المدونون يطلقون «نيران» هجماتهم على سفيرة موريتانيا في باريس

اثنين, 02/27/2017 - 01:40

لحضورها العشاء السنوي لمجلس مؤسسات اليهود في فرنسا

 

أطلق المدونون الموريتانيون يؤازرهم أدباء كبار ومنظمات طلابية، نيران تدويناتهم أمس، على السفيرة الموريتانية في باريس، عائشة بنت أمحيحم، لحضورها العشاء السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، وظهورها في صورة مع رئيس المجلس فرانسيس خليفة، اليهودي الفرنسي ذي الأصل الجزائري.
ووجد المدونون الذين تابعوا أمس انشغالهم بالحادثة، في حضور السفيرة الموريتانية لهذا الحفل مغازلة مقصودة لإسرائيل من نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، حيث شككوا في قطع العلاقات الموريتانية الإسرائيلية، واسترجعوا قول الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في خطابه أمام القمة العربية السابعة والعشرين «إن هذه العلاقات مجمدة».
واستنكرت المبادرة الطلابية الموريتانية لمناهضة الاختراق الصهيوني وللدفاع عن القضايا العادلة، ما سمته في بيان وزعته أمس «إقدام السفيرة على مشاركة يهود فرنسا حفلتهم السنوية»، مؤكدة «أن السفيرة تسبح بذلك عكس التيار الشعبي الموريتاني الرافض بالإجماع لأي شكل من أشكال التطبيع مع الصهاينة، ولتلحق العار بالدبلوماسية الموريتانية».
وأضافت المبادرة «بدل أن تختار السفيرة الاصطفاف في خندق واحد مع الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع ضد الاحتلال وتعزز موقف الشعب الموريتاني المناهض للصهاينة، قامت السفيرة الموريتانية بالانحياز لقتلة الأطفال المغتصبين للأرض والمقدسات الإسلامية في فلسطين».
وأدانت المبادرة الطلابية الموريتانية لمناهضة الاختراق الصهيوني «تصرف السفيرة الموريتانية في باريس لما يمثله من عودة مرفوضة لمسار التطبيع مع الكيان الصهيوني»، داعية « القوى الحية في المجتمع الموريتاني كافة للتعبير بقوة عن موقف الشارع الموريتاني الرافض لأشكال التطبيع كافة مع الصهاينة والوقوف بالمرصاد لمحاولات تدنيس سمعة بلاد شنقيط أرض المنارة والرباط من خلال تقديمها في المحافل الدولية كحليف للاحتلال الصهيوني».
وتحت عنوان «التصهيُن ليس تطبيعاً… والسفارة ليست سفوراً»، انتقد الأديب الموريتاني الكبير آدي ولد آدبه «حضور السفيرة الموريتانية للحفلة اليهودية في باريس، لكنه التمس لها العذر قائلاً: «الإنصاف من شأن الأشراف»، فرفقاً بـ «السفيرة»، إنْ كانت من «القوارير»، «دَعُوهَا فإنَّها مأمورة»، لا نلومها إلا على رضاها بتمثيل هذا الدور البغيض، لأنها مجرد «نائبة الفاعل» الحقيقي، الذي يوزع علامات الرفع، والخفض «الجر»، والضم، والنصب… على مفردات جملة المشهد السياسي، الداخلي والخارجي».
وأضاف «إذا كان قطع العلاقة مع إسرائيل قد أمْلته مقتضيات مرحلة انقلاب2008، فإن مرحلة انتهاء المأموريتين، وتعديل الدستور، وتغيير النشيد، والعلم، والتخطيط لترتيبات ما بعد ذلك، هي الأخرى أمور لها مقتضياتها… التي تأتي صورة السفيرة مع رئيس مجلس يهود فرنسا، المثيرة للجدل تعبيراً عن بعضها».
وقال «أين المطبلون، لقطع العلاقة مع إسرائيل؟ مَن أسكتَ الأبواق؟ مَن أخرسَ الألسنة؟؛ إنها صورة عيشة بنت امحيحم، «سفيرتنا» السافرة في باريس، فوق العادة وكاملة السلطة، كاشفة الجيب تحت إبْط رأس اللوبي الصهيوني الداعم لإسرائيل في فرنسا، تسمع وجيبَ قلبه الملتصقة به، غير خافقٍ إلا بالحقْد والعداوة لأمَّتِها وقضيتها، ومظلوميتها، حيث «سقطَ العشاءَ بهَا على سرْحان»، كما يقول المثل العربي، فشربت من دماء الفلسطينيين، وأكلت من لحومهم، على تلك المائدة الصهيونية المسمومة، لا أشبعَ الله بطنَ حرة تأكل بثدييها، «وربَّ مخْمَصةٍ شرٌّ منَ التُّخَم»!»
وأضاف الأديب آدبه «أما تصنيف فعْلتها الشنيعة بأنها داخلة فيما سُمِّي «التطبيع»، فهو»خطأ لغوي وسياسي شائع»، والصواب أنه شذوذ، بعيد عن الطبيعة ومقتضياتها فالتطبيع – لغة – جعل الشيء طبيعياً، وهذا ما لا يمكن أنْ يَصْدُقَ، بحال من الأحوال على علاقة العرب والمسلمين، مع إسرائيل؛ لأنَّ وجودها أصلاً ليس وجوداً طبيعياً.. بل هو وجود احتلال لأرض مغتصبة، وإبادة لشعب مظلوم، ولا شك أن «التطبيع» هذا من مسكوكات إسرائيل المدسوسة، في لغتنا، المبثوثة في خطاباتنا الببغائية التي نردد مفرداتها المغشوشة، دون أن تستوقفنا مدلولاتها وحمولتها العبثية المقصودة، مثل تسمية الخمور والمُخدرات مشروبات ومنشطات روحية، وتسمية العهْر بالجنس، إلى آخر التسميات المستحدثة التي لا داعي لذكر مرادفاتها بأسمائها الأصلية.
وفي سياق غير بعيد، تناول السفير باباه سيدي عبد الله في تدوينة له أمس حادثة السفيرة من زاوية اندراجها ضمن استعدادات الرئيس محمد ولد عبد العزيز للمرحلة المقبلة، حيث قال «على المستوى الخارجي، قد يكون من الصدف «المدروسة» تزامن خرجة الرئيس في قناة «فرانس24» مع توجيهه لسفيرته في باريس بحضور العشاء السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا CRIF)).
واندفع الدكتور عبد السلام حرمه رئيس حزب الصواب (البعث الموريتاني) في معمعان الجدل حول حادثة السفيرة الموريتانية فكتب منتقداً «إن ثبت الخبر والصورة المنشورة معه المتعلقين بحضور السفيرة الموريتانية في باريس بنت امحيحم حفل عشاء لممثلي المؤسسات اليهودية في باريس، كما دون رئيس مجلسها على صفحته في «تويتر»، فسيكون الأمر شبيهاً بلقاء محمد سالم ولد الأكحل بالإرهابي شيمون بيريز في 18 حزيران/يونيو 1995 في العاصمة الإسبانية برعاية وزير الخارجية الإسباني، وبقية حلقات المسلسل الوقح يعرفها الجميع، ومن أكثرها وقاحة أن سفير الكيان الصهيوني في نواكشوط آنذاك أرييل كرم، أقام حفلاً في نواكشوط بمناسبة ذكرى النكبة الفلسطينية، حضره عدد من المسؤولين الموريتانيين».
وعتب الإعلامي محمد محمود أبو المعالي على الحكومة الموريتانية في هذه الحادثة وقال في تدوينة له أمس «ما كان لأهل السلطة في هذه الربوع ومن حولهم من الدبلوماسيين أن يدنسوا نصاعة خطوة قطع العلاقات مع الصهاينة، ولا أن يلوثوا قيمتها السياسية والأخلاقية والمعنوية، وهم أصحاب لوائها، بمشاركة ثلة من القوم البهت في باريس أفراحهم أو أتراحهم، فقد تخلصنا من عار التطبيع معهم، وما ينبغي لنا أن نعود إلى تلك المشأمة تارة أخرى، ولو لبس فريق من القوم لبوس الدبلوماسية الفرنسية أو الأمريكية، أو حتى العربية والإسلامية».
ودون الكاتب والإعلامي حبيب الله أحمد مخاطبا السفيرة بقوله «عفوا سيدتي، أما نحن فهذه الصورة أخجلتنا كثيرا وأشعرتنا بالعار؛ لا يهمنا شكل لباسك فيكفي سفورا أن تقفى مع القتلة المجرمين، ويكفي سقوطاً أن تمنحيهم المال؛ من حقك ألا تستحي ومن حقنا أن نقول إنك أسأت لمشاعرنا كموريتانيين، فنحن نكره العصابات الصهيونية ونحب العدل والحق والحرية ونكره التفسخ والعري مهما كانت طبيعتهما جسدية أم سياسية».
يذكر أن قطع العلاقات الموريتانية الإسرائيلية مر بمرحلتين أولاهما قرار تجميد هذه العلاقات الذي اتخذته موريتانيا في قمة الدوحة الطارئة (قمة غزة) يوم 16 كانون الثاني/ يناير 2009، والثاني قطع موريتانيا لعلاقاتها الديبلوماسية مع إسرائيل يوم في 22/3/2010.
وبدأ التمهيد لتطبيع العلاقات الموريتانية الإسرائيلية في عقد التسعينيات من القرن العشرين، خلال فترة حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد أحمد الطايع، الذي يعد مهندس هذه العلاقة، وقد استكمل هذا التطبيع عبر سلسلة من الاتصالات السرية ما بين موريتانيا وإسرائيل، على مستوى عال، وفي ظروف خاصة، وسرية تامة؛ وتوصل الطرفان لاتفاق رسمي لفتح مكاتب لرعاية المصالح في كلتا العاصمتين (تل أبيب ونواكشوط) في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 1995، قبل أن يعلن في 28 تشرين الأول/أكتوبر 1999 في نيويورك، عن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة ترقى إلى مستوى السفراء في كلا البلدين.
وكان الانقلاب العسكري الذي وقع في موريتانيا في 3 آب/ أغسطس 2005 قد أثار رعب الشركات الإسرائيلية بشأن استثماراتها في موريتانيا، وتلقت إسرائيل تطمينات من المجلس العسكري خلال المرحلة الانتقالية 2005-2007، قبل أن تحدث تطورات متلاحقة أدت لقطع العلاقات في آذار/ مارس 2010.

 

نواكشوط ـ «القدس العربي» من عبد الله مولود