سر التعديلات على كلمات النشيد الوطني الموريتاني

ثلاثاء, 08/15/2017 - 02:11

من ضمن الأصلاحات الدستورية التي أستفتي حولها الموريتانيون الاسبوع الماضي إدخال تعديلات على النشيد الوطني.

وكان الجدل حول العلم والنشيد الوطنيين قد إنطلق في موريتانيا منذ العام 2009  بعض صدور  كتاب «موريتانيا المعاصرة: شهادات ووثائق » لمؤلفه الباحث  سيدي عمر ولد شيخنا ، الذي أورد روايات عن السياق التاريخي للنشيد الوطني ذي الخلفية الحساسة، كما انتقد غياب روح الحماس الوطني في كلماته، رغم حمولتها الدينية الجليلة على حد تعبير المؤلف ،وهي حمولة يشير جل الباحثين إلى أن  صاحبها قصد بها مواجهة الإقبال الكبير على الطرق الصوفية في عهده من خلال خطاب توجه به الى شقيقه الذي كان قد إندمج في أحدى تلك الطرق ، في حين أنها تخلو من أية إشارة الى الإنتماء الوطني ومقاومة الاستعمار والدفاع عن الحرمة الترابية للبلاد ووحدة الشعب رغم تعدد ثقافاته 

ونشيد « كن للإله ناصرا » كتبه الشاعر  بابه ولد الشيخ سيديا ( 1860 \1924 )  في نهايات القرن التاسع عشر ، وقد لحنه وطوعه للنوتة الموسيقية المحلية الفنان الفرنسي الراحل توليا نيكيبروفيتسكي  وأنشده الفنان الكبير سيداتي ولد أبه ،أحد رموز الفن والطرب الحساني في موريتانيا ، لأول مرة أمام الجمهور في 28 نوفمبر 1960  بمناسبة إعلان استقلال البلاد ،كما عزفه بنفسه على آله التنديت ، ليتم إعتماده نشيدا رسميا.

وفي العام 2013 انطلقت أول المطالبة بتغيير النشيد  أطلقها السيناتور محمد ولد غدة رئيس تيار الفكر الجديد في موريتانيا  مشيرا إلى أن النشيد الحالي "يخلو من أي إشارة إلى الوطن والأرض والوحدة الترابية واللحمة الاجتماعية" ما جعله يتعرض الى هجوم شرس من بعض من  اتهموه بـ"التحامل علي ركن من أركان السيادة الوطنية متمثلا في نشيدها الوطني"، مطالبين بعزله من منصبه.

وبحسب الناشطة السياسية والفنانة المعروفة  المعلومة منت الميداح  فإن كلمات النشيد "لا علاقة لها بالحياة الدنيوية، فصاحب تلك الكلمات الولي الصالح بابا ولد الشيخ سيديا لم يقلها من أجل أن تكون صالحة لنشيد قومي، بل إنه قالها في سياق آخر هدفه الفوز بالحياة الآخرة ونقد بعض الجهات الدينية آنذاك" و"هذا بطبيعة الحال يتنافى مع النشيد الوطني الذي ينبغي أن يدعو للتشبث بالحياة من أجل الحث على الرفعة والمجد والفخر للوطن، ولذا فإنه لامكان للحديث هنا عن كلمات تتحدث عن الموت إلا من زاوية الموت والتضحية من أجل بناء الوطن والدفاع عنه".، وفق تعبيرها.

جدل حول النشيد 

أثار عمدة بلدية ازويرات الشيخ ولد بايه الجدل في الشارع الموريتاني، اليوم الجمعة، عندما قال إن النشيد الوطني تمت صياغته من طرف فرنسا إبان فترة الاستعمار. 

وكان ولد بايه يلقي كلمة في الحفل الذي أقيم لاستقبال الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الذي زار ازويرات  الأسبوع الماضي  إطار حملته المعبئة للتعديلات الدستورية التي من ضمنها تعديل العلم والنشيد الوطنيين. 

ولد بايه قال في تصريحاته التي هزت الرأي العام الوطني، إن "النشيد الوطني الموريتاني صاغه الاستعمار الفرنسي قبل أن تتأسس الدولة الموريتانية الحديثة". 

وأضاف ولد بايه أن النشيد الوطني الحالي تمت كتابته عام 1924 من طرف الفرنسيين، قبل أن يستدرك قائلاً إن الفرنسيين استغلوا رجلاً من قبائل البيضان وتحديداً من "كُوميات" أي "الجمالة" الموالين لفرنسا. 

وأثارت هذه التصريحات غضب الشارع الموريتاني، واعتبرت استهدافاً مباشراً للعلامة باب ولد الشيخ سيديا، الذي ألف الأبيات مطلع القرن الماضي ليتم اختيارها فيما بعد نشيداً وطنياً للبلاد. 

وفي أول تصريح رسمي حيال هذه التصريحات، قال القطب ولد محمد مولود، عضو مجلس الشيوخ عن مقاطعة بتلميت، إنه تأسف كثيراً لتصريحات ولد بايه بشأن النشيد الوطني، مشيراً إلى أنها تضمنت "فائدة جديدة لم يُسبق لها، وهي أن صاحب النشيد هو رجل من كُوميات".

وأضاف عضو مجلس الشيوخ في بيان ، إنه "رغم احترامنا لـ(كُوميات) الذين أدى بعضهم مهاما جيدة ليس من بينها الكذب على رؤوس الملأ، فإن هذه الإضافة الجديدة تعطي صورة واضحة عن نمطي التفكير والثقافة الذي يتمتع به المسيطرون على الحكم في هذه البلاد"، وفق تعبيره. 

واتهم عضو مجلس الشيوخ عمدة ازويرات بأنه وقع في "قمة الجهل بتاريخ البلد"، معتبراً أن تصريحاته تعد "إهانة لعالم البلاد وشيخها المجدد المصلح الذي شهد بعلمه الآفاق وتناقلت سيرته الأيام والدول". 

وخلص ولد محمد مولود إلى القول: "يحق لي أن أتساءل الآن كيف وصل الشيخ ولد باي إلى منصبه كعقيد وهو الذي لا يعرف اسم قائل النشيد الوطني، يبدو أن عجب البحر هذه الأيام أكثر من غيره، سمك يصوت وعقيد بحري لا يعرف باب ولد الشيخ سيديا"، وفق نص البيان. 

  وكتب المحلل السياسي والباحي أحند ولد المصطف مقالا للرد على ولد باية جاء فيه : 

لقد استمعت إلى ما قاله السيد الشيخ ولد بايه، عمدة ازويرات ورئيس رابطة العمد الموريتانيين بخصوص النشيد الوطني في ازويرات و نواذيبو، وما تبع ذلك من ردود أفعال، ومع أن هذا الموضوع ليس مرتبطا بشكل مباشر بالتعديلات الدستورية التي تشرف حملتها على الانتهاء، أود أن أوضح موقفي بهذا الخصوص :

1 ـ لقد أصاب العمدة حين قال إن النشيد الوطني، كغيره من الرموز الوطنية، ملك لكل الموريتانيين، فيحق لأغلبية الشعب تعديله أو استبداله، وفق ما ترى أنه يخدم الوطن ومصلحته العليا؛

2 ـ لقد كان حريا بالعمدة عند حديثه عن نشأة هذا النشيد أن يكون ملما بحياة مؤلفه ودوره كعالم جليل وشخصية سياسية فذة، قد نختلف معها وقد نتفق، لكنها وضعت بصماتها على التاريخ الموريتاني حتى قبل مجيء الفرنسيين، بل تجاوز تأثيرها الروحي والسياسي إلى الغرب الإفريقي (السنغال، غامبيا، غينيا كوناكري، إلخ) وإلى العالمين العربي و الإسلامي؛ 

3 ـ أعتقد أن معظم سياسيي هذا البلد وطبقته السياسية يدركون أنه لولا حكمة هذا الرجل و حرصه على المصلحة العامة لساكنته، لكانت فرنسا قد قسمته أشلاء، كما فعلت بالعديد من الشعوب المجاورة، كالفولان و الطوارق و غيرهم؛

4 ـ إن كان العمدة حقا يؤمن بالمقاومة و بالوطنية، أوجه له دعوة مفتوحة لزيارة بتلميت، ليس من أجل زيارة ضريح الشيخ سيدي بابه، رغم أهميته ورمزيته للكثيرين، إنما لزيارة ثلاثة معالم في هذه المدينة ترمز للمقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي وللوطنية في أسمى تجلياتها : 

أ/ ضريح الشيخين، الشيخ سيدي الكبير و ابنه الشيخ سيدي محمد في بئر تندوجه (حوالي 50 كلم شمال بتلميت) و اللذين كانا من أشد مشايخ البيظان عداء للفرنسيين، إضافة إلى أن تندوجة المذكورة قد احتضنت سنة 1856 أول قمة بين أمراء البلاد (الترارزة، لبراكنة، آدرار، تكانت) برئاسة الشيخ سيدي الكبير لمواجهة الاستعمار الفرنسي القادم من اندر (سينلوي)، و يعتبر هذا المؤتمر، وفق رأي العديد من المهتمين بتاريخ البلد، أول تفكير جدي في إنشاء دولة تتجاوز السلطة الأميرية والمشيخات القبلية القائمة، و بذلك يعتبر الشيخ سيدي الكبير الأب الروحي للمقاومة ضد الفرنسيين و ملهم الدولة الوطنية الحديثة. 

ب/ ضريح أول قائد استشهد و هو يقاوم الغزو الفرنسي لهذه البلاد، ألا و هو المجاهد الكبير المختار أم ولد الحيدب الذي قتله الفرنسيون و مثلوا به في تيارت الرحمة بالقرب من بوسديره الواقع على بعد حوالي ثلاثين كلم شرق بتلميت. 

ج/ ضريح أب الأمة و مهندس استقلالها، الرئيس الأستاذ المختار ولد داداه، دفين البعلاتية.

و إن كان الوقت يسمح لكم بذلك، يمكنكم، سيادة العمدة، انتهاز فرصة وجودكم في بتلميت لتطلعوا على قصص عشرات بل مئات المجاهدين المنحدرين من الحاضنة الاجتماعية للشيخ سيدي باب، و منهم بعض أبناء عمومته المباشرين، أو المنحدرين من المجموعات الأخرى التي تقطن بتلميت و الذين انخرطوا مبكرا في صفوف المقاومة ضد الفرنسيين، سواء إلى جانب المجاهد الكبير الشيخ ماء العينين أو إلى جانب الأمير أحمد ولد الديد، الذي تلقى هو و أخوه سيد، أبناء محمد فال ولد سيد ولد محمد لحبيب، تربيتهم الروحية في بتلميت على يد الشيخ سيديا باب نفسه. 

كما أن جولة شاملة لكم في مختلف ربوع الوطن : مناطق الجنوب والوسط و الغرب والشرق، إضافة إلى الشمال ستمكنكم لا محالة من تعميق معرفتكم بتاريخ بلدكم الذي لا توجد شجرة أو سهل أو جبل أو واد إلا و يختزن قصة أو ملحمة قد تساهم في كتابة و إعادة كتابة تاريخه.

أعتقد سيادة العمدة أنكم عند ما تقومون بهذه الزيارات و تتمثلون معانيها السامية، فإنكم ستتخلصون من الكثير من الأحكام المسبقة و ستكونون أكثر بصيرة بتاريخ هذه الأرض و هذا الشعب.

كما أدعوكم، السيد العمدة، إن كنتم مهتمين فعلا بالتاريخ الوطني، أن تدرجوا في خطاباتكم المستقبلية المأساة التي تعرض لها أهل هذه البلاد على يد البرتغاليين، و بالأخص السكان الأصلين للساحل الموريتاني الحالي من 1441 إلى 1634 حيث اختطف البرتغاليون و قتلوا عشرات الآلاف منهم، من مناطق تمتد من رأس نواذيبو و حتى مصب نهر السنغال و أفرغوها من ساكنتها. فإن كنتم لم تطلعوا على ما تم كشفه خلال السنتين الماضيتين من أبحاث حول هذا الموضوع، فأنا على استعداد لتوجيهكم إلى المصادر العلمية لهذه المعلومات، فبذلك تصبح نظرتكم للاستعمار بشكل عام نظرة وطنية و يتسع أفقكم لقراءة و تمثل تاريخنا الوطني و ذاكرتنا الجمعية.

بذات المناسبة، أطلب من الجميع الكف عن كل ما من شأنه تأجيج الصراعات ذات البعد الجهوي أو القبلي أو الفئوي حتى نتمكن من بناء بلد ينعم فيه الجميع بالعدل وبالمساواة أمام القانون، بعيدا عن كل إقصاء أو تهميش، كما ألفت انتباه الجميع إلى أن الكلام في تاريخ البلد ورموزه يتطلب مستوى عاليا من الموضوعية التي لا يمكن أن تتحصل إلا باكتساب المعرفة الحقة، فيمكننا أن نتحدث في التجارة وطرق الكسب وتربية المواشي وانتجاعها وفي السياسة وفي أي موضوع نشاء، لكن عند ما يتعلق الأمر بذاكرة أمة، فالحذر كل الحذر من الوقوع في الزلات والشطط.

كلمات النشيد الوطني الموريتاني قبل التعديل

كن للاله ناصرا وأنكر المناكرا

وكن مع الحق الذي يرضاه منك دائرا

ولا تعد نافعا سواءه أو ضائرا

واسلك سبيل المصطفى ومت عليه سائرا

فما كفى أولنا أليس يكفي الآخرا

وكن لقوم احدثوا في أمره مهاجرا

قد موهوا بشبه واعتذروا معاذرا

وزعموا مزاعما وسودوا دفاترا

واحتنكوا أهل الفلا واحتنكوا الحواضرا

وأورثت أكابر بدعتها أصاغرا

وإن دعا مجادل في أمرهم إلى مرا

فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا

النشيد الوطني الموريتاني بعد إدخال التعديلات  عليه من قبل الشاعر الشيخ ولد العمش

كن للإله ناصرا. وأنكر المناكرا

وكن مع الحق الذي يرضاه منك دائرا

ولا تعد نافعا سواءه أو ضائرا

واسلك سبيل المصطفى ومت عليه سائرا

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

بحبه ، بلادُنا ستحفظ الأواصرا

ويـــنــتشي نخيلها ويـــحضن المَحاظِرا

كمْ أنْجَبَتْ مُجَاهِدا. و عَـــالِــــما و شَاعِـرا

الله أكــبــر الثرى. يُوحِّد المشاعرا

بِـــعِــــلمِنا و فَهْمِنا سَــنُــفْحِمُ المُكابرا

بشــعبِـــنا و جَيْشِنا سـنهزم المَخاطِرا

بِــــفكرِنا وَ صَبْرِنا سَــنُـــــنْجِزُ الْمَآثِرا

ومـــورتانِ دائِما ســتســـكُـن الضمائِرا

ســــنفتديها بالدمـــا و نــصنع المَفاخِرا

فـقـد هدى أوَّلُنا بــــنُصحِه الأواخـــرا

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

كن للإله ناصرا. وأنكر المناكر

الحبيب الاسود - بوابة افريقيا الاخبارية