مملكة العقل الواحد/عبد الله ولد سيديا

خميس, 10/06/2016 - 01:27

مملكة العقل الواحد: كان هذا عنونا لمسرحية ذائعة الصيت في بدايات التسعينيات قدمتها فرقة مسرح شنقيط لسنوات على خشبة دار الشباب اليتيمة أنذاك في انواكشوط.

 

تحكي المسرحية قصة ملك يوهم شعبه بإنه الوحيد القادر على التفكير والتدبير في المملكة وأن عليهم جميعا الطاعة العمياء والتسليم له في كل الأمور الدنيوية والدينية، واستمرت الرعية في طاعتها العمياء حتى مرض الملك وأصيب بالخرف ، فأصبح يأمرهم بأوامر غريبة كأن يقتلوا أولادهم ونسائهم ويلقوا بأنفسهم إلى التهلكة.

 

عندما ضاق الجمع ذرعا بالأوامر الملكية الغريبة بدأ" العقلاء" منهم على قلتهم يفكرون في طريقة لإنهاء هذا الجحيم وكانت العثرة أمامهم أنه لا أحد من الجند أو الشعب سيمتثل لأي أمر من غير الملك، فاهتدوا إلى إقناع ملكهم بدعوة الجميع إلى اجتماع في ساحة القصر، ثم أتوا بممثل يشبهه ويُقلد صوته فخطب في الناس والجند وطلب منهم إحراقه حيّا في غرفة نومه لأن في ذلك راحته وخلاصهم

 

فما كان منهم إلا أن أحرقوا الملك الحقيقي واستراحت منه مملكته التعيسة والبائسة تذكرت هذه القصة وأنا أتابع بقلب يعتصره الألم المستوى الذي وصلت إليه نقاشات المتحاورين في قصر المؤتمرات الذين بلغ الأمر ببعضهم حد المطالبة بتنصيب ولد عبد العزيز ملكا وأن يكون مجلس الحوار مجلسا للبيعة، طبعا لم يكن لشخص كهذا مهما تفتقت عبقريته تزلفا أن يصل إلى فكرة " المملكة العزيزية" لولا مسلسل التزلف والتطبيل الأعمى الذي دشنه أنصار هذا الرئيس منذ انقلابه قبل ثماني سنوات

 

 بل إن المتتبع لمسار الخطاب السياسي لأنصار هذا الرئيس سيدرك أنه كان منذ البداية غوغائيا شعوبيا وأن من نظر له وكان ملهمه الأول هو الرئيس نفسه في خطاباته منذ خطاب الحي الساكن وحتى خطاب النعمة.

 

ليس غريبا أن يدعو أي كان إلى المملكة في بلاد المنكب البرزخي لأن جميع شواهدها موجودة وما ينقصها هو التسمية فقط. في بلادنا حاكم لا يستشير أحدا وبطانة سوء معظمها من أقارب الحاكم وولد يبطش كأنه ولي للعهد. في بلادنا جميع المال للحاكم وحاشيته وكل الأراضي لأسرته، وبطانته مهيبة الجناح تسخر لها كل موارد الدولة.

 

في بلادنا يقدم التجار والشركات الأجنبية الإتاوات والمكوس للحاكم ليكون بمقدورهم الاستفادة من خيرات البلاد، ومن يجرأ على مخالفة ذلك يضيق على تجارته أو صناعته ويضطر في النهاية إلى الرحيل عن مملكة العزيز. في بلادنا التي يطالب البعض الآن بأن تكون ملكية معيار التوظيف وتسلق المناصب العليا ليس الكفاءة إنما القرب من الحاكم وحاشيته والمبالغة في تبجيله والثناء عليه والنفاق له في كل مجلس

 

وقد رأينا بأم أعيننا وظائف سامية وإدارات ووزارات منحت لحثالة القوم فقط لأنهم كانو بارعين في النفاق للحاكم وحاشيته. في بلادنا يتسول الفقراء قوت يومهم ويطيرون فرحا عندما ينثر الحاكم في طريق موكبه فتاتا من طعام ليتقاتل عليه الفقراء" دكاكين أمل وسمك ياي بوي" كيف لايدعونا" حكيم قصر المؤتمرات "إلى الملكية العزيزية ونحن مملكة سلطة القرار والتقدير والتدبير فيها لشخص واحد

 

نحن والحال هذه مملكة منذ ثماني سنوات على الأقل ولن تغير مسرحية الحوار الحالية من الواقع شيئا سوى تغيير الأسماء والرموز من علم ونشيد لأنه يذكر بزمن الجمهورية التي ذبحت بسكاكين النفاق والخيانة وتفرق دمها بين الشرذمة المجتمعة في قصر المؤتمرات، التي لاتعلم أنها ترتكب جريمة في حق الأجيال القادمة وأن حكم التاريخ عليها سيكون قاسيا وأليما.