الاقتصاد الموريتاني... أزمات خانقة... وشعارات جوفاء

أربعاء, 12/05/2018 - 02:09
بقلم / أواه اليدالي

يقول أحد المفكرين: (إن أسوأ ما في ا لاقتصاد أنه يفضح السياسيين ويبين كذبهم وزيف إنجازاتهم). فعلم الاقتصاد كقواعد ومسلمات صالحة لكل الدول وقابلة للتطبيق في شتى الظروف هو علم حيادي طبقته دول العالم الأول فنهضت وبلغت عنان السماء رقيا وتقدما وازدهارا وتقنيات كما طبقته الاقتصاديات الصاعدة كالصين والبرازيل والهند وتركيا وجنوب إفريقيا فسعدت وأسعدت شعوبها وخرجت من ربقة التخلف المزري كما طبقته دول النمور الآسيوية فصعدت من قاعدة التخلف المخيف إلى درجات عالية من التقدم.

 

وموريتانيا كإحدى بلدان العالم التاسع اليوم – العالم الثالث سابقا – يعاني اقتصادها من عدد كبير من المشاكل المتراكمة والأزمات الخانقة لعل من أبرزها:

 

1. انعدام السيولة النقدية: فالسيولة النقدية لها أربعة مصادر هي :

أ‌- الرواتب والأجور: فمن المعروف أن الرواتب والأجور تشكل حوالي 70% من حجم النقود التي تغذي السوق ولما كانت الرواتب والأجور عندنا منخفضة جدا مقارنة مع كلفة الحياة لأن الأساس الذي تحسب عليه الرواتب في موريتانيا يعود إلى بداية الستينيات وسنوات الاستقلال الأولى فهو يعتمد على العلامة القياسية التي لا تقيس إلا العدم والإنديس (المؤشر) الذي هو أقرب إلى مختلقات العرب والعجم!! والراتب الأساسي الذي لا هو أساسي ولا هم يحزنون !!!

كما أن موريتانيا ترفض حتى الآن تطبيق القاعدة الذهبية التي تطبقها جل دول العالم المحترمة و التي تقضي: (أن أقل راتب ينبغي أن يكون عشر أعلا راتب في البلد) فمثلا: في فرنسا يتقاضى الرئيس الفرنسي 14000 يورو لكن أقل راتب في فرنسا smic 1457 يورو وفي أمريكا يتقاضى الرئيس 32000  دولار لكن أقل راتب لموظف هو 4000 دولار أي نسبة 12% أما في موريتانيا فيتقاضى رئيس الجمهورية حسب تعديلات 2004 أواخر زمن ولد الطائع 7000000  أوقية بينما يتقاضى حوالي 90% من موظفي الدولة وعمالها أقل من 2% من أعلى راتب في البلد وهو راتب الرئيس.

 

كما أن قرار تخفيض قيمة العملة سنة 1992 بنسبة 90% جعل الرواتب والأجور تفقد 9 أعشار قيمتها ناهيك عن الارتفاع المستمر لأسعار المواد الغذائية والخدمات وهو ما جعل الموريتانيين يتندرون أن العمل في الوظيفة العمومية له دالات أربع: (الدَّينُ –  الدَّفرةُ –  الدَّيْلِيكْ – الدَّحْسَة!).

 
ب‌-  القروض البنكية: تشكل القروض البنكية رافدا مهما من روافد السيولة النقدية، فالدور الاقتصادي الأساسي للبنوك هو تمويل الاقتصاد ولذلك تسعى الدول الصناعية والاقتصاديات الصاعدة إلى تخفيض نسبة الفائدة مثلا: في أمريكا 0.75% وفي فرنسا 0.50% وفي بريطانيا 0.25% مطبقين حكمة كينز المنظر الأول للرأسمالية الاقتصادية: (إن الاقتصاد لا يستعيد عافيته إلا عند ما تكون الفائدة 0 أو في حدود الصفر ).

أما في موريتانيا فتصل نسبة الفائدة إلى 37% أي أن كل مليون يقترضه مواطن موريتاني سيدفع فوقه 370000 أوقية كفوائد وهو ما يجعل القروض البنكية تكاد تكون ضرا لا نفعا على المقترضين وبالتالي تدني مساهمتها في السيولة النقدية التي لابد منها لدوران عجلة الإنتاج، ناهيك عن قلة نسبة (البنكنة) أي نسبة الذين يمتلكون حسابات مصرفية من الأيد العاملة النشطة والمقدرة (1600000) فهذه النسبة لا تتجاوز 12% كما أن الخبراء الاقتصاديين يدقون ناقوس الخطر دائما بأن العشرين بنكا تجاريا الموجودة حاليا تواجه خطر الإفلاس في المستقبل المنظور بسبب ضيق حجم كتلة السيولة النقدية!.

ج - تحويلات العمال في الخارج: من المعروف أن تحويلات العمال في الخارج أو (أدياسبورا) تشكل رافدا مهما للسيولة النقدية وللعملة الصعبة بالنسبة لجميع البلدان المصدرة للعمال فتحويلات الموريتانيين في الخليج أو في أنغولا أو أوربا أو أمريكا هي جد حيوية لتزويد السوق المحلي بسيولة نقدية في أمس الحاجة إليها وهنا تبرز على السطح مشكلة تحويلات العمال المقتربين في أنغولا وما جرته من زيادة ركود السوق وجفاف السيولة النقدية!.

د - تمويلات الدولة: فمن المعروف أن الدولة هي أكبر ممول للاقتصاد الوطني فمشاريع الدولة لعبت دورا لا بأس به في تزويد السوق بسيولة نقدية لا غنى عنها فقد كانت مشاريع PDIAM و PGRP والصندوق الجهوي للتنمية تشكل قناة مهمة لتمويل القرى والتجمعات المحلية في بعض الخدمات الأساسية، ويوصي الخبراء الاقتصاديون الحكومة الموريتانية بتخصيص نسبة معتبرة من الميزانية لهذه التمويلات لما تدره من دخول على المجموعات ولمساهمتها في تغذية السوق بالسيولة النقدية الاقتصادية اللازمة.

 

2. الارتفاع المستمر للأسعار: شهدت موريتانيا وتشهد كل حين موجات من الغلاء المتتابعة (والغلاء من البلاء) تشمل أسعار المواد الغذائية الأساسية والفرعية كما شملت خدمات النقل والسكن والكهرباء والغاز والماء والدواء والكساء مما دمر القوة الشرائية للمواطنين وجعل 70% من الأسر الموريتانية تعاني من فجوة غذائية متفاقمة، والفجوة الغذائية هي في عرف الاقتصاديين مرحلة ما قبل المجاعة.

 

كما أن الضرائب التي تفرضها الحكومة على المواد الغذائية والخدمات تساهم بشكل كبير في زيادة أسعارها وبالتالي تفاقم موجة الغلاء.

 

3. تدهور قيمة العملة: لقد كان قرار تخفيض قيمة العملة سنة 1992 بنسبة 90% قرارا كارثيا بكل المقاييس الاقتصادية، فهذا القرار الذي جاء تماشيا مع إملاءات صندوق النقد الدولي (أو النكد الدولي على الأصح) جعل كل موريتاني يفقد 9 أعشار قيمة ثروته.

 

وهكذا انتقل سعر الدولار من 114 أوقية للدولار الواحد إلى 250 أوقية بينما كان الدولار لا يتجاوز 28 أوقية سنة 1974م وقت إنشاء العملة.

 

كما أن طباعة الأوراق النقدية الجديدة (البوليمتر) أو (العملة الصفرية) كما يسميها الموريتانيون جاءت بعد طلب صندوق النقد الدولي تخفيضا جديدا بنسبة 42% وافقت عليه الحكومة في اتفاق مع صندوق النقد الدولي بسبب زيادة المديونية الخارجية.

 

4. البطالة: تقدر اليد العاملة النشطة (أي المواطنين ما بين 20 سنة و60 سنة) في موريتانيا بحوالي 1600000 تشغل الدولة منهم 40000 أي نسبة حوالي 3% كما تشغل الشركة الوطنية للصناعة والمعادن اسنيم 6000 أي نسبة حوالي 0.4%، وقطاع الصيد حوالي 10000 أي نسبة حوالي 0.6%، وشركة تازيازت 2000 أي أقل من نسبة 0.2%، وشركة صوملك 1500 وهي نسبة 0.1%، بينما يقدر الخبراء أن 35% من الأيد العاملة النشطة تعمل في القطاع الخاص؛ وهو ما يبين بجلاء حجم البطالة الحقيقي.

 

وقد كانت دراسات شبه رسمية قدرت البطالة سنة 2012 بحوالي 32% كما قدرتها تقديرات لبعض النقابات والمكتب الدولي للشغل بحوالي نسبة 50% من الأيد العاملة النشطة، ومن المعروف أن البنك الدولي يقول: إن نسبة البطالة عند ما تصل في بلد ما إلى 18% فإن ذلك البلد قد دخل في الدائرة السوداء.

في حين تصر الحكومة الحالية أن نسبة البطالة لا تتجاوز 10% في الوقت الذي تصل فيه نسبة البطالة في فرنسا وهي من أقوى عشر اقتصاديات العالم إلى 11%، كما تصل في أسبانيا إلى 26% وبلغت في الولايات المتحدة الاقتصاد الأول في العالم 5%!.

 

كما ارتفعت البطالة بعد تفليس شرائك سونمكش وأنير....!.

 

5. المديونية الخارجية:

فقد بلغ الدين الخارجي لموريتانيا 5 مليارات من الدولارات وهو ما جعلها تدخل بجدارة في نادي الدول الفقيرة الأكثر مديونية (PPTE) وهو ما حدى بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والسفراء الأوروبيين المعتمدين في موريتانيا إلى دق ناقوس الخطر خاصة مع حلول آجال تسديد بعضها بل إن بعض الخبراء الاقتصاديين قال نقلا عن صندوق النقد الدولي: إن الديون الخارجية لموريتانيا وصلت إلى مستويات مقلقة تجاوزت 97% من الناتج الداخلي الخام، بل إن مصادر في صندوق النقد الدولي تحدثت عن تجاوز الدين الخارجي الناتج الداخلي الخام الذي يقدر بـ4 مليار دولار فقط حاليا.

 

6. الضغط الضريبي:

تصل مساهمة الضرائب في ميزانية 2019  إلى 70% مما يهدد بشلل اقتصادي كبير بسبب الضغط الضريبي المجحف، والذي دمر الطبقة الوسطى وطرد العديد من كبار التجار ورجال الأعمال الذين أخرجوا مئات المليارات من الأوقية من البلد خلال السنوات الأخيرة وما قصة مجمع كارفور مع الضرائب عنا ببعيد.

 

7. إهمال الثروة الحيوانية: تعاني الثروة الحيوانية المقدرة بـ(23000000) رأس من المواشي جلها من الأغنام من الجفاف الملازم والتناقص المستمر في معدلات التربة وانخفاض خصوبة التربة "كلت النبات" وزحف الرمال وانحسار المراعي في شريط ضيق يمتد جنوب البلاد من: (تكند إلى عدل بكرو) وفشل السياسات الحكومية فقد قضى جفاف العام الماضي لوحده على أعداد كبيرة من المواشي قدرت بعشرات الآلاف إن لم يكن المئات، كما تنتشر أمراض "بو مرارة" و"الحمى" و"آسافه" مع رداءة الخدمات البيطرية.

 

كما لأن كثيرا من المنمين التقليديين ينسون يوميا بعد بيع مواشيهم بسبب كثرة التكاليف وانعدام المردودية مما يهدد الأمن الغذائي في بلد يستورد 90% من حاجياته من الألبان وحوالي 40% من استهلاك اللحوم أصبح من الدجاج المستورد من شتى البلدان.

 

8. رداءة البنية التحتية: فالطرق الوطنية الرئيسية انتهى عمرها الافتراضي وتآكلت وأصبحت أثرا بعد عين مثل: (طريق الأمل الوطني رقم 3 - طريق روصو نواكشوط أو الوطني رقم واحد - طريق نواكشوط - أكجوجت أطار أو الوطني رقم 2 - نواكشوط - نواذيبو أو الوطني رقم 4)، كما لا وجود لنظام صرف صحي حتى في العاصمة بعد ما تآكلت النواة التي أنجزتها دولة الاستقلال أيام المرحوم الرئيس المؤسس المختار ولد داداه وما تنجزه الصين حاليا هو فقط لصرف مياه الأمطار - القليلة أصلا مع بعض برك مياه المجاري في الوهاد المنخفضة -.

 

والصرف الصحي: هو ربط دورات مياه المنازل والحمامات بشبكة من الأنابيب لصرف المياه العادمة ومعالجتها بالطرق الكيمائية المعروفة حفاظا على صحة المواطنين.

 

9. إفلاس وتفليس الشركات العامة: فقد تم تفليس أقدم مؤسسة عامة (شركة سونمكس) وهي كانت الخزان الاستراتيجي للمواد الغذائية لمواجهة الحالات الطارئة كما فلست مؤسسة صيانة الطرق (آنير) وتعاني كلا من اسنيم والخطوط الجوية وميناء نواكشوط وساميا مشاكل مالية وهيكلية عديدة.

 

إن هذه المؤشرات الاقتصادية المقلقة في نظر الخبراء تحتم على الحكومة الموريتانية مواجهة الواقع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه البلاد فلا يكفي مطلقا الحديث بأن الحالة الاقتصادية وردية ولا وجود لأي نوع من المشاكل و أحوال المواطنين تكفي عن سؤالهم وحالة الركود العامة التي تعاني منها الأسواق أضحت حديث يسير به الركبان حتى بات حديثا معادا.

 

كما أن حال العمال والموظفين وما هم فيه من هموم اقتصادية جعلتهم يشاطرون العاطلين تقريبا نفس الهموم وهو ما جعل البطالة المقنعة حاضرة بشدة في المشهد الموريتاني هذه الأيام.
 

فلعل وعسى – و ما تجدي لعل ولا عسى – أن تكون السنة الجديدة فاتحة خير تكتشف فيها الحكومة خطة اقتصادية محكمة بحيث نمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل تنمية واستقرار!.