عبد الباري عطوان/ما عَلاقة الجامعة العربيّة بسورية حتى تتحدّث عن ثوابِتها؟

خميس, 07/27/2017 - 02:16

ما عَلاقة الجامعة العربيّة بسورية حتى تتحدّث عن ثوابِتها؟ وكيف “همّشها” الذين استخدموها كأداةٍ لتقسيم الأمّة وتفتيتها طائفيًا؟ ولماذا لا نتعاطف معها ونتأسّف للوَضع المُهين الذي انحدرت إليه؟

 

 

 

قليلةٌ هي الأنباء القادمة من الجامعة العربية أو عنها، فمُنذ أن تولّى السيّد أحمد أبو الغيط منصب الأمين العام فيها خلفًا للسيّد نبيل العربي وقبله عمرو موسى، اختفت هذه المُنظّمة الإقليميّة من الساحة السياسيّة كُليًّا، بعد أن كانت شُعلةً من الحَركة والنشاط الدموي طِوال السنوات السبع الماضية، حيث جَرى استخدامها لتشريع التدخّل العسكري الأمريكي، وبتواطؤ عربي، لتدمير عدّة دولٍ عربيّة ابتداءً من العراق، ومرورًا بليبيا وانتهاءً بسورية واليمن.

من المُفارقة أن الدّول العربيّة الخليجيّة التي استخدمت الجامعة كأداةٍ لتنفيذ مُخطّطات التفتيت والتدمير هذه، تُواجه حُروبًا سياسيّة واقتصاديّة في ما بينها حاليًّا، ربّما تتطوّر إلى مُواجهات عسكرية، وتتعرّض لعملية ابتزاز مالي أمريكيّة لامتصاص كل ما لديها من مِئات المليارات من الدولارات، قد تتطوّر، أي عمليات الابتزاز هذه، إلى رهن كل ثرواتها النفطيّة، وإجبارها على بيع مُؤسّسات الدولة التي هي مُلك الشعب، لتلبية وتمويل المطالب الأمريكيّة الماليّة الحاليّة والقادمة، ولعلّ مشاريع المملكة العربية السعودية في بيع أجزاء من شركة “أرامكو” النفطيّة، وخَصخصة مطار الرياض، ما هي إلا البداية، لقد انقلب السّحر الأسود على أصحابه.

***

فاجأنا السيد أحمد أبو الغيط، أمين عام الجامعة اليوم الأربعاء، وبعد غِيابٍ طويل عن الساحتين الإعلاميّة والسياسيّة، ليس تعفّفًا وإنّما إهمالًا، بالحديث عن ثوابت المَوقف العربي تُجاه الأزمة السوريّة، التي لخّصها بالحِفاظ على وِحدة وسيادة سورية، وحقن دماء أبنائها، ورفض أي مُخطّطات للتقسيم، وإيصال المُساعدات الإنسانية لأهلها.

لا نَعرف ما هي علاقة الجامعة العربية بسورية في الوقت الرّاهن، فهذه الجامعة، وفي ظِل الهيمنة الخليجيّة عليها، في بداية ما يُسمّى بثورات “الربيع العربي” جمّدت عُضوية سورية فيها، وأعطت قمّة الدوحة العربية مقعدها للمُعارضة السورية، ووضعت علمها، أي المُعارضة، أمّا السيد معاذ الخطيب الذي جلس على مِقعدها (أين هو بالمُناسبة)، وألقى كلمة سورية أمامها، في سابقةٍ لم تحدث إلا مرّتان قبل ذلك، وهي تجميد عُضوية ليبيا قبل ذلك بعام، وقبلها مصر بسبب توقيعها اتفاقات “كامب ديفيد”، فقد كان هُناك زُعماء عرب في تلك الأيام يتحلّون بالحد الأدنى من العُروبة والكرامة الوطنيّة.

ليس من حَق الجامعة العربيّة، في وضعها الحالي على الأقل، الحديث عن الموقف العربي وثوابته في سورية، ومُعارضة تقسيمها أو المساس بسيادتها، لأنّها هي التي مهّدت لهذا التقسيم، بدعمها لإرسال المليارات من الدولارات وآلاف الأطنان من السّلاح للجماعات المُسلّحة، التي زعزعت أمنها واستقرارها، كما أنه ليس من حقها التدخّل في الشؤون الليبيّة، أو اليمنيّة أيضًا، فمن وفّر الغِطاء “الشرعي” لقصف الناتو لليبيا، وصمتَ على حرب الإبادة والتجويع في اليمن، وبارك الحِصار ومن ثم الحرب على العراق، لا يَحق له أن يبحث في القضايا العربيّة ويتحدّث عن ثوابتها.

 

***

الجامعة العربيّة تستحق حالة التهميش التي تعيشها حاليًّا، ومن الدّول الخليجيّة التي تحكّمت بقراراتها طِوال السنوات الماضية، وبرضاء أمنائها العامين ومُباركتهم، وحِرصًا على مراكزهم ذات الرّواتب والبدلات المُغرية فهؤلاء وكِبار مُساعديهم قَبلوا تحويلها إلى أداة تدمير وتخريب وتفتيت، ولم نسمع مُطلقًا أن دِماء الكرامة والعزّة تحرّكت في شرايين أحدهم واستقال احتجاجًا.

أليس عيبًا أن تفشل هذه الجامعة، وبتحريضٍ من دول خليجيّة، في عَقد اجتماع، ولو على مستوى المندوبين، لبحث مؤُامرة التهويد الإسرائيليّة للقُدس المُحتلّة، أليس عارًا أن يتدخّل كل وزراء طوب الأرض في الأزمة الخليجيّة، إلا هي وأمينها العام، وأليست مأساة أن تستضيف فرنسا قُطبي الأزمة الليبيّة السيد فايز السراج والمشير خليفة حفتر، وتتوصّل إلى مُصالحة وخريطة طريق للسلام في ليبيا دون أي تشاورٍ، أو حُضور ولو بروتوكولي لمندوب الجامعة، ناهيكَ عن أمينها العام؟

عندما تقبل الجامعة وأمينها العام، وكِبار مُوظّفيها كل هذا التهميش، وتُكرّس سُمعتها كوسيلة عيش لطابورٍ طويلٍ من أبناء الوزراء وكِبار عليّة القَوم، والسّفراء المُتقاعدين، فلا أسف عليها، ولا تعاطف معها، فمَن يَهن يَسْهُل الهَوان عليه.