الوحدة العربية.. هكذا ولدت وهذا هو مسارها التاريخي

سبت, 10/07/2017 - 02:29

تربت الأجيال العربية على شعارات القومية والوحدة العربية.

ولكن الوحدة لم تكن دائماً شعاراً رناناً بل كانت طرحاً سياسياً جاداً عمل من أجل تحققه شخصيات سياسية وإجتماعية وأحزاب. 

خلال منتصف القرن الماضي شكلت الوحدة العربية هاجساً ولم تكن مجرد حلم بل كانت جزءاً من الحياة اليومية ومن خطابات الزعماء ونشاطاتهم ولهذا السبب كثرت الأحزاب القومية في تلك الفترة.. أما حالياً فوجودها شبه معدوم. 

 

ما هي الوحدة العربية  وعواملها  ؟

تعرف بالوحدة العربية بانها طرح سياسي قائم على فكرة دمج بعض أو جميع الأقطار العربية في إطار سياسي وإقتصادي واحد. الهدف هو إزالة الحدود بين الدول العربية وإنشاء دولة قوية إقتصادياً وعسكرياً بحيث يكون الوطن العربي الواحد ممتد من المحيط الى الخليج. 

وفق التعريف نفسه فإن الوحدة العربية لا تستثني المكونات الاخرى للمجتمعات العربية من كرد وأمازيغ أو اي أقليات أخرى بل هي دولة تحتضن كل الأعراق والأجناس. قامت الوحدة العربية تاريخاً وما تزال، من الناحية النظرية على الأقل، عبر عوامل ثابتة ومستمرة تسهل تحقيقها على أرض الواقع وهي وحدة اللغة، التاريخ المشترك، الثقافة العامة، وحدة الارض والمصالح المشتركة. 

-وحدة الارض العربية تتمثل بواقع أن لا حواجز طبيعية بين الدول العربية تعيق التنقل والتواصل. 

- تعدد الاقاليم المناخية بسبب امتداد العالم العربي من المحيط الى الخليج ما يعني تنوع المنتجات الزراعية والمحاصيل وبالتالي إمكانية الإكتفاء الذاتي وتحقيق التكامل الإقتصادي. 

-العامل التاريخي يتمثل بتعرض الوطن العربي لنفس الاحداث منذ ما قبل الاسلام ما يجعل التطلعات للمستقبل متشابهة.

- العامل الديني وهو واقع إن الدين الإسلامي هو دين غالبية العرب والذي يجمع الكل تحت راية الحضارة واحترام دين الاخرين كالعرب المسيحيين .

-عامل اللغة من الأساسيات، فجميع العرب يتحدثون اللغة العربية، بالاضافة الى التراث الحضاري الذي يتمثل في مجموع الانجازات التي حققها العرب عبر تاريخهم الطويل. 

 

تاريخ الوحدة العربية

فكرة الوحدة تعود الى فترة إنتشار الإسلام وقد تجلت بشكل أو باخر خلال العصر الاموي لتعود وتضعف خلال العهد العباسي. ولكنها برزت كحاجة ضرورية خلال السنوات الاخيرة للعهد العثماني.  العثمانيون  وببطشهم كانوا قد بدأوا بالقيام بالإعدامات الجماعية والسجن والنفي لمئات العرب، حينها بدأ التفكير والعمل.

في هذه المرحلة خرج حسين بن علي الهاشمي مؤسس المملكة الحجازية الهاشمية ليكون أول من نادى بإستقلال العرب من حكم الدولة العثمانية. فتحالف مع البريطانين وقاد الثور العربية الكبرى  لجعل الخلافة للعرب لا الاتراك. ولكننا كعرب ومنذ القدم وحتى خلال الثورات التي من المفترض ان تجمعنا دبت الخلافات وادى التوتر بينه وبين ابنه ابن سعود الى حروب «داخلية» فوقفت بريطانيا على الحياد حتى تم نفي الهاشمي. 

مصالح الانكليز تقاطعت مع دول اخرى فقاموا بنكث وعدهم وقسموا دول المشرق العربي واقتسموا تركة الدولة العثمانية وبدأ عصر الانتداب الذي كرس الحدود والانفصال.  وبعد نهاية الانتداب بدأت الدول العربية تستقل واحدة تلو الاخرى. 

ومع استقلال فلسطين عام ١٩٤٨ وتحديداً في ١٤ ايار اعلن في اليوم التالي قيام «دولة إسرائيل» فوق أجزاء كبيرة من حدود الانتداب البريطاني على فلسطين وبدأ الصراع العربي الاسرائيلي الذي هو جزء اساسي من الدعوة الى الوحدة العربية، بحكم ان الصراع مشترك أيضاً. 

ولكن الصراع هذا كان سبباً لتراجع التمسك بالوحدة فهزيمة حرب الايام الستة والتي نتج عنها احتلال سيناء والجولان والضفة الغربية فعلت فعلها بحركة القوميين العرب التي إختفت شيئاً فشيئاً. 

 

تجارب فاشلة وناجحة 

الإتحاد العربي الهاشمي بين العراق والاردن ،الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا ،إتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسوريا وليبيا،الجمهورية العربية الاسلامية بين ليبيا وتونس، ميثاق طرابلس الوحدوي بين مصر والسودان وليبيا، الوحدة الإندماجية بين ليبيا ومصر، بيان حاسي مسعود الوحدوي بين ليبيا والجزائز، الوحدة الأندماجية بين ليبيا وسوريا، الإتحاد العربي الافريقي بين ليبيا والمغرب، مجلس التعاون العربي بين الأردن ومصر والعراق واليمن الشمالي وهي كلها محاولات إنتهت بالفشل. 

في المقابل هناك جامعة الدول العربية التي هي الإطار المقبول للعمل العربي، فما تزال مستمرة وإن كان البعض يتهمها بدورها الصوري. وهناك مجلس التعاون الخليجي وقد أثبت حتى الان إنه تجربة ناجحة الى حد ما.  

 

ما بين نظرية الوحدة قديماً وحديثاً

سبق لقادة العرب أن حاولوا تجسيد الوحدة ولكن الهدف كان بعيد المنال. فالصعوبات التي تمنع تحققها عديدة جداً، منها تعزز مبدأ القطرية فالحدود ومع مرور الزمن خلقت فواصل فعلية بين الشعوب والحكام والإختلافات العديدة تجعل الانصهار شبه مستحيل. يضاف الى ذلك واقع الاختلافات في الإيدولوجيات وأنظمة الحكم، فبعضها ملكي وبعضها جمهوري وهناك الفروقات الاقتصادية الهائلة بين دول وأخرى. 

التعريف السابق الذي ساد منذ الستينات وحتى الثمانينيات لم يعد ممكناً فحالياً الطرح هو وحدة عربية تشبه مشروع الإتحاد الأوروبي.. أي كتلة سياسية خارجية موحدة لها ثقلها الاقتصادي والسياسي. ولكن ومع فشل مشروع الإتحاد الاوروبي فإن العرب يحتاجون الى مشروع جديد حتماً في ظل فشل كل التجارب السابقة.