجهول، قال مرافقي بصوت منخفض:(عبدي لا تحرك، لحنش دَلَّ راصو لَيْهِ إكِظْ)..

الأستاذ المرتضى ولد محمد لشفاغ