عبد الباري عطوان/ لِماذا عادَ الأمير أحمد بن عبد العزيز فَجأَةً إلى الرِّياض؟

جمعة, 11/02/2018 - 02:05

لِماذا عادَ الأمير أحمد بن عبد العزيز فَجأَةً إلى الرِّياض؟ وما هُوَ المَنصِب “المُرَجَّح” أن يتَوَلّاه: العَرش أم وِلايَة العَهد؟ وهَل التَقى الملك سلمان بَعدَ عَودَتِه؟ وكيفَ تَنْظُر إدارَة ترامب إليه.. وهَل هُوَ مَحَل ثِقَتِهَا؟

 

أثارَت زِيارَة الأمير أحمد بن عبد العزيز، وزير الداخليّة السعوديّة الأسْبَق، وأصغر أبناء الملك عبد العزيز السديري السَّبعة، إلى بِريطانيا الكَثير مِن عَلاماتِ الاستفهام، خاصَّةً عِندَما واجَه مجموعَةً مِن المُحتَجِّين أمام مَنزِلِه بقَولِه “لا تَلوموا العائِلة الحاكِمَة بَل المُتسَبِّبن بالحَرب في اليمن”، ولكن عَودته إلى الرِّياض ووجود الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد، على رأسِ مُستَقبِليه، أثارَت علامات استفهامٍ أكبَر، فتَحَت باب التَّكَهُّنات حَولَ “مُفاجآت” العَرش السُّعوديّ المُستَقبليّة على مِصرَعيه.

مُغادَرة الأمير أحمد للمملكة تَمَّت قبل جريمة اغتيال الصِّحافي جمال خاشقجي، ومِن غَير المُعتَقد أنّه كانَ مِن المُمكِن أن يعود إلى الرياض، ويَحْظى بهذا الاستقبال الحافِل لولا حُدوثِها، واعتراف القِيادَة الحاليّة في السعوديّة بارتكابِها، وتكليف “فَريق المَوت” المُكوَّن مِن 18 رَجُلِ أمنٍ، إلى جانِب طَبيبِ تَشريحٍ شَرعيٍّ بتَنفيذِها في القُنصليّة السعوديّة في إسطنبول.

الأمير محمد بن سلمان، الحاكِم الفِعليّ للمملكة حاليًّا، بسبب مَرَض والده، لم يتسامَح مُطلَقًا مَع مُعارِضيه، أو الذين لم يُبايِعوه، وَليًّا للعَهد، سواء كانوا مِن الأُسرةِ الحاكِمة أو مِن عامّة الشَّعب، وهُناك 1500 مِنهُم ما زالوا خَلفَ القُضبان باعترافِه، بينهم أُمَراء، ولهذا كان لافِتًا استقبالِه لأبْرَز هؤلاء المُعارِضين، أي عمّه الأمير أحمد الذي لم يُبايِعُه مُطْلَقًا، ولم يُعَلِّق صُورَته إلى جانِب صُورتيّ والِده الملك، وجَدّه المُؤسِّس، في مَجلِسِه الذي يَستَقبِل فيه ضُيوفه في الرِّياض.

 

***

مَصدَرٌ سُعوديٌّ مَوثوقٌ يُقيم في لندن أكَّد لنا أنّ الأمير أحمد بن عبد العزيز، المُتزوِّج من ابنة عمّه وشقيقة الأمير محمد بن نوّاف بن عبد العزيز آل سعود، السَّفير السعوديّ في لندن، أكَّد لنا أنّه كانَ يُريد الإقامَة لفَترةٍ طَويلةٍ في العاصِمة البريطانيّة، وعَودَتِه المُفاجِئة وبعد ثلاثَة أسابيع مِن اغتيالِ الخاشقجي، لا يُمكِن أن تتم لولا حُدوث “تَرتيباتٍ ما” بِريطانيّة وأمريكيّة بشأنِ إعادَة هيكليّة الحُكم في الرِّياض مِن خِلالِ “انقلابٍ أبْيَض”.

مِن الصَّعب عَلينا التَّكَهُّن بالصِّيغةِ التي يُمْكِن أن تتَبلْوَر مِن خِلال الاتِّصالات التي أجراها الأمير أحمد في لندن مع مَسؤولين أمريكان وبِريطانيين، ثُمّ بعد عَودَتِه إلى الرِّياض، خاصَّةً لِقاءاتِه مع الأمير طلال بن عبد العزيز الذي كان يَشْغَل مَنصِب نائِب رئيس هيئة البَيْعة، أو مع الأمير مقرن بن عبد العزيز، وليّ العَهد الأسْبَق، الذي عَزَلَه الملك سلمان فَوْرَ تَولِّيه العَرش رُغم وَصيّة الملك الراحل عبد الله بأن يَظَل في مَنصِبِه ويتَولَّى العرش إذا شَغُر هذا المَنصِب لأيِّ سَبَبٍ ما.

تَغيير أولِياء العهد في المملكة لم تَعُد عمليّةً صَعبةً مُنذ أن تَولَّى الملك سلمان العَرش أوائِل عام 2015، فقد غيَّر اثنين في أقلّ مِن أشْهُرٍ مَعدودةٍ، هُمَا شقيقاه الأمير مقرن ثُمّ الأمير محمد بن نايف، ورَفَّع نَجلُه الأمير محمد إلى مَنصِب وليّ العَهد، ومِن غَير المُستَبعد أن نَشْهَد حَرَكَةً في هذا المِضمار في الأسابيع المُقبِلة، حسب الكَثير مِن التَّسريبات والتَّقارير الإخباريّة.

هُناك عِدَّة أسئِلة لا بُد مِن التَّوقُّف عِندَها في هذا المِضْمَار:

ـ الأوّل: في حالِ وجود تَوجُّه بإعطاءِ مَنصِبٍ قِياديٍّ للأمير أحمد بن عبد العزيز ما هُوَ هذا المَنصِب، هَل سيَتولَّى العرش، أم وِلايَة العَهد؟ وإذا كانَ الأوّل، مَن سَيكون وَليَّ عَهْدِه؟

الثَّاني: هل التَقى الأمير أحمد بعد عَودَتِه بالملك سلمان، أم لم يَلتَقيه؟ هُناك رِوايتان الأُولى تَقول أنّه التقاهُ فِعْلًا، وأُخرَى تَنْفِي ذَلِك.

ـ الثَّالِث: ما هُوَ مَوقِف إدارة الرئيس ترامب مِن الأمير أحمد بن عبد العزيز؟ هل تَقبَل بِه مَلِكًا أو وَليًّا للعَهد؟

ـ الرَّابِع: ما هُوَ المَنصِب الذي سيتَولّاه الأمير خالد بن سلمان، سفير السعوديّة الحاليّ في واشنطن، الذي كانَ مُرشَّحًا لتَولِّي وِزارَة الخارجيّة بَدَلًا مِن السيد عادل الجبير حتّى فَتْرَةٍ قَريبَةٍ؟ هَل سيكون وَليًّا للعهد في حالِ إعفاء الملك سلمان وتَولِّي شَقيقه الأمير محمد الحُكم رَسميًّا في ضَربَةٍ استِباقيّةٍ؟

***

هُناك مَسألة مُهِمَّة لا بُد مِن التَّوقُّف عِندَها ورُبّما لا يَعرِفها الكَثيرون، وهِي أنّ الأمير أحمد بن عبد العزيز لم يَزُر واشنطن مُطْلَقًا طِوال فَترة تَولِّيه مَناصِب في الدولة، سواء كنائِب لوزير الداخليُة في زَمَن شقيقه الأمير نايف، أو عندما خَلفَه في هذا المَنصِب، وأكَّد لي صَديقٌ سُعوديٌّ زارَه في مَكتبه بوزارَة الداخليّة عِدَّة مَرّات، أنّه لم يَسْتَقبِل مُطْلقًا أيَّ مَسؤولٍ أمريكيٍّ، وكانَ يقوم بهَذهِ المُهِمَّة الأمير محمد بن نايف، المَسؤول عَن المِلفّات الأمنيّة، والذي كانَ على خِلافٍ كَبيرٍ مَعه لأنّه تجاوزه في عِدَّة مِلفّات، وكانَ يُنَسِّق فيها مع الملك الراحل عبد الله ودِيوانِه.

الأُسرَة الحاكِمَة في السعوديّة تَميلُ دائِمًا إلى التَّكَتُّم في مُعالَجة شُؤونِها الداخليّة، ولذلِك كُل ما يُمكِن ذِكرُه في هَذهِ القَضايا الحسّاسة يَظَل في إطارِ التَّكَهُّنات والتَّسريبات، والتَّحليلات، ولهذا تأتِي مُعظَم القَرارات بِشَكلٍ مُفاجِئٍ، ودُونَ أيِّ تَمهيدٍ.

خِتامًا نَقول أنّ كُل ما يَهُم الوِلايات المتحدة الأمريكيّة وإدارة ترامب على وَجهِ الخُصوص، التي تُعتَبر علاقاتِها مع السعوديّة استراتيجيّة، هو استمرار صَفَقات الأسلحة، وإلا نَعتقِد أنّ هُناك خِلافًا بين أُمَراء الأُسرة الحاكِمَة، سَواء كانوا في قِمّة السُّلطة أو خارِجِها، على هَذهِ المَسألة، قُلنَاها ونُكَرِّرها بأنّ أمريكا تُقَدِّم الصَّفَقات على المَبادِئ، وتَستخدِم سِلاح تَثوير الأقليّات وتَقسيمِ الدُّوَل في وَجهِ مَن يُعارِضها.

تداعيات اغتيال خاشقجي ستَظَل حافِلةً بالمُفاجآت والتَّغييرات على مُستَوى القِمّة تَحديدًا.. وما زِلنا في أوَّلِ الطَّريق.. والقادِم أعْظَم.. واللهُ أعْلَم.