عبد الباري عطوان/ لماذا يعتبر الروس حلب هي “ستالينغراد” سورية؟ وهل المقارنة في محلها؟

سبت, 08/06/2016 - 03:24

لماذا يعتبر الروس حلب هي “ستالينغراد” سورية؟ وهل المقارنة في محلها؟ وهل خذلت امريكا وحلفاؤها المعارضة السورية المسلحة فعلا؟ وهل هذا الخذلان جزء من التفاهمات السرية الروسية الامريكية؟

 
 

 

لا نعتقد ان المحلل الروسي الاستراتيجي فلاديمير لبيخين كان مبالغا، عندما وصف معارك مدينة حلب المستعرة حاليا بأنها مماثلة لمعركة ستالينغراد التي غيرت مصير الحرب العالمية الثانية، وجسد الصمود الروسي فيها بداية انهيار الجيش الالماني، وهزيمته في نهاية المطاف.

الحرب في حلب ستغير نتائجها مستقبل سورية والمنطقة العربية بأسرها، لانها مسألة حياة او موت للاطراف المتقاتلة على ارضها، والهزيمة تعني بداية  الانهيار، ان لم يكن الانهيار كله، ولهذا بلغت الحشود العسكرية ذروتها على الجبهات كافة.

قوات الجيش السوري، المدعومة بغطاء جوي روسي مكثف، حققت تقدما كبيرا في المدينة وريفها، واقتربت من مدينة ادلب، وقطعت خطوط امداد المعارضة المسلحة بإستيلائها على طريق الكستيلو، واغلاقها بمساعدة قوات سورية الديمقراطية الكردية التي تسيطر على ثلاثة ارباع مدينة منبج في اغلاق معظم المعابر على الحدود السورية التركية.

***

التحالف السوري الايراني، والذي يضم ايضا قوات النخبة في حزب الله، يضع كل ثقله في هذه الحرب، ويريد حسمها لصالحه، وفعلت قوات المعارضة السورية المسلحة وفصائلها بقيادة جبهة “فتح الشام”، او (النصرة سابقا)، الشي نفسه على أمل كسر الحصار عن مقاتليها واستعادة المواقع الاستراتيجية التي سيطر عليها الجيش العربي السوري.

التفاهمات الروسية الامريكية السرية تميل الى اعطاء الضوء الاخضر لاعادة سيطرة الجيش السوري على مدينة حلب مجددا، والقضاء عل جيوب المعارضة المسلحة فيها، ويتضح هذا من خلال الموقف الامريكي الصامت، واكتفاء جون كيري وزير الخارجية الامريكية بمناشدة الجانبين السوري والروسي بضبط النفس، وانشغال تركيا، التي كانت تعتبر حلب خطا احمر، بإزالة آثار الانقلاب العسكري الفاشل، وتماهيها مع سياسة الحليف الروسي الجديد في سورية، ولكنها حرب لن تكون سهلة وقد تطول.

الاستراتيجية الامريكية الروسية في اعطاء الاولوية للقضاء على الفصائل والتنظيمات الاسلامية المتشددة في الوقت الراهن على الاقل، بدأت تتبلور بصورة اكثر وضوحا في معارك حلب، فقد نجح الجانبان الروسي والامريكي في تجميع هذه الفصائل والمنظمات في منطقة واحدة في الشمال الغربي السوري، اي في مديني حلب وادلب، ومن ثم القضاء عليها قضاء مبرما، وهذا ما يحدث حاليا، من خلال التقدم البري والقصف الجوي المكثف.

لم يكن من قبيل الصدفة ان يحدد السيد رمزي عز الدين، مساعد المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الذي زار دمشق قبل بضعة ايام، والتقى السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري، الاول من ايلول (سبتمبر) المقبل كموعد لاستئناف مفاوضات جنيف بين وفد الحكومة السورية ووفود المعارضة، وكأن لسان حاله، ومن خلفه على الاصح، يقول للتحالف الروسي السوري الايراني ان امامكم اربعة اسابيع كاملة لانهاء المعارضة وقواتها في منطقة حلب واريافها، فسارعوا بإنهاء المهمة.

كان من المفترض ان يكون اول آب (اغسطس) الحالي بدء تطبيق المرحلة الانتقالية، ومدتها ستة اشهر، على ان تبدأ الانتخابات البرلمانية والرئاسية، واعداد دستور جديد في غضون 18 شهرا، ولكن لا يوجد اي مؤشر على ان خريطة الطريق التي توصلت اليها مجموعة دعم سورية، سترى نور التطبيق العملي في المستقبل المنظور.

رهان المعارضة السورية المسلحة على امريكا، واوروبا، ودول الخليج، وتركيا، لكسب الحرب في حلب او غيرها واسقاط النظام في دمشق يثبت يوما بعد يوم انه ليس رهانا كاسبا، فهذه الدول تقف موقف المتفرج في معارك حلب الطاحنة، في الوقت الراهن، وتكتفي مثلما هو حال دول خليجية بالصراخ والبرامج التلفزيونية.

اسقاط المعارضة السورية مروحية روسية فوق ادلب لصاروخ حراري، يعتقد ان مصدره المملكة العربية السعودية، وقتل ملاحيها الخمسة، وسحلهم، ورفض تسليم جثامينهم، ربما يحدث انقلابا كبيرا، ونقطة تحول رئيسية في حرب الشمال السوري، الامر الذي يذكر بما حدث لتركيا ورئيسها، رجب طيب اردوغان، عندما أسقطت دفاعاته الجوية طائرة سوخوي روسية قرب الحدود السورية في تشرين الثاني (نوفمير) الماضي، وادى هذا الاسقاط الى حدوث تحول كبير في الموقف التركي في الملف السوري، بعد املاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شروطه القاسية للمصالحة مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان، ولم يجد الاخير اي خيار آخر غير القبول.

***

 

حديث اشتون كارتر وزير الدفاع الامريكي عن الاستعدادات لفتح الجبهة السورية الجنوبية، اي في منطقة درعا وجوارها، بمساعدة اردنية، وربما يكون ايحاءا او تسليما مسبقا بخسارة حلب، وادلب، وجسر الشغور، ولكن من الصعب احياء هذه الجبهة، التي تعتبر البوابة الرئيسية للعاصمة دمشق (90 كيلومترا فقط)، في حال سيطرت قوات الجيش العربي السوري والحلفاء الايرانيين والروس على مدينة حلب، لان هذا يعني تورطا اردنيا مباشرا، وربما جر اسرائيل الى الحرب السورية ايضا.

حرب حلب الحالية هي بكل المقاييس، ام الحروب السورية وابوها واعمامها وخالاتها، وهناك دلائل تشير الى ترجيح كفة النظام وحليفيه الروسي والايراني، بمباركة ودعم امريكي خفي، وهذا ربما ما يفسر قول السيد المعلم اثناء استقباله علاء الدين بروغردي، رئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية الايراني، “ان الصمود هو الخيار الاساسي للشعب والقيادة في سورية وان بشائر النصر اصبحت قريبة”.

هل تفاؤل السيد المعلم في محله؟ التطورات الميدانية في الايام والاسابيع المقبلة ستجيب حتما على هذا السؤال.