"حُلم الذهب" يحرك الراكد من أسواق موريتانيا

اثنين, 05/02/2016 - 02:02

لا حديث خلال هذه الأيام في موريتانيا إلا عن تراخيص التنقيب عن الذهب للأفراد، وقصص العائدين من ذهب أرض تيجيريت، شمالي موريتانيا، تتسيد الألسن، وحديثهم، إن كذبا أو صدقاً، يكون دائما مقدمة شوق مكتوم لرحلة تنقيب يعلم الغادي إليها تكاليفها وبعضا من مخاطرها، ويجهل كل ما يتعلق بعائداتها. 

رغم كل ذلك فنواكشوط ترحل إلى الشمال صوب الذهب، ومن بقي فيها إما أن يحضر الشمال في أحاديثه وأمانيه، أو يتحدث عن الرحيل، في هذا الجو بدت شوارع المدينة باهتة ووجوه أهلها لا تخفي الدهشة والانبهار ببريق الذهب القادم من الشمال. 

غير أن "حمى الذهب" والتنقيب عنه نفخت الروح في بعض أسواق نواكشوط، بينما يخشى انهيار أسعار الذهب في السوق الداخلية في ظل الحديث عن مضاربات يشهدها أكبر أسواق الذهب في موريتانيا، وبين التنقيب عن الذهب وبيعه، ولدت أسواق أخرى جانبية يقتات أصحابها على آمال المنقبين. 

  
انتعاش أسواق كانت مهجورة 
  
أدى إعلان الحكومة الموريتانية ترخيص التنقيب عن الذهب للأفراد إلى ارتفاع مذهل في أسعار الكراء في بعض الأسواق بوسط مدينة نواكشوط خلال الأسابيع الماضية. 
  
كما ارتفعت أثمان شراء مفاتيح الحوانيت في أسواق كانت إلى وقت قريب مهجورة، إذ وصل سعر المفتاح إلى ثلاثة ملايين أوقية في الأسواق المخصصة لبيع أجهزة التنقيب عن الذهب. 
  
بعض سماسرة العقار تحدثوا لـ"صحراء ميديا" عن مضاربات شهدتها أسواق في قلب العاصمة أدت إلى إخلاء بعض المتاجر من بضاعتها الأصلية وتخصيصها لبائعي أجهزة التنقيب. 
  
ويخشى السماسرة من أن تواصل الأسعار ارتفاعها المجنون في ظل حديث عن أن التنقيب عن الذهب قد لا يحقق لأصحابه الثراء المؤمل، وفق تعبير أحد السماسرة. 

  
مضاربات أسواق الذهب 
  
تشترط الحكومة الموريتانية على من ترخص لهم التنقيب عن الذهب، بيع محصولهم لجهة ستعينها الحكومة بثمن تحدده الأخيرة، ما يجعل المنقبين يلجأوون إلى أسواق أخرى قد يدفع أصحابها أثمانا أفضل مما تعطي الحكومة. 
  
مخاوف أخرى يعبر عنها بعض المهتمين بقصة الذهب، وهي مخاوف لا تقل خطورة عن سابقتها تتعلق بتهريب الذهب إلى الأسواق الخارجية إن أصبح فارق السعر كبيراً؛ وكل هذه المخاوف قد تؤدى إلى انهيار في سوق الذهب الداخلية غير المضبوطة أصلا في موريتانيا. 
  
فجائية الذهب تفرض بحسب الاقتصاديين اتخاذ إجراءات عاجلة لضبط السوق في ظل الحديث عن انخفاض سعر غرام الذهب في السوق المحلية خلال الأسابيع الماضية إلى 10 آلاف أوقية بدل 12500 أوقية قبل بدء التنقيب عن الذهب، مع عزوف ما تخلف من الصناع التقليدين عن رحلة التنقيب، عن شراء ذهب تيجيريت. 

  
الرابحون من الرحلة 
  
ليس أصحاب الحوانيت وحدهم من قفزت أرباحه مع حمى الذهب، فالدولة الموريتانية سجلت هي الأخرى مداخيل لم تكن مدرجة في الميزانية، يتوقع أن تصل أرباح الدولة من الجمركة ورخص التنقيب إلى 7 مليارات من الأوقية بعد تزايد الطلب على التراخيص. 
  
يقول بعض المراقبين إن الحكومة ركبت موجة الذهب، وخلت بين شبابها وصحراء ليس كل ما يلمع فيها ذهبا، يغمز بعضهم في أن ربحا آخر حصلت عليه الدولة وهو إلهاء آلاف الشباب عن الحديث في أمور السياسة والشأن العام. 
  
في غضون ذلك اجتاحت حمى مضاربات الأسعار أسواق استيراد أجهزة التنقيب عن الذهب، إذ أن بعض المحلات في الإمارات العربية المتحدة أصبحت لا تمنح إلا جهازا واحدا لكل مشتر بعد مروره بطابور طويل، كما بدأت بعض الشركات في أميركا وأوروبا ترفض طلبات توريد أجهزتها القادمة من دول أخرى بسبب كم الطلبات الهائل القادم من شمال أفريقيا، وليس ذاك إلا موريتانيا بحسب أحد موردي الأجهزة بسوق الذهب الجديد وسط العاصمة. 
  
الأجهزة قفزت من 300 ألف أوقية إلى مليون ونصف وتزيد أحيانا، يضيف التاجر، مع حديث متزايد عن إدخال كم هائل من الأجهزة المزورة، بريق الذهب يعمى المنقبين أحيانا. 
  
ولكن الأخطر في قصة أجهزة التنقيب عن الذهب هو أن نسبة كبيرة من آلاف الأجهزة التي دخلت موريتانيا خلال الأسابيع الماضية "مزورة" وفق شهادات بعض من وقعوا ضحية لهذه الأجهزة، ومن بحثوا عنها في دول أوروبية فتحدثوا لخبراء أكدوا أن الأجهزة المتداولة في موريتانيا "غير أصلية". 

  
أسواق على هامش التنقيب 
  
كانت مواسم السياسة والحملات الانتخابية وحدها ما يستبشر به ملاك وكالات تأجير السيارات، بيد أن حملات التنقيب الجديدة أنعشت سوقا كان الركود يهددها، فوعورة الطريق إلى الذهب ومشقته رفعت أسعار السيارات رباعية الدفع وزاد الطلب عليها حد الجنون، وفقا لمسير إحدى الوكالات في قلب العاصمة. 
  
من جهة أخرى انتعشت أسواق السيارات المستعملة جراء بيع بعض المنقبين لسياراتهم لتمويل "رحلة العمر" نحو ذهب تيجيريت، هكذا يقول الغادون إلى الذهب وفى حديث بعض العائدين تأتأة خلفها بعد المشقة، وانهيار الأمل. 
  
وغير بعيد من المنقبين عن الذهب ينصب بعض الباعة خيامهم لتزويد الضيوف الجدد في المنطقة بالماء، وبعض المواد الاستهلاكية الأخرى، كما سجلت أسواق البنزين المهرب على طول الطريق الرابط بين نواكشوط ومنطقة التنقيب ارتفاعا في الطلب أدى إلى نضوب المادة في بعض الأخبية المنصوبة على الطريق. 
  
نفس الطفرة عرفتها العقارات في مقاطعة الشامي، عند منتصف الطريق بين نواكشوط ونواذيبو، ضيوف تيجيريت الجدد اشتروا عدة محلات على واجهة الطريق، وأخرى بالمدينة اتخذوها مخازن لأمتعتهم، كما عرفت متاجر المدينة انتعاشا انتشلها والمدينة من الإفلاس، بحسب سائق حافلة تربط بين نواذيبو ونواكشوط. 

المصدر