هل ظهرت مؤشرات انتهاء عصر احتكار »الكبار» لدوري الأبطال؟

أحد, 09/24/2017 - 01:28

 مع انتهاء حرارة فصل الصيف وشمسه الحارقة، يبدأ الجزء الشمالي للكرة الأرضية في استقبال أحد أروع فصول السنة «الخريف» الذي نعيشه في هذه اللحظات، والذي تعود خلاله متعة كرة القدم الحقيقية، متمثلة في البطولة التي يَحلم بها النجم الكبير قبل الشاب الصغير بعد كأس العالم، إنها كأس دوري أبطال أوروبا أو كما يقولون عنها الكأس ذات الأذنين.

منذ أن اقترح الصحفي الفرنسي غابريال هانو وصديقه في صحيفة «ليكيب» جاك دو ريزويك، فكرة إقامة بطولة تحمل اسم «كأس أوروبا للأندية» عام 1954، وبعدها بعام وافق «اليويفا» على الاقتراح، بتنفيذ المشروع بمشاركة بطل كل دولة، مع اعتماد نظام خروج المغلوب، وضح أنها ستكون «حكرا» على الكبار، بدليل ما فعله جيل أباطرة ريال مدريد بقيادة الراحل العظيم ألفريدو دي ستيفانو وشريكه المجري بوشكاش وبقية أساطير حقبة الخمسينات، بإبقاء الكأس في «سانتياغو بيرنابيو» خمس سنوات متتالية! حتى بعد خماسية الملكي الأبيض، تناوب الكبار بداية الستينات مثل بنفيكا وميلان والإنتر على اللقب، قبل أن يستعيده الريال مُجددا في منتصف هذا العقد، فقط حدثت المفاجأة الأولى عندما فاز سيلتك على أفاعي جوســـيبي ميــاتزا فــي نهائي 1967، بـعــدها أصبحت المفاجآت في هذه المسابقة بالذات، أشبه بالملح على الطعام، بالكاد يظهر لنا فريق غير مُرشح من عقد لآخر، وربما أكثر من ذلك، ليُخالف كل التوقعات.

السبعينات حالة فريدة

من شاهد سلسلة الأفلام الوثائقية الشهيرة التي تحمل اسم العقود، وخصوصا الجزء الخاص بعقد «السبعينات»، لن يندهش من التغير الكبير الذي طرأ على عالم كرة القدم، وتحديدا دوري أبطال أوروبا، بعد انتهاء الحروب وبدء مرحلة جديدة من الانفتاح والتطور الكبير في القارة العجوز في شتى المجالات، واللعبة الشعبية الأولى في العالم، كان لها نصيب كبير في التغير، بظهور قوة جديدة على الساحة، متمثلة في كرة هولندا الشاملة التي استحوذت على الكأس في بداية العقد الجميل، ثم جاء الدور على مارد ألمانيا بايرن ميونيخ ليُدّشن أسطورته كأحد الكبار إلى يومنا هذا.
وبعد انتهاء هوجة السبعينات، عادت الوجوه القديمة بشكل تدريجي، مع تكرار سيناريو سيلتك 1967 من حين لآخر، كما فعل ستيوا بوخارست الروماني منتصف الثمانينات والنجم الأحمر مطلع التسعينات ثم مارسيليا وبوروسيا دورتموند، ومنذ ذلك الحين لم يتجرأ أحد الصغار على المساس بالكأس ذات الأذنين لأول مرة سوى تشلسي عام 2012، وفي حقيقة الأمر فوز البلوز في حد ذاته لم يكن المفاجأة الصادمة، لكن الطريقة التي فاز بها، فقط هي ما تدعو للدهشة والاستغراب. فبعدما كان الفريق اللندني في طريقه للخروج من البطولة مُبكرا، بعد إقالة المدرب البرتغالي فيلاش بواش، وتسليم الدفة لمساعده الإيطالي روبرتو دي ماتيو، أو كما يُوصف من قبل جماهير النادي «نهر ستامفورد بريدج الخالد»، انقلبت الأمور رأسا على عقب، وواصل الفريق كفاحه إلى أن أزاح برشلونة في نصف النهائي وهو بعشرة لاعبين في «كامب نو»، ثم سرق الكأس من بايرن ميونيخ في عقر داره «آليانز آرينا» بفضل ركلات الترجيح، لكن الشيء الثابت أن تشلسي لم يكن فريقا مغمورا، والجميع يعرف أنه منذ استحواذ الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش على أسهم النادي، وهدفه الرئيسي التقاط الصور بالكأس الأوروبية الأهم على مستوى الأندية أمام خزينة بطولاته.

رياح ثورة التغيير

على طريقة الثورات المضادة، التي تقودها رموز الأنظمة القديمة للعودة لسدّة الحكم، نُلاحظ التشابه الكبير بين الماضي البعيد والحاضر الذي نعيشه الآن، فالفريق الذي أحكم قبضته على الكأس في أول خمس سنوات، منها النسخة الأصلية التي تُزّين متحف «سانتياغو بيرنابيو» إلى الآن، هو نفسه الذي احتكر البطولة في آخر عامين، لكن ما حدث في الميركاتو الصيفي الأخير، من حجم إنفاق هائل من أندية مُعينة لا يستطيع ريال مدريد بكل تاريخه ومجده مجاراتها ماليا، يُنذر بهبوب رياح ثورة تغيير جديدة، مُدعمة هذه المرة بلغة العصر الحالي «المال»، وليس انفتاح وثورة السبعينات.

لغة الأرقام

قبل أي شيء، لا أحد ينكر أن وجود رونالدو وميسي مع الريال والبارسا يُعطي لهما أفضلية على حساب أي منافس حتى هذه اللحظة، لكن لو نظرنا إلى القيمة التسويقية للتشكيلة التي أرسلها المدرب الكتالوني بيب غوارديولا لحمل لواء القميص السماوي في بطولة الصفوة، سنجد أنها القائمة الأغلى على مر العصور، بتكلفة بلغت 853 مليون يورو، نصف هذا المبلغ، تحكم فيه المدرب الحالي في آخر صيفين، ويأتي باريس سان جيرمان في المرتبة الثانية، بأقل ثلاثة ملايين يورو فقط! أما ثالث أغلى قائمة مشاركة في البطولة، من نصيب جوزيه مورينيو بـ784 مليونا، في حين يأتي عملاقا الليغا في المركزين الخامس والسادس بواقع 628 مليونا للبرسا و497 للميرينغي، لتنتهي أسطورة هيمنة الثنائي الإسباني على القوائم الأغلى، ولا ننسى أن هذه الموضة، التي «اخترعها» رئيس ريال مدريد الحالي، ساهمت في عودة الأضواء للبلانكو مطلع الألفية الجديدة، بانتداب أسماء بوزن الذهب كفيغو وزيدان ورونالدو الظاهرة وبقية جواهر عصر الأحجار الكريمة، قبل أن يتبع سياسة «التقشف» في السنوات القليلة الماضية.
كثيرا ما سمعنا بيريز يتكلم عن قيمة المال بالنسبة لأي نادٍ، وإلا لما قال جملته الشهيرة «نجوم الكرة الأرضية وُلدوا من أجل ريال مدريد»، وبطبيعة الحال، جلب هؤلاء النجوم يحتاج لسيولة كبيرة، وهو بالكاد أول رجل في العالم، وضع الأرقام المجنونة لشراء اللاعبين، وكانت البداية بمبلغ 56 مليون يورو، الذي وضعه في حساب برشلونة لضم فيغو في واحدة من أهم وأشهر الصفقات في تاريخ النادي، ورفع سقف اليوروهات عندما خاطر بشراء زيدان بأكثر من 60 مليونا في العام التالي، ثم الظاهرة، حتى بعد عودته في ولايته الأخيرة، ضرب كل الأرقام القياسية مرتين في صفقتي رونالدو وبيل.

انتهت اللعبة

ها قد خرج بيريز من هذه اللعبة، لصعوبة مجاراة رجل كالسيد ناصر الخليفي وهيئة الاستثمار القطرية، والآخر منصور آل نهيان ممثلا عن هيئة استثمار أبوظبي الذي يُنفق ببذخ في قلعة «الاتحاد»، والشاهد على ما كان يفعله رجل الأعمال الإسباني، هو بناء مشاريع طويلة الأمد لتحقيق طموحات الجماهير بالفوز أولاً ببطولتهم المُفضلة «دوري الأبطال»، ثم الليغا وبقية البطولات على حد سواء، والآن، الواقع يقول أن باريس سان جيرمان ومانشستر سيتي، يسيران على النهج ذاته، بشراء ألمع النجوم المتاحين على الساحة، لتظهر النتيجة بأثر فوري على أرض الملعب.

السكاي بلوز

يرى البعض أن انطلاقة مانشستر سيتي مُجرد أكذوبة، كون غوارديولا كان قد بدأ الموسم الماضي بشكل جيد، ومع الوقت حدث الانهيار، الذي خرج منه بتذكرة اللعب في دوري الأبطال، من دون أن يحصل على بطولة لأول مرة منذ ظهوره على الساحة عام 2008، لكن في حقيقة الأمر، من يُشاهد الجودة التي يُقدمها الفريق السماوي بعد التعديلات التي أجراها بيب باعتماده على سيرخيو أغويرو وغابرييل جيسوس في الخط الأمامي، مع الالتزام الدفاعي حتى في غياب كومباني، وإظهار مرونة غير عادية في تغيير طريقة اللعب أكثر من مرة في المباراة الواحدة، فضلاً عن أسلحته الفتاكة في أقدام دافيد سيلفا وكيفن دي بروينه، ونشاط وحيوية على الجانبين يفضل ووكر وميندي، نتج عن ذلك تسجيل الفريق لـ15 هدفا في ظرف ثمانية أيام فقط، بواقع مباراتين في الدوري (واحدة ضد ليفربول) وأخرى في دوري الأبطال، من دون أن تهتز شباكه، ولنا أن نتخيل كيف سيُصبح شكل هذا الفريق مع وصول القدامى والجُدد لقمة الانسجام والتفاهم، ولو ابتعدت الإصابات عنهم، واستمر المدرب في عمل المداورة بشكل مُنتظم حتى أبريل/ نيسان المقبل، بالتأكيد سيذهب بعيدا في كل البطولات المُشارك بها، بما فيها الأبطال!

أرقام من زمن آخر

منذ ظهور المُثلث الهجومي المُرعب MCN، المتمثل في الثلاثي «مبابي وكافاني ونيمار»، بدأت أرقام باريس سان جيرمان تتغير، فالأول لم يتوقف عن التسجيل في أول ثلاث مباريات، والثاني توقف عن التسجيل في مباراة واحدة، وهي الأخيرة في الدوري أمام ليون، ولولا سوء طالعه، لخرج بهدف من ركلة الجزاء التي تصارع عليها مع نيمار، والأخير بدوره، غاب فقط عن صناعة الأهداف والتسجيل في المباراة ذاتها، غير أن البداية بالفوز في ست مباريات متتالية في بداية الموسم، أمر لم يفعله النادي في العصر الحديث، آخر سلسلة ناجحة، كانت بالفوز في خمس مباريات متتالية موسم 1998-1999.
هذا ولم نتحدث عن الرسالة الخفية التي أرسلها هذا الثلاثي بدك حصون القلوب الشجاعة «سيلتك» في عقر داره بخماسية نكراء، وهذا ليس بالأمر السهل على أي فريق مهما كان اسمه أو حجمه، وعموما المواجهة القادمة المُرتقبة ضد بايرن ميـــونــيـــخ، ستُـــظهر لنا أين مكان العملاق الباريســـي على الساحة في الوقت الراهن، ولو أن المؤشرات تُظهر أنه بغض النظر عن نتيجة موقعة منتصف الأسبوع، فإن شخصية الفريق البطل تبدو واضحة في كتيبة أوناي إيمري، وتتجلى في الثقة الكبيرة التي يلعب الفريق، وتنوع الحلول سواء من الوسط أو من على الأطراف، وشأنه شأن السيتي، مع زيادة التفاهم والانسجام بين الثلاثي الأمامي، سيكون شخصية مغايرة تماما عن شخصية الفريق الذي انحنى في الريمونتادا.
 والسؤال الآن: هل سنُشاهد بطلاً جديدا يرفع كأس دوري الأبطال في نهاية الموسم؟ الإجابة سننتظرها من باريس سان جيرمان ومانشستر سيتي المُرشحين بقوة لتحقيق هذا الإنجاز.

القدس العربي