زعماء افريقيا يعقدون قمة في موريتانيا تحت دخان التفجيرات في مالي

اثنين, 07/02/2018 - 02:01

 

تحت دخان الهجوم الذي استهدف الجمعة مقر القوة العسكرية لدول الساحل في مالي، عقد قادة الاتحاد الإفريقي أمس بنواكشوط قمتهم الإحدى والثلاثين بحضور مباشر لخمسة وعشرين منهم وغياب لافت للرئيس السيسي وللعاهل المغربي، وحضور ملحوظ للرئيس الصحراوي، ومشاركة جانبية محسوبة للرئيس الفرنسي.
واعتبر الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، مستضيف القمة، في خطابه أمام المؤتمر «أن التوقيع الرسمي من قبل القادة الأفارقة خلال القمة الاستثنائية الأخيرة في كيغالي على الاتفاقية المتعلقة بمنطقة التبادل الحر والتي تشكل حجر الزاوية في أجندة 2063، يمثل خطوة حاسمة على طريق الاندماج التجاري والاقتصادي على مستوى القارة».
وأكد ولد عبد العزيز «أن هذه المنطقة ستوفر فرصاً حقيقية لتشغيل الشباب الإفريقي، من خلال تشجيع التصنيع وتعزيز الاستثمارات على عموم القارة، كما أن اعتماد بروتوكول حرية تنقل الأفراد سيؤمن إنسيابية أكبر في حركة الأشخاص في الفضاء الإفريقي رافعاً مستوى التبادل في مجال الخبرات والثقافة والعلوم».
وركز الرئيس الموريتاني كلمته على التحديات الأمنية التي تواجهها بلدان القارة، مؤكداً «أنها تحديات كبيرة يتقدمها الإرهاب والتطرف والمتاجرة بالمخدرات وتعدد بؤر التوتر»، ومبرزاً «أنها تحديات تشكل عائقاً حقيقياً في وجه التنمية المستدامة، إذ لا يمكن تصور تنمية بدون أمن، الأمر الذي يتطلب منا، يضيف الرئيس الموريتاني، وضع مقاربة جماعية ترتكز على تنسيق جهود دولنا لرفع هذه التحديات». 
ولضمان نجاح هذه المقاربة في القضاء على ظواهر الإرهاب والعنف والتطرف، وإخماد بؤر التوتر، يقول الرئيس ولد عبد العزيز: «يتوجب علينا تضمينها أبعاداً تعالج الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية التي قد تدفع بعض شبابنا إلى التشدد والانحراف».
وقال: «لقد اعتمدنا في موريتانيا مقاربة أمنية شاملة لهذه الأبعاد، ما مكننا من دحر الإرهاب وتأمين كامل حوزتنا الترابية، وفي السياق نفسه أنشأنا مع أشقائنا في بوركينافاسو ومالي والنيجر والتشاد مجموعة دول الساحل الخمس، التي أصبحت في وقت قياسي، فاعلاً أساسياً في كل المبادرات الهادفة إلى بسط الأمن ورفع التحديات التنموية في منطقة الساحل والصحراء».
هذا، وناقش الرؤساء في جلسة مغلقة استمرت لساعات أمس جدول أعمال موسع لقضايا متعددة، أبرزها الموضوع الذي اختاره الاتحاد شعاراً لهذه القمة وهو «كسب المعركة ضد الفساد»، حيث تابع زعماء القارة تقريراً قدمه الرئيس النيجيري محمد بخاري عن ظاهرة الفساد التي تخسر إفريقيا بموجبها أكثر من (100) مليار دولار سنوياً.
وتابع الرؤساء في جلستيهم المغلقتين أمس تقارير تناولت قضية الصحراء الغربية والفرص المتاحة لاستئناف التفاوض المباشر بين الصحراويين والمغاربة، وتطورات التصديق على معاهدة إنشاء منطقة التجارة الحرة لإفريقيا، وسبل نزع فتيل الأزمات في إفريقيا، والموقف الإفريقي الموحد بشأن شراكة إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي لما بعد 2026، إضافة إلى تقدم إنجاز أجندة 2063 الإفريقية، والمصادقة على برنامج إصلاح مؤسسة الاتحاد الذي قدم الرئيس الرواندي بول كاغامي تقريراً عنه أمام الرؤساء. 
وحسب ما ورد في ملخص لتقرير الرئيس الرواندي اطلعت عليه «القدس العربي» أمس، فإن الاتحاد يتجه لاتخاذ إجراءات غير مسبوقة لإنجاح مخطط إصلاح هيكلته وتطوير أدائه، وهو ما يحرص الرئيس كاغامي على القيام به قبل انتهاء رئاسته الدورية للاتحاد عام 2019، حيث سيخلفه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ويسعى الرئيس الرواندي، حسبما يتضح من تقريره الذي عرضه على الرؤساء أمس، لتطوير أداء الاتحاد من خلال التسريع بعملية اتخاذ القرار وضمان تطبيق القرارات والتوصيات. وحصل الرئيس كاغامي على تأييد واسع من دول شرق وغرب إفريقيا، وكذا من طرف المملكة المغربية. 
وأكد بول كاغامي الذي يتولى رئاسة الاتحاد الدورية «أنه آن الأوان لأن تتحدث إفريقيا بصوت موحد، لأن ذلك سيجعل البلدان الإفريقية بمنأى عن الضغوط».
واعتبر في خطاب افتتح به القمة «أن المستقبل الذي تطمح له إفريقيا يترتب على نجاح إصلاحات لمؤسسة الاتحاد الإفريقي».
وقال: «إن وضعية الاتحاد الإفريقي السابقة لا يمكن أن تستمر»، معتبراً «أن الميزانية التي صودق عليها قبل أيام هي الميزانية الأكثر شفافية ومصداقية في تاريخ الاتحاد الإفريقي».
وعن قضية الصحراء، أقدم نزاع في القارة، تابع الرؤساء أمس تقريراً طال انتظاره لرئيس لجنة الاتحاد موسى فاكي محمد، وذلك في غياب العاهل المغربي، وبحضور الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي الذي استقبله الرئيس الموريتاني بالمطار ورفرف علم جمهوريته في سماء نواكشوط لأول مرة.
ويتسبب هذا النزاع بشكل ينعكس على الاتحاد الإفريقي وعلى اتحاد المغرب العربي، في توتر مستمر منذ عقود بين المغرب والجزائر أكبر داعمي جبهة بوليساريو. 
وستمكن عودة المغرب لعضوية الاتحاد الإفريقي في يناير/ كانون الثاني 2017م، بعد غياب دام أربعاً وثلاثين سنة، الاتحاد الإفريقي، حسب المتفائلين، من استعادة هذا الملف من أروقة الأمم المتحدة بوصفه نزاعاً إفريقياً داخلياً. 
وقبل أن يقدم موسى فاكي تقريره اليوم أمام القمة الإفريقية، زار موسى فاكي المغرب لمدة يومين في يونيو / حزيران الماضي، وأجرى مشاورات مع الصحراويين في مخيمهم الرسمي بتندوف، كما التقى في مارس الماضي كلاً من الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، ووزير الخارجية الجزائري عبد القادر أمساهل. 
وشكل حضور رئيس فرنسا القوة الاستعمارية السابقة، لجانب من هذه القمة، شاغلاً سياسياً وديبلوماسياً للرؤساء، ومناسبة لمشاورات حول عدة ملفات يتقدمها أمن منطقة الساحل وسد منافذ الهجرة من إفريقيا نحو القارة العجوز، وتوجه الاتحاد الأوروبي نحو بناء مراكز في عدد من دول القارة لاستقبال أفواج المهاجرين. 
ولم يلق الرئيس الفرنسي أمس، كما جرت العادة، خطاباً أمام القمة بسبب القرار الذي اتخذ في وقت سابق والقاضي بعدم إتاحة الفرصة لرؤساء الدول الأجنبية للحديث أمام قمم الاتحاد. غير أن الرئيس ماكرون نظم أمس حفلة غداء سياسية حضرها رؤساء دول القارة الموجودون في نواكشوط، وخصصت للتشاور حول تمويل عمليات حفظ السلام في إفريقيا. 
ومن القضايا التي ناقشها الزعماء الأفارقة أمس نظام دورية قممهم، حيث قرر الرؤساء إلغاء نظام عقد القمتين كل سنة، اللتين دأب الاتحاد على عقدهما دورياً في إحدى عواصم دول القارة. 
وقد قرر الرؤساء، حسب أخبار رشحت ظهر أمس، الاستعاضة عن نظام القمتين بمجلس تنفيذي يضم وزراء الخارجية ووزراء المالية في الدول الأعضاء، مع الإبقاء على القمة السنوية بمقر الاتحاد في أديس أبابا، والسماح باستــضافتها من طرف أي دولة عضو تطلب ذلك.

عبد الله مولود/ نواكشوط- القدس العربي