أزمة غامبيا تواصل اجتذابها للموريتانيين وتزيد في توتر العلاقة مع السنغال

جمعة, 01/27/2017 - 01:20

 رغم أن رئيسها السابق استقر في مالابو ونقلت له طائرة موريتانية عائلته واقاربه وصناديقه، وبالرغم من وصول رئيسها المنتخب آدم بارو لبانجول لمباشرة مهامه، لاتزال غامبيا وأزمتها تشغل الموريتانيين حتى قضاياهم السياسية الحساسة.

فكل شيء في موريتانيا حتى يوم أمس منشغل بغامبيا. فالمدونون يواصلون تتبعهم لها، والحكومة خصصت أمس جانبا كبيرا من أول اجتماع لها بعد الوساطة الموريتانية، لتداعيات الأزمة الغامبية وتدخل السنغال فيها، وهناك تأكيدات عن قرار موريتاني بعرض الأزمة الغامبية على القمة الإفريقية المقررة في أديس أبابا الأربعاء المقبل، والإعلام الحكومي ينظم ندوات لمناقشة انتصارات الدبلوماسية الموريتانية في إفريقيا التي آخرها إطفاء الرئيس الموريتاني لنيران حرب كانت ستشعل غامبيا وما حولها.
وعادت الأزمة الغامبية على الرئيس الموريتاني بانتصار إعلامي كبير بعد أن تقدم في استطلاع للرأي أجرته قناة الجزيرة القطرية باعتباره أكثر شخصية تأثيراً في أحداث العالم خلال الأسبوع الحالي.
وفاز ولد عبد العزيز بنسبة تصويت ناهزت 799% خلال الساعات الأولى للاستطلاع متقدماً على دونالد ترامب، وذلك بعد ظهوره البارز في وسائل الإعلام الدولية خلال الأيام القليلة الماضية، بوساطة جنبت غامبيا مخاطر حرب أهلية وتدخل خارجي.
وفي إطار الاهتمام الموريتاني الواسع بغامبيا، نظم المركز العربي الإفريقي للإعلام والتنمية أمس حلقة نقاش فكرية تحت عنوان «الأزمة الغامبية ودلالات الوساطة الموريتانية»، أكد خلالها وزير الخارجية الموريتاني الأسبق محمد فال ولد بلال «أن السنغال ومن حولها الأنظمة الفرانكفونية الإفريقية لم تنصف الرئيس الغامبي المهزوم حيث أنها لم تقدر تنظيمه لانتخابات حرة وشفافة ولا اعترافه بالنتائج وتهنئته لخصمه، بل شنت عليه حملة مغرضة أججتها إذاعة فرنسا الدولية ووسائل الإعلام السنغالية في الدقائق الأولى للإعلان عن النتائج.
وتحدث الوزير بلال عن المناخ السياسي الذي جرت فيه انتخابات غامبيا وما شهدته من توتر سياسي استغله اللاعبون الإقليميون للانتقام من الرئيس يحيى جامي الذي لا يرضون عن استقلالية سياساته.
وأكد بلال «وجود لاعبين عديدين في الملف الغامبي من بينهم السنغال وفرنسا التي ظلت تعيق الوساطة الموريتانية في ملفات إفريقية عديدة».
وفي تحليل خاص بتداعيات الأزمة الغامبية، أكد الباحث الموريتاني سيدي ولد المالك «أن الحالة الداخلية في غامبيا لا تبعث على الارتياح؛ فظروف التأزم السياسي والإعلامي التي سبقت رحيل جامي عن السلطة تطرح شكوكاً حول قدرة الرئيس الجديد على الاستمرار في السلطة دون سند داخلي وإقليمي».
«فجامي، يضيف الكاتب، خلق حالة من تجييش العواطف قد تسمم في المستقبل العلاقة بين الرئيس بارو وشعبه، باعتباره «دمية» في أيدي جهات خارجية، وذلك في إشارة إلى السنغال التي احتضنت بارو وأدى اليمين الدستورية على ترابها».
وكان الرئيس الجديد بارو قد أعلن من داكار أنه يتسلم السلطة في بلد خزائنه مستنفَدة، في تأكيد ضمني لتصريحات سابقة أدلى بها مستشاره أحمد آما فاتي قال فيها «إن جامي سرق مبالغ تقدر بـ11.3 مليون دولار أميركي من الخزانة العامة في الأسبوعين الأخيرين من حكمه، وذلك في بلد تقدر كلفة المرتبات السنوية لموظفيه بنحو 4.4 ملايين دولار أمريكي».
واعتبر عبد المالك «أن تردد قائد الجيش الغامبي عثمان بادجي -وهو مقرب اجتماعياً من جامي- منذ البداية في إعلان دعم صريح وثابت للرئيس الجديد بارو حتى تم التوصل لاتفاق التسوية، قد يترجم عدم استقرار بوصلة ولاء المؤسسة العسكرية للرئيس المنتخب ديمقراطياً، ويدعم هذا الطرح كون المؤسسة العسكرية تتكون بشكل رئيسي من أفراد قومية «جولا»، وهي القومية التي ينتمي إليها جامي، وساهمت فتراتُ حكمه في تغلغلها وتنفذها في الأجهزة الأمنية والعسكرية، بعد أن كانت من أكثر القوميات تهميشاً».
وعن التداعيات الإقليمية للأزمة الغامبية، أكد الباحث عبد المالك «أن الوضعيةُ الحالية لغامبيا تفسر وجهاً من أوجه أسباب ودوافع التدخل العسكري لدول «إكواس» بغامبيا، رغم أن اتفاق التسوية الذي تنحى بموجبه جامي، اشترط من بين أمور أخرى عدمَ دخول قواتها إلى غامبيا؛ فمجموعة «إكواس» التي دخلت في توتر دبلوماسي مع الطرفين الراعيين للاتفاق (موريتانيا وغينيا) بحجة خرقها لاتفاق انتقال السلطة، لا تريد لبارو الجلوس على كرسي ملغوم قابل للانفجار في أي لحظة، بسبب انفلات أمني محتمل قد تسببه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي خلفتها تركة جامي، وبالتالي فتدخلها يأتي من باب تأمين استلام بارو للسلطة، وتحييد كل الظروف والمطبات التي قد تهيئ للحكم عليه بالفشل وعدم الأهلية لقيادة البلاد».
ويرى الباحث عبد المالك «أن أبرز التحديات التي تواجه مستقبل الاستقرار الأمني والسياسي بغامبيا، تكمن في قدرة اللاعبين الكبار على التخلي عن فكرة تحويل غامبيا إلى حظيرة خلفية لتصفية خصومات إقليمية معقدة على بلد لا تتجاوز مساحته 11.3 ألف كلم مربع، ويعاني تركة مثقلة من المشاكل الأمنية والسياسية والاجتماعية، فالسنغال التي تعتبر أهم متحمس للتدخل العسكري بغامبيا، ترى في النظام الجديد فرصتها الذهبية لترميم علاقتها الدبلوماسية مع غامبيا التي تصدعت طوال فترة حكم جامي، الذي كانت داكار تعتبره أكبر داعم لمتمردي «حركة القوى الديمقراطية لكازامانس»، التي تسعى لاستقلال منطقة كازامانس في جنوبي السنغال».
وزاد الباحث قوله «لذا فالعلاقة الوطيدة بين انعكاسات التحولات السياسية الداخلية بغامبيا على الجوار الإقليمي، تجعل من السنغال أكبر مستفيد من رحيل دكتاتور غامبيا، بحكم أن التخلص منه سيكون بمثابة قطع رأس أفعى التمرد، وهو ما يضمن لها تحقيق أمنها القومي، وانطلاقاً من هذه الخلفية بادرت السنغال لوضع يدها على الثكنة العسكرية في كانيلاي مسقط رأس جامي». «وثمة بعد آخر قد يكون السبب في التدخل العسكري لـ»إكواس» بعد تنحي جامي، يضيف الباحث، ويتمثل في سعي السنغال لتحجيم دور الوساطة الموريتانية الغينية، ويتجلى هذا الأمر في نفي داكار على لسان وزير خارجيتها مانكير ندياي، وجود أي اتفاق يمنح الحصانة لجامي». ولا يُستبعَد أن يستبطن الموقفُ السنغالي من خرق الاتفاق، حسب تحليلات الكاتب، نكاية بنظام نواكشوط الذي تعتبره السنغال «الحليف المثالي» لجارها المشاكس جامي طيلة حكمه.
وخلص المحلل في آخر معالجته لتأكيد «أن التدخل العسكري وصراع الأجندات الإقليمية واستعراض نشوة الانتصار لا تخدم الشعب الغامبي بشيء، الأمر الذي يحتم على «إكواس» والمجتمع الدولي العمل على مساعدته في بناء تجربته الديمقراطية بمقاربة شاملة تدعم الاقتصاد المنهار، وتُرمم اللُّحمة الوطنية الممزقة، وتساهم في بناء منظومة عسكرية وأمنية متصالحة مع مبادئ الديمقراطية وقيم الجمهورية وثقافة حقوق الإنسان».

 

عبد الله مولود

نواكشوط ـ «القدس العربي»