موريتانيا: تقرير مربك للمفوض الأممي الخاص بقضايا التعذيب

جمعة, 03/10/2017 - 00:55

أكد استخدام الأمن للقوة في تفريق المظاهرات وأثناء التحقيق

 

 

لم تشفع للحكومة الموريتانية جهود كبيرة بذلتها في السنوات الأخيرة على المستويين القانوني والتنظيمي بينها تأسيس جهاز آلية الوقاية من التعذيب، في محو اتهام المنظمات الحقوقية الدولية لها بممارسة التعذيب على نطاق واسع في مواقع عدة.
فقد عرض للتو على مجلس حقوق الإنسان في جنيف، تقرير مربك ومحرج للغاية، أعده خوان منديز مفوض الأمم المتحدة المكلف بقضايا التعذيب وضمنه ملاحظات حول ممارسة التعذيب في موريتانيا مستخلصة من زيارة أداها لموريتانيا من 25 كانون الثاني/يناير حتى الثالث من شباط/فبراير من السنة الماضية.
وكشف في تقريره الذي تصفحته «القدس العربي» والذي تضمن إدانة للسلطات، عن «ممارسة الأمن الموريتاني لأنواع فظيعة من التعذيب المفرط في القسوة وهي الممارسة التي نقل المفوض شكاوى منها عن ضحايا التعذيب وعن المنظمات الحقوقية المحلية».
وأكد المفوض في تقريره «أن ممارسة التعذيب تجري في مواقع موريتانية عدة بينها فترات الاعتقال وأثناء الحبس الاحتياطي وبخاصة أثناء التحقيقات في قضايا الإرهاب والأمن».
وعضد خوان منديز تقريره بما سماه «شهادات عديدة وذات مصداقية تؤكد ممارسة بشعة للتعذيب والقيام بمعاملات سيئة غير إنسانية خلال فترات الاعتقال وفي بداية الاستجوابات».
ووجه المفوض اتهامات للسلطات الموريتانية في حالات متعددة بينها «الاستعمال المفرط للقوة من طرف قوات الشرطة ومن بينها طرق عنيفة للغاية تتبناها الشرطة خلال تفريقها للتظاهرات بينها الضرب المبرح بالهراوات».
وتحدث ضمن أمثلة على ممارسة التعذيب قدمها في تقريره، عن «قمع نشطاء محاربة الرق واعتقال قيادييهم ومحاكمة أطرهم خلال أحداث «حي بوعماتو».
وأكد أن نشطاء محاربة الرق الذين اعتقلوا في هذه الأحداث تعرضوا «لصنوف من التعذيب البشع»، مبرزاً «أن ذلك التعذيب تسبب في حالات إغماء وتعقيدات في نبضات القلب بين إصابات خطيرة أخرى».
ونقل المفوض عن نشطاء حركة مناهضة الرق قولهم «إنهم تعرضوا خلال اعتقالهم في الزويرات (شمال موريتانيا) في شهر كانون الأول/نوفمبر الماضي، لأقسى صنوف التعذيب ولأبشع المعاملات كما تعرضوا للترهيب النفسي وللتجويع والمنع من دخول الحمامات لقضاء حاجاتهم البشرية».
وقد حرر النشطاء قائمة بأفراد الأمن الممارسين للتعذيب وتقدموا بشكوى منهم أمام القضاء في باريس. ووجه اخوان منديز في تقريره اتهامات مباشرة لعناصر «الشرطة والدرك الذين ما زالوا يتبنون في تعاملهم مع المعتقلين أساليب موروثة عن العهد العسكري حيث ينتشر التعذيب، كما أنهم لا يتوفرون على القدرات الفنية لإجراء تحقيقات جادة»، مضيفاً «أن عناصر الشرطة والدرك تلجأ أحياناً لاستخدام أساليب فظيعة لانتزاع اعترافات من المعتقلين». 
«والغريب، يضيف المفوض الأممي، أن ممارسة التعذيب البشع والقاسي يتعرض لها أشخاص متهمون بجنح بسيطة».
وزاد «ان تعامل قوات الأمن مع المعتقلين تخضع لاعتبارات كثيرة بينها وسطهم الاجتماعي والاقتصادي وأصولهم العرقية». وقال «إن تحليلات مخبرية أكدت تعرض ضحايا التعذيب لصدمات بدنية وتعرض أجساد بعضهم لحروق بسبب إطفاء السجائر على أجسامهم وبسبب الضرب بالهراوات، كما أثبتت قيام ممارسي التعذيب بصفع المعتقلين ورفسهم بالأحذية، وتعليقهم في وضعيات مؤلمة للغاية لساعات طويلة، كما أن المعتقلين يتعرضون أحياناً للتهديد وللسب والشتم».
وانتقد مفوض الأمم المتحدة لقضايا التعذيب «امتناع السلطات الموريتانية عن القيام بأية تحقيقات حول الاستخدام المفرط للقوة من طرف عناصر الأمن، وحول الإصابات التي تعرض لها المتظاهرون».
وأعاد المفوض للأذهان بأن «القانون الدولي يمنع الاستخدام المفرط للقوة ويلزم عناصر الأمن باستخدام طرق غير عنيفة». وانتقد المفوض الأممي المكلف بالتعذيب قانون العفو الصادر عام 1993 والمتعلق بالإرث الإنساني لفترة نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، مؤكداً «أن صدور ذلك القانون أمر غير مقبول لتعارضه مع تطور القانون الجنائي الدولي، حيث أن هذا القانون يسقط العقوبة عن مقترفي المئات من عمليات القتل الإجرامية الداخلة ضمن التصفية العرقية والتي شملت جنودًا من المجموعة الزنجية الإفريقية». وطالب المفوض في تقريره «باستئناف المتابعة القضائية في حق المتهمين بعمليات القتل المذكورة».
واتهم «السلطات الموريتانية بالتمسك بعقوبة الإعدام معرباً عن ارتياحه لإيقاف تنفيذها منذ عام 1987»؛ وهنا «ذكر المفوض في تقريره صدور حكم بالإعدام هو الأول من نوعه منذ الاستقلال في حق المدون محمد الشيخ ولد امخيطير المتهم بالردة رغم توبته».
وتطرق المفوض «للتقدم الحاصل في إنتاج التشريعات في موريتانيا، كما سجل بشكل إيجابي تأسيس السلطات للآلية الوقاية من التعذيب، لكنه أشار للعراقيل الكثيرة التي تقف حجر عثرة أمام تنفيذ النصوص المتضمنة لحماية حقوق الإنسان».
ودعا المفوض «السلطات الموريتانية إلى تدريب عناصر الأمن الموريتاني على استخدام القوة في التجمعات العامة بشكل يتفق مع القانون ويحترم حقوق البشر». وأعد مفوض الأمم المتحدة المكلف بقضايا التعذيب تقريره خلال مهمة أداها لموريتانيا من 25 كانون الثاني/يناير حتى الثالث فبراير، وزار خلالها السجون في عموم البلاد كما أجرى لقاءات سرية مع من يحددهم من المعتقلين والسجناء، وهو أمر شكر المفوض الحكومة الموريتانية عليه.
وختم خوان منديز تقريره مؤكداً «أنه على السلطات الموريتانية أن تركز على تطبيق القوانين الموجودة والتي تكرس حماية الأفراد من التعذيب والمعاملات السيئة».
يذكر أن موريتانيا حسنت في الفترة الأخيرة من التعاطي مع الآليات الدولية والجهوية لحقوق الإنسان، كما صادقت على جميع القوانين الخاصة بإنهاء ممارسة التعذيب، ومن ضمن ذلك إصدارها لقانون التعذيب عام 2015، وقانون 2015 المؤسس للآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، تطبيقاً للبروتوكول الاختياري المتعلق بالمعاهدة الدولية الخاصة بإنهاء ممارسة التعذيب والمعاملات القاسية غير الإنسانية.

نواكشوط ـ «القدس العربي»