عبد الباري عطوان/ كيف كَسِبَ “شُيوخ حماس″ جولات المُصالحة قبل أن تَبدأ؟

اثنين, 09/18/2017 - 02:20

كيف كَسِبَ “شُيوخ حماس″ جولات المُصالحة قبل أن تَبدأ؟ ولماذا كان التّوظيف الذّكي لوَرقة “دحلان” حاسمًا في تراجع قيادة السّلطة عن أخطائها؟ ولماذا لا نُعرف بالتّفاؤل ونَتحلّى بالحَذر تُجاه “تفاهمات” القاهرة الجديدة؟

 

ربّما لن نَكون الوحيدين الذين يُتابعون بحذرٍ شديدٍ لقاءات واتفاقات المُصالحة بين حَركتي “فتح” و”حماس″، قُطبي المُعادلة السياسيّة الفلسطينيّة، في مدينة القاهرة برعاية مِصريّة، ليس لأن التحدّيات كبيرة، وليس لأننا لُدغنا من الجُحر نَفسه مرّاتٍ عديدةٍ في السّابق، وإنّما أيضًا لأن مَنسوب الثّقة بين الجانبين مُتدنٍّ للغاية.

الطّرفان، أي “فَتح” و”حماس″، يَعيشان حالةً من التأزّم والتّهميش، عربيًّا ودوليًّا وفِلسطينيًّا، ويَبحثان عن مَخارج، والعَودة إلى الساحتين السياسيّة والإعلاميّة، ولذلك عادا إلى الورقة التقليديّة، ولكن دون أفكارٍ جديدةٍ، وبَهدف مُحاولة كَسب الوقت، وعدم إغضاب الوسيط المِصري الذي يَحرص على إرضائه الطّرفان.

أُمورٌ كثيرةٌ تَغيّرت مُنذ اتفاق المُصالحة الأول الذي جرى توقيعه في القاهرة عام 2011، القيادة المصرية تَغيّرت، والمُخابرات المِصريّة التي تُشرف على هذا المَلف تَغيّرت على مُستوى القمّة، وحلّ اللواء خالد فوزي محل اللواء عمر سليمان (انتقل إلى دار البقاء)، وحركة حماس تَغيّرت أيضًا، وانتخبت مَكتبًا سياسيًّا جديدًا وقيادةً أكثر صلابةً و”براغماتيّة” وشبابًا من أهل الدّاخل، ونظيفة اليد على صعيد الخلافات العربيّة والفلسطينيّة أيضًا، الشيء الوحيد الذي لم يتغيّر هو قيادة “فتح” والسلطة، فالوجوه نفسها، والنّهج نفسه، والرئيس نفسه، والمُفاوضون أنفسهم، والإنكار نفسه، وكأنّ حركة “فتح” حركة “عاقر”.

***

نُسجّل هُنا كمراقبين أن قيادة “حماس″ الحاليّة كانت أكثر ديناميكيّةً ومناورة بالمُقارنة مع نظيرتها في رام الله، فقد أعادت ترميم الجُسور مع مصر، وفَتحت ثغرةً كبيرةً في جِدار حركة “فتح”، عندما بدأت حِوارًا مع “تيّار دحلان”، وتوصّلت إلى تفاهماتٍ مَعه برعايةٍ مصريّةٍ، واستأنفت علاقاتها التحالفيّة مع إيران، و”حزب الله”، وغَسلت يَديها من كُل، أو مُعظم، تحالفات القيادة السابقة عربيًّا، وباتت على وَشك استعادة عَلاقاتها مع سورية، ودول خليجيّة مُهمّة في السّرب المِصري.

حركة “فتح” في المُقابل، أو رئاسة السلطة على وجه التحديد، ارتكبت أخطاءً كارثيّةً عندما استخدمت إجراءات تشديد الخِناق على مليوني فلسطيني في قطاع غزّة كورقةٍ لعِقاب خُصومها “الحمساويين”، فجاءت النتائج عكسيّةً تمامًا، بل كارثيّة، تَكشف عن سُوء تقدير ونَزق في اتخاذ القرار.

قلّصت السلطة الكهرباء، خفّضت رواتب ستين ألف موظّف، هم من أبناء حركة “فتح” في مُعظمهم، وأحالت ستة آلاف منهم على التقاعد المُبكر، ولَعبت دورًا كبيرًا في إبقاء مَعبر رفح الشريان الوحيد إلى العالم مُغلقًا، فلم تَضعُف حركة “حماس″، ولم يَنزل مِئات الآلاف من أبناء القِطاع في تَظاهراتٍ ضدها، وانقلب السّحر على السّاحر، وذَهبت الحَركة، أي “حماس″ إلى الخَصم اللّدود النائب محمد دحلان، وفَتحت حوارًا معه فكسبت بهذهِ الخُطوة مصر الدّاعمة له، ومُعسكر عَربي يَقف في خَندقها، وفَتح معبر رفح أيّامًا أضافيّةً، والحُصول على دُفعات وقود مِصريّة سخيّة لمحطّة الكهرباء اليتيمة في غزّة.

المُشكلة الكُبرى أن قيادة السلطة لا تَعي جيّدًا المُتغيّرات العربيّة والدوليّة والداخليّة الفلسطينيّة، وتتصرّف بعنجهيّة، وتُمارس الإقصاء، وتعتقد أنها ما زالت بالقوّة والزّخم الذي كانت عليهما أيام “الفاكهاني” في السبعينات في بيروت، ودليلنا الأبرز أن “حماس″ التي تتّهمها بالظلاميّة والتخلّف، غيّرت قيادتها ومَكتبها السياسي ثلاث مرّات على الأقل، في انتخاباتٍ فريدةٍ من نوعها، بينما بقيت اللّجنة المركزيّة لحركة “فتح” وقيادتها المُتقدّمة في السّن على حالها دون أي تغيير.

صحيح أن “الشرعيّة” ما زالت ورقة الرئيس محمود عباس الأقوى، ولكنها شرعيّة تتآكل بسرعة بسبب تآكل قاعدتها الأساسيّة، وهي اتفاقات أوسلو، (تعيش ذكراها الرابعة والعشرين حاليًّا)، وتَغوّل الاستيطان الإسرائيلي، وانحسار الدّعم الشّعبي، وتحويلها، أي السلطة، رهينة الصّدقات الماليّة الدوليّة المَسمومة.

أحدث استطلاعات الرأي (نشرت نتائجها صحيفة الغارديان البريطانية الرّصينة) تقول أنه لو جَرت انتخابات اليوم لفازت بها حركة حماس في الضفّة والقِطاع معًا، ولكن من يُقنع الرئيس عباس ولجنته المركزيّة بهذهِ المَعلومة الصّادمة، ويَدفعه إلى الاعتراف بهذهِ الحقيقةِ، وإجراء نَقدٍ ذاتيٍّ ومُراجعات.

***

نَعود إلى نتائج لقاءات “فتح” و”حماس″ في القاهرة، وما تمخّضت عنه من اتفاقات، مثل استعداد حركة “حماس″ لحَل حُكومتها في القطاع (اللجنة الإداريّة) فورًا، وخَوض انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة وللمجلس الوطني أيضًا، وإعادة هيكليّة الأجهزة الأمنيّة، وتسليم كل مَفاصل السّلطة لحُكومة الوِفاق الوطني في مَرحلةٍ انتقاليّة، ريثما يتم تشكيل حكومة وحدة وطنيّة.

بَحثنا في كل التصريحات والوثائق لعلّنا نَجد نصًّا صريحًا على إنهاء التنسيق الأمني، أو الاتفاق على تَفعيل المُقاومة بأشكالها كافّة ضد الاحتلال، وإلغاء كل إجراءات السلطة بوَقف مُكافآت الأسرى في سُجون الاحتلال، وتَقليص رواتب المُوظّفين في قِطاع غزّة، فلم نَجد أيّ إشارةٍ في هذا الصّدد، ولن نَفقد الأمل، وإن كان الأمل بوَجه الله.

أهم إنجاز حقّقه الفِلسطينيون هو إجبار نتنياهو على التّراجع مُهانًا في القدس المُحتلّة، وسَحب بوابات العار الإلكترونيّة التي نَصبها على أبواب المَسجد الأقصى، وهذا الإنجاز الانتصار تحقّق بدون أن يكون هناك أيّ دورٍ مُباشرٍ أو غير مُباشرٍ للسّلطة أو حركة “حماس″، أو أي فصيلٍ آخر من تِلك الفصائل التي تستعد للمُشاركة في حِواراتٍ ومُصالحاتٍ تُعيدها إلى الأضواء مُجدّدًا، بعد بياتٍ صيفيٍّ وشتويّّ طويلين، وهذا يُلخّص الحالة الفلسطينيّة تلخيصًا صادقًا ومُعبّرًا.

تُريدوننا أن نتفاءل بحَل اللّجنة الإداريّة في قطاع غزّة، وعِناق مُمثّلي حركتي “فتح” و”حماس″، على اعتبار أن المُصالحة قادمة، لا بأس سنَستجيب لطَلبكم، ولكن ما هو حَجم ارتفاع سَقف هذا التفاؤل، وكم أسبوع أو شهر سَيطول؟ وما هي آليات التّطبيق العَملي؟ وكيف ستتم عمليّة نَقل السلطات؟ وكيف سَيكون شَكل الحُكومة الجديدة؟ وهل سَتكون هُناك ضمانات للإصلاح الحقيقي على الصّعد كافّة، واجتثاث الفَساد؟

الكتابة عن لقاءات المُصالحة واتفاقاتها عمليّة مُرهقة ومُؤلمة، وتَبعث على المَلل من شِدّة التّكرار، والبَحث عن أيّ جديد، بالنّسبة إلى الكاتب والقارئ معًا، ولهذا لم تَعد القضيّة الفلسطينيّة القضيّة المركزيّة العربيّة الأولى في نَظر الكثيرين، وبات بغاث الطّير يَستأسد على الفِلسطينيين، وتتصاعد عمليّات التّطبيع والتّحالف بين حُكوماتٍ عربيّةٍ والإسرائيليين الحُماة الجُدد.. وحسبنا الله ونِعم الوكيل.