قراءة في النجاحات الدبلوماسية، والتحديات السياسية، والمجتمعية الراهنة

ثلاثاء, 06/05/2018 - 04:01
بقلم: محمد الشيخ ولد سيد محمد - أستاذ وكاتب صحفي

أ- النجاحات الدبلوماسية

لا يختلف المراقب الوطني والدارس الأجنبي، بأن موريتانيا عبرت بسلام مخاض الربيع العربي بكل انحناءاته، لأن رؤية استباقية للتغيير كانت قد رسمت ونفذت على مراحل وبنجاح.

 

واليوم يتفق  الطرفان على أن موريتانيا تحت قيادة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، تمثل رقما صعبا في معادلة الأمن والتنمية بدول الساحل والمغرب العربي، وقد مكنتها نجاحاتها الدبلوماسية من أن تستضيف لأول مرة في تاريخ جمهوريتنا الفتية، قمة عربية ناجحة، هي قمة نواكشوط المسماة قمة الأمل خلال مؤتمر القمة العربية السابع والعشرين الذي عقد بين 25 - 27 يوليو في العاصمة الموريتانية نواكشوط.، وهي اليوم تستعد بخطوات واثقة لاحتضان قمة نواكشوط الإفريقية في 1 و2 يوليو 2018 بحضور الرئيس الفرنسي الجديد، ومراقبين من مختلف محاور النظام الدولي الراهن.

 

وهذه النجاحات الدبلوماسية لم تتأت لنظام وطني من قبل، وهي تؤكد معطيان هامان: وجود إرادة سياسية شجاعة لقائد النهج ورفاقه، وثقة عالية من أبناء الأمة العربية والقارة السمراء في ميكانيزما هذه القيادة وحكمتها في فض النزاعات الإقليمية والقارية، وهي نجاحات تستحق بجدارة طواقم مؤهلة، وقيادات حكامة متأنية، كفوءة وراشدة.

 

ب - مؤشرات التحديات السياسية والمجتمعية الراهنة

إن مؤشرات عديدة باتت جلية، تحتم على عقلاء المشهد إدراك منعرجاتها وآثارها القريبة والبعيدة، لقد تم للنظام ما أراد من إلغاء مجلس الشيوخ، وتمرير مخرجات الحوار، وتغيير اللجنة المستقلة للانتخابات، ولم يتم ذلك بقطف الورود بل إن تصدعا في الشيوخ، وتزحزحا في التحالفات داخل قبة الأغلبية، يشاهد دخانه، وتسمع أجراسه.

 

لكن المقلق في تلك المؤشرات هو استسهال البعض للتحالف مع حركات اليمين المتطرف، والترويج لنضال أعرج، ومحاولات البعض بعنجهية الازدراء بمطالب نقابات عمالية خدمية، والنظر إلى الكيف في الطاقة المتفجرة، كالنظرة إلى الكم، بعد أن أصبح العداد بوتيرة الرياح وأضحت الأعين شاخصة إلى المجهول.

 

ولكي لا نكني كناية – المبلسين والمصفقين - فإننا نسوق إلى الأرض الجرز، مؤشرات يعقلها الصائمون، ومن يهش بعصا موسى فيأفك بثعبانه المبين: السحرة والسكارى المدمنين، من شابت نواصيهم في لعب الورق، واغتياب المسلمين.

 

المؤشر الأول:

إن وقوع المزيد من التأزم السياسي داخل الأغلبية الرئاسية "محتمل للغاية"، ومؤثر مقلق على الانتخابات التشريعية والبلدية التي تطرق الأبواب، بسبب فشل الأطراف الرئيسية داخل أغلبيتنا في وضع ماضي خلافاتهم "العبثية" وراءهم، وبسبب غياب رؤية (المستقبل المشترك) الذي يجمع الكتلة الأكبر لهذه الأغلبية، إضافة إلى آثار "أزمة مجلس الشيوخ"، و"تداعيات حملة الانتساب والتنصيب الجارية"، اللتان أوجدتا شروخا متفاوتة داخل تيارات هذه الأغلبية، التي لم تعد تمتلك وجهة سياسية جامعة، وأصبحت خلافاتها الشخصية حادة.

 

المؤشر الثاني:

يواجه النظام شبكة أخطبوط تضم حركات عنصرية، وتكفيرية، ودعاة كراهية، مدعمين بجهات مغاضبة تضم شبكة من رجال الأعمال المتمرسين ورجال العشائر المتربصين، ويوجد في لب المشهد "آذان" للحركة الصهيونية العالمية، ووكلاء مردوا على تقديم التقارير للسفارات الأجنبية بمحاور مصالحها المتعددة، عن الطيف السياسي والإعلامي والاقتصادي والمجتمعي في أرض المنارة والرباط.

 

في مواجهة هذا الواقع وتحدياته لا يبدو أن الجبهة الداخلية للأغلبية سالمة من اختراق هذا الأخطبوط، فقد تم اختراق الصفوف منذ أمد على شكل "قراصنة حرب أرقام البيانات المعدة بمكر وخداع"، وتمت التضحية بعدد كبير من جنود الرئيس، وصف من المخلصين لمشروع الاستقرار السياسي، الرافض لثورات الرحيل والفوضى الخلاقة في معارك تسع سنوات خلت للأسف  بواسطة قراصنة استعملوا ألوانا من المكر الخفي؟

 

هل من الممكن تصحيح وضعية جنود الرئيس (خبراء، سياسيين، اقتصاديين، إعلاميين، دبلوماسيين، منتخبين)، ألقوا من السفينة من قبل قراصنة مهرة، أو ذئاب قميص يوسف، قبل دخول معركة انتخابية باتت على الأبواب، وتنطلق إحداثياتها في أقل من شهر.

 

المؤشر الثالث:

خطاب العقلانية والحوار والالتزام بالدستور والقيم الديمقراطية الواضح، في رؤية وخطابات رئيس الجمهورية، وخرجاته الإعلامية، يناوئه خطاب متذبب في أركان الأغلبية، في كل أذرع الخطاب السياسي، ومساحات العمل الإعلامي، وتشويش متعمد من قبل دوائر نافذة انشغلت بتصفية حساباتها الشخصية والفئوية والقبلية والشرائحية والجهوية، وهو ما يهدد بجدية الانجازات التي تحققت بجهد مضن، إنجازات نذكر بأنها لم تتحقق بالصدف، وتمت بجند غير هؤلاء، جسدت بحق الإجماع والمصداقية، وأفشلت في الماضي أبواق النفاق وزمار المجاملة.

 

المؤشر الرابع:

الأجندة الانتخابية تتلازم مع الأجندة الخارجية، من مؤتمرات وزيارات ومن أزمات عربية وإفريقية وعالمية ضاغطة، وهي في الاتجاهين متداخلة ومترابطة، ومتلازمة ومتعاكسة طرديا.

 

وليس من الممكن أن يتقدم بعض هذه الأجندة على بعض، لأن السلطة والاستقرار والمستقبل الآمن، يبقون أهم من كل الأجندة الخارجية جملة وتفصيلا، وبلدان الأزمات "الانتخابية، والاقتصادية، والأمنية" في الشرق والغرب (إيطاليا، أسبانيا، أوكرانيا، وكوريا)، وفي الجنوب والشمال (مالي، وليبيا، سوريا، والعراق، قطر، وإيران، اليمن، ووسط إفريقيا، الأردن، وماليزيا)، أمثلة ساطعة وتجارب مقنعة.، لتؤخذ منها الدروس بكرة وعشيا.

 

ج – أهم الآليات المستوجبة:

إن وضع وتنفيذ آليات الحكامة، والوضع الآمن من الهزات يتطلب حزمة من الإجراءات الجريئة والاستباقية:

1 - أهمية بروز آلية للتفكير الاستراتيجي والتخطيط، الذي يمكننا من تحديد مستقبلنا، ورفع مستوى كفاءتنا الذاتية والإقليمية في حماية إنجازات الرئيس من جهة، وحماية أمننا القومي ضد المخاطر السياسية والعسكرية الخارجية الضاغطة من جهة أخرى، ويتطلب ذلك فورا طي صفحة التوترات داخل الأغلبية جملة وتفصيلا، وذلك يتطلب جهدا حازما، لا يتقاعس عن إبعاد المتخالفين والمتصارعين، من قيادات الآليتين التنفيذية والسياسية، لأن هؤلاء المتخالفين إرث صراعاتهم مفسد لأية منافسة انتخابية يراد أن تؤسس لمستقبل مغدق.

 

2- أهمية وضوح الرؤية في مجال الأجندة الانتخابية، ورموزها ذات الطابع الوطني والجماعي: بإعلان فخامة الرئيس كمرجعية وطنية، لأجندة المستقبل وآلياته، لأنه الضامن لانتظام المؤسسات دستوريا.

 

3- منع دعاة الكراهية، والتكفيريين، والعنصريين، من أن يكونوا "قوة عنقودية" في البرلمان والهيئات الانتخابية المقبلة، أمام مجموعات من الشرائحيين والقبليين والمتمصلحين، لا يحملون رؤية ولا يقدمون فكرا موازيا، وهو عمل يتعلق بجودة الترشحات في الأحزاب المعترف بها وبصرامة احترام الدستور وقوانين الجمهورية.

 

4- لا بد من وجود جهاز سياسي حقيقي غير مفبرك، ويدار بروح الإجماع لا بروح الثأر وتصفية الخصوم، مدعوم بمظلة إعلامية ذات مشروعية ومصداقية وأهداف نبيلة، ومردف بآلية تمويل شفافة وفعالة، تخرج الوطن - كل الوطن - من المرحلة الحرجة عالميا وإقليميا، وحقبة الانتخابات التشاركية الأولي بعد سنوات وطنيا.

 

إلا أن الأهم في هذه المرحلة أن يحافظ البلد على إنجازاته ومؤسساته، وأن لا يتعرض المحاربون القدماء للتشويه والازدراء، وأن لا تسوق أجندة المتطرفين من قبل أحزاب "الظل" ورجال أعمال "ظلال الوهم وتجييش الأحقاد" خارج الحدود، لأنه لا مال أهم من الوطن، ولا استحقاقات أهم من هوية واستقرار هذا البلد  المتمعدد المخشوشن (مرابطين) و"منبطحين"، (مهاجرين)، ولواذا متخلفين، أعراب خشية أو أعراب تملق ونفاق.

 

اللهم ألهمنا رشدنا، وأعذنا من شرور خلقك.