هونغ دونغ الدولية مشروع ينمو بسرعة فوق المتوقع

أربعاء, 06/01/2016 - 21:40

على الطريق المؤدي إلى "كانصادو"، ذلك الحي الذي يسكنه موظفو شركة "أسنيم"، وعلى بعد كيلومتران من مركز المدينة وعلى أرض ظلت لفترات طويلة غير مستصلحة، اختار شركة هونغ دونغ الصينية الدولية المحدودة أن تشيد مجمعها الذي يجتوي زيادة على شاطئ الصيد، مصنعا لمعالجة الأسماك، ووحدات لتثليجها وتخزينها، ومكاتب، وورشة تصليح للسفن وفندق، باختصار مدينة تخرج من العدم.

في مدخل هذه المدينة، دركي يضبط حركة مرور الزائرين الذين يبدو أن بعضهم فضل الاستمتاع الذي يمنحه نسيم الصباح العليل الذي يجود به المحيط في مصلحة بعض أصحاب القوارب الذين يبدو أن ربابنتهم وأفراد طاقمهم يضعون اللمسات الأخيرة على آخر إجراءات النزول إلى الأعماق في مغامرة يرجون أن تكون مثمرة من حيث كم الأسماك المصطادة.

أسماك من كل الأنواع المرغوب فيها دوليا ، والتي تكثر في المياه الموريتانية ويعشقها الآسيويون والذين يؤكد مسؤول موريتاني في الشركة الصينية أنهم المستقبل الأول لمئات آلاف الأطنان من السمك التي تصدرها هونغ دونغ بعد معالجة كاملة ( التقطيع، نزع الأحشاء، قطع الرؤوس، والغسل) وذلك في قاعات معالجة بقدرة 300 طن في اليوم.

على الرصيف الذي بنته هونغ دونغ لا شيء إلا الضجة، فالجميع مشغول فمن لديه شباكه والذي يحمل صناراته وطعمه، هنا يشرح لنا مسؤول موريتاني "لا نخسر الوقت فحين تضع الباخرة حمولتها ويكون من المؤكد ألا مشكلة لديها تعود أدراجها إلى البحر"، طيلة وجودنا هناك كانت الشاحنات المصنوعة في الصين نزأر في جوانبنا، عمال موريتانيون يحملون الشباك إلى الباخرات المنتظمة في الماء، وبين الصينيين والموريتانيين علامات كبيرة للتفاهم رغم حاجز اللغة، فالابتسامات المتبادلة تصنع جوا حميميا في جنبات المجمع، وحين يصادف مرشدنا أي صيني يبادره بعبارة "هي ها"، وهي العبارة التي تعني السلام.

الصيد: قطاع يبحث عن نفسه

 

الشركة الصينية للصيد "هونغ دونغ"، كانت نتاج الاتفاقية الصاخبة التي وقعت موريتانيا في العام 2010 مع مجموعة بولي تكنولوجي العالمية والتي تمثل هونغ دونغ أحد أذرعتها، هذا الاستثمار كلف المجموعة ما يقارب 200 مليون دولار، بهدف خلق قطب إقليمي لمصايد الأسماك يستقبل المنتجات البحرية القادمة من شبه الإقليم ( المغرب، السنغال، غينيا ، غامبيا)، ويعالج ويحول كل المنتجات البحرية الموجودة في الأعماق.

في العام 2010، تسبب توقيع الاتفاقية في الكثير من الاحتجاجات خصوصا من قبل الفاعلين في قطاع الصيد،رغم أن الدولة ومقربيها كانوا يتحدثون عنها بوصفها الاتفاقية الأكثر مردودية في تاريخ البلاد، إلا أن النقاد والمكونين في الأساس من فاعلين في القطاع يبدو أن الاتفاقية تلقي بظلالها عليهم وتكاد تفضح أفعالهم، إضافة إلى بعض أفراد الطبقة السياسية والتي اعتبرت الاتفاقية " عملية احتيال ضخمة تشرع النهب الممنهج للسواحل الموريتانية من قبل صيادين في المياه العميقة والسطحية، والتي لن تتوقف على تشريه نشاطاتهم في الصيد".

معارضو الاتفاقية يتحدثون عن معاملات مافيوية، وعمليات نصب إداري من قبل مسؤولين في القطاع، وتساهل مريب من قبل الدولة، وذلك في ظل أن التجارب الموريتانية مع الشركات الخارجية والتي لا تشجع على شيء خصوصا وأن أيا منها لم تترك أي منشأة حين أرادت أن تغلق الباب وتذهب، فغالبية هذه الشركات تترك خلفها بعض المعدات المتهالكة من قبيل البواخر المتقدمة في السن ، ومئات آلاف أطنان النفايات وألواحا من الديون غير المدفوعة. ووفق الخبراء فإن قطاع الصيد لم يستفد منه إلى حد الساعة إلا طبقة من رجال الأعمال التي قل ما تراعي المصلحة الوطنية والدليل أن غالبية هؤلاء والذين عادة ما يكونون مقربين من السلطات التي تتالت على الحكم في البلاد، يغادرون إلى المغرب أو إسبانيا أو فرنسا ليسكنوا في "فيلات" ضخمة ويعيشون بحساب بنكي مريح.

هونغ دونغ الدولية: مجمع حقيقي

 

شركة هونغ دونغ والتي بدأت النشاط قبل سنتين باتت مجمعا حقيقيا للتبريد يتمتع بمكونات متصلة رائعة تجعل منه قطب صيد عصري لديه هدف معالجة وتحويل منتجات الأسماك في جميع مراحل العملية ( شرائح، شرائح اللحم، مكعبات، التكلس، صلصة السردين، نفايات الفارين,,,)،وإضافة إلى أنها شكلت أول تجربة في الصيد الساحلي فإنها مشروع يساعد على إضفاء القيمة على المصادر البحرية مما يسمح باندماج قطاع الصيد، وإلى حد الساعة ما تزال تستثمر عبر باخرات أجنبية بأذونات حرة في الاقتصاد الوطني.

والشركة أيضا والتي تسعى إلى عصرنة الصيد التقليدي والمحلي من خلال تصنيع 100 قارب عصري مهيئة وفق المعايير الدولية، خلقت 4500 فرصة عمل من بينها حوالي 1000 فرصة عمل لصالح النساء و 250 فنيا وبعض الأطر العليا والمتوسطين، إضافة إلى تكوين الأطر الموريتانيين على التقنيات اللازمة والتي يستقونها من نظرائهم الصينيين.وخلق علامة موريتانية وتوطيد الأمن الغذائي من خلال تدفق المنتجات إلى السوق المحلية، ووفق المدير العام للشركة زنك جين شي فإن "مؤسسته تساعد الحكومة الموريتانية في خلق قطبي إقليمي للصيد، وخلق فرص للعمل وزيادة القيمة المضافة، وتجذير المصادر البحرية والتي لا تتمتع بقيمة كبيرة في السوق من خلال التحويل وإعادة التصنيع، هذا كله مع عملنا الدؤوب في المجال الاجتماعي من خلال توزيع كميات من منتجاتنا على المواطنين المعوزين وكذلك رعاية النشاطات الرياضية مثل مارتون نواذيبو"، على حد تعبيره.

مشروع يتقدم بسرعة ..

خلال سنتين من نشاطها في موريتانيا، استطاعت الشركة أن تحقق 95 في المائة مما أرادت تحقيقها في 6 سنوات، ولذلك لا غضاضة في القول إن ما تحقق من مشروع هونغ دونغ يتقدم الآن بشكل كبير بالمقارنة بما كان متفقا عليه، فعلى الأرض بات المصنع المكون من قاعة للمعالجة المنتجات الخام و قاعة للتحويل وورشة للتثليج والتجميد السريع عبر الملامسة مكونة من 10 أنفاق بسعة 300 طن في اليوم، إضافة إلى ورشة للتعليب بسعة 200 طن في اليوم ومستودع للتخزين وآخر لتصنيع الثلج وورشة لإصلاح المعدات البحرية ما تزال في طور الإنجاز وقاعدة سكنية ومستوصف صحي ومركز للتكوين ومركز رياضي وآخر للوقاية المدينة والكثير من قاعات الصلاة.

وقد استطاعت الشركة أن تنتهي من تشييد ميناء صغير لرسو البواخر مكون من مراسي وأرصفة صيدية ووحدة لمعاجلة المياه، وأسطول صيد جديد بالكامل من أجل تزويد المصنع و ناقلتان عملاقتان و 8 سفن عملاقة و 4 شبكات خيشومية و 8 شبكات للصيد السطحي و 10 شبكات للأعماق و 20 قاربا، ووفق مسؤولي الشركة فإن الأخيرة بصدد إنشاء مصنعين أحدها لمعالجة النفايات و الآخر للقوارب التقليدية.

والآن بعد6 سنوات  من انطلاق عمل الشركة فإنها توظفما يربو على ألف عامل من بينهم 625 يعملون في المصنع و481  يعملون في البحر، مع أن نشاطاتها تخلق حوالي 900 فرصة عمل غير مباشرة، وحسب مصلحة المحاسبة في الشركة فإن الأخيرة تضع هؤلاء العمال في أحسن الظروف من حيث الرواتب المقبولة محليا.

القيود والآفاق ..

شركة الصيد الصينية هونغ دونغ نادمة على معالم معينة خصوصا في ما يتعلق بالاستغلال الأمثل لبعض سفنها، وخاصة ضعف القدرات لدى بعض سفن الخط الطويل والتي لا تزال أربع منها متوقفة عن العمل منذ حوالي 8 أشهر وشباك اللحوم والتي يوجد زوج منها خارج نطاق العمل منذ حوالي 4 أشهر والتي أظهرت ضعفا بينا مباشرة بعد الفترة التجريبية التي منحت للشركة.

أذونات الإبحار والتي تمنح كل ثلاثة أشهر قابلة للتجديد بدل منحها كل عام تمثل أيضا أحد القيود زيادة على الاستغلال غير المنتظم حسب روح الاتفاقية للقوارب التقليدية وللتسوية النهائية لضريبة القيمة المضافة والي تشترط تحقيق بعض المكونات الأخرى للمشروع.

وأيضا خفر السواحل الموريتانين والذين يعتمدون ممارسات مغضبة ضد سفن شركة "هونغ دونغ"، إضافة إلى الانقطاعات المتكررة على مستوى الخدمات الحياتية كالماء والكهرباء والصرف الصحي وخدمات الاتصال ( الانترنت وغيره)، كلها عوامل تجعل مهمة عمل الفاعل الصيني صعبة، رغم كل هذا فإن الأمل يظل كبيرا في ظل الإطار الجديد الذي تعكف عليه وزارة الصيد والذي يسمح بخلق ظروف مؤاتية لحوار يفضي إلى شراكة حقيقة.

ومن أجل هذا، فإن سفن هونغ دونغ يجب أن تلقى ذات المعاملة التي تلقاها السفن الوطنية وتستفيد من ذات الكم من الإيجابيات التي يمنحها القانون المؤطر لقطاع الصيد،وهو الأمر الذي يحمل نفس الكم من الاستعجال الذي تحمله ضرورة وضع آليات بغية وجود حل للحفاظ على البيئة في محيط مجمع هونغ دونغ خصوصا وأن مستويات التلوث في بعض المصانع تتعدى المستويات السمو حبها دوليا.

ورغم هذا كله، فإن مدير هونغ دونغ يقول بتفاؤل إن "جميع المشاكل ستنتهي بإيجاد حلول وكل شريك سيأخذ حصته حسب ما تملي الاتفاقية".