موريتانيا: جدل وارتباك متواصل بسبب عودة الرئيس السابق للمشهد السياسي

سبت, 11/23/2019 - 11:23

لم تهدأ حتى الآن في موريتانيا حالة الارتباك التي أحدثتها عودة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز من جولته الخارجية، وزاد اشتعالها ترؤسه اجتماعا لقيادة حزبه وإعلانه عن استمراره ناشطا في الساحة السياسية

فقد أشعلت هذه العودة التي فهمها خصوم الرئيس السابق، على أنها تتضمن نية للعودة إلى السلطة بطريقة ما، جدلا كبيرا على صفحات التواصل وداخل صالونات السياسة بل إنها أصبحت الشغل الشاغل للرأي العام الموريتاني بكافة أطيافه.

 

سيارة الإطفاء
وحسب معلومات منقولة عن مصدر في الرئاسة، فقد فضل الرئيس غزواني قيادة سيارة الإطفاء في هذه المعركة، حيث إنه، وهو الذي لا يعارض، على ما يبدو، استئناف سلفه للعمل السياسي، يبذل جهودا لتهدئة الثورة التي يسعى أنصاره ونشطاء المعارضة التقليدية لإشعالها في وجه طموحات الرئيس السابق، حيث منعت أجهزة الأمن تظاهرة احتجاجية كان من المقرر تنظيمها ليلة الجمعة بتعبئة واسعة أمام الرئاسة بمشاركة أنصار الرئيس غزواني ونشطاء معارضة النظام السابق بشقيها المصنف (في الأحزاب) وغير المصنف.

 

براءات ومرجعية
وفي نفس السياق، علّّق نواب من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (حزب الرئيس السابق) جلسة مشاورات كان رئيس الفريق حبيب ولد أجاه المقرب من الرئيس الغزواني، قد طالب بعقدها للتشاور بشأن إصدار بيان بالبراءة من اجتماع الرئيس السابق بلجنة تسيير الحزب ليلة الخميس الماضية.
وأعلن عدد من عمد ونواب أغلبية الرئيس السابق براءتهم من أية مرجعية سياسية غير مرجعية الرئيس الغزواني.
وأكدت رابطة عمد ولاية الحوض الشرقي (جهة الرئيس الغزواني) في بيان وزعته أمس “أن أعضاءها قرروا بعد اتصالات ونقاشات معمقة، السير خلف الرئيس محمد ولد الغزواني وهو بالنسبة لهم المرجعية الوحيدة لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، وأنهم يرون بأن أي تصور آخر غير هذا، حائد عن الصواب”.
وأضافت الرابطة: “إن مرجعية الحزب الحاكم في موريتانيا ظلت تتمثل في شخص رئيس الجمهورية وتحت قيادته خلال جميع المراحل السياسية في البلد، ونحن نشد على عضد الرئيس محمد ولد الغزواني ونعتبره مرجعية قيادة الحزب، وندعو الجميع إلى عدم خلق البلبلة، وإلى حل جميع المشاكل السياسية المطروحة بروح الوطنية وبعيدا عن المصالح الشخصية”.

قصف المدونين
وبالتوازي مع هذه المواقف، شن عدد من كبار الساسة والمدونين المعارضين هجوما على ولد عبد العزيز، رافضين ما يعتقدون “أن الرئيس السابق يسعى له لإرباك الوضع تحضيرا لظرفية تتيح له العودة لكرسي الحكم، لكونه، حسب رأيهم، غير مطمئن لوضعه خارج السلطة، حيث إن ملفات كبيرة وخطيرة عليه قد تفتح في أي وقت في الداخل والخارج”.
وتحت عنوان “عزيز ضد موريتانيا”، كتب باباه سيدي عبد الله الإعلامي المعارض للرئيس السابق مؤكدا “أن كل المؤشرات توحي بأن عزيز قد يمضي إلى حتفه بنفسه، بعد أن فاتتْه الشهادة في “لمغيطي” (حامية عسكرية شمال موريتانيا)، ونجَّاه الله من سيارة مفخخة على مشارف نواكشوط، ومن رصاصة “الطويله” (رصاصات غامضة أصابت الرئيس السابق عام 2013)، ومن هبوط اضطراري لمروحيته في الشرق الموريتاني”.

 

نقاط محرجة
يضيف ولد سيدي عبد الله: “لقد استمرأ عزيز، الغدرَ ونكرانَ الجميل، فغدر بالرئيس معاوية وهو قائد حرسه، وأنكر جميل محمد ولد بوعماتو وهو سنده الأقوى، وجميل المرحوم اعلي ولد محمد فال وهو منقذه من الضياع، وغدر بالرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله وقد ائتمنه، وسلَّم السنوسي وقد استجار به، وها هو يدبر مكيدة للرئيس غزواني صديقه الوفي ورفيق دربه”.
وأضاف: “غادر عزيز موريتانيا بطريقة سيئة وعاد إليها بطريقة أسوأ: غادرها وتُهَمُ الفساد تلاحقه وتملأ حقائبه المشبوهة، وعاد إليها نافخا ريشَ ثراءه الفاحش في الجو وعلى الأرض: رحلة خاصة لثلاثة أفراد، وصور لتبذير أموال شعب عاث فيها تسعة رهط كما يعيث فيلٌ هائج في مخزن للخزف”.
وقال: “رسالة عزيز للشعب الموريتاني كانت واضحة عند عودته: أنا لستُ غزواني الذي يسافر على نفقته الخاصة لعيادة زوجه، ويحشُرُ نفسه بين أعضاء وفده في طائرة صغيرة وهو في مهمة رسمية، أنا أحتقركم جميعا: أتمدَّدُ واثنيْن من أهلي في أكبر طائراتكم دون أن أدفع خُمسا واحدا، فقد تعوَّدْتُ أن يدفع عني رجل أعمال أو جهة منحتُها ما لا أملك ولا هي تستحق”.

 

طحالب الرئيس السابق
وتابع السفير باباه هجومه قائلا: “من المنطقي ألا يروق لعزيز سعيُ غزواني إلى خلق مناخ سياسي هادئ، وإضفاء مسحة أخلاقية عليه، فالشعبوية الباقلية، وتعييرُ الخصوم السياسيين بالهَرَم وعيبُ الفاسدين بالدَّبَر طحالبُ عزيزية لا تنمو في جو سليم، وحين يتحدث الناس عن إلغاء مذكرات الاعتقال الجائرة ضد محمد ولد بوعماتو والمصطفى ولد الإمام الشافعي ومحمد ولد الدباغ، يُجَن جنون عزيز ويندفع إلى مزيد من التهور، ويتصور نفسه محاصراً في قفص الانتقام، لا يأسف عليه أهلٌ ولا يذكره بالخير جارٌ ذو قربى ولا جارٌ جنب”.
وزاد: “حين تُرفع دعوة هنا وهناك لمساءلته عن عشر سنوات من الحكم كان له فيها خَراجٌ من كل شيء، تقول له نفسه الأمارة بالسوء: لا تَخفْ فما غزواني إلا نسخة معدَّلة صوفيًا من الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، ولن تكلفك تنحيته أكثر من تحريك كتيبة المأمورية الثالثة”.

ملفات العشرية
وخلص السفير باباه للتأكيد بأنه “على عزيز أن يعلم أن كل ملفات العشرية المشؤومة قابلة للاشتعال عند أول احتكاك، فليته نأى بنفسه عن مواطن الضرام، وليته توقف عن إهانة الرئيس غزواني وأعانه في المقابل، على حمايته من نفسه أولا ومن مستقبل ليس ورديا بالضرورة، وليته فهم أن إتقانه للإنجليزية في شهر واحد أهونُ عليه من العبث بموريتانيا من جديد”.

 

صراع بين اتجاهين
يذكر أن موريتانيا تشهد حاليا صراعا محموما بين اتجاهين، أحدهما اتجاه مؤيد للرئيس السابق ويسعى (طبقا لما يقال إنه اتفاق بين الرئيسين السابق والحالي) لعودة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز للساحة بحيث يكون هو رئيس الحزب الحاكم وهو المتحكم تبعا لذلك في الأغلبية البرلمانية، بينما يبقى الرئيس الغزواني (تحته سياسيا) رئيسا الدولة ورئيسا للحكومة. أما الاتجاه الآخر فيضم خصوم الرئيس السابق وهم معارضته التقليدية وعموم أنصار الرئيس الغزواني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة الذين أيدوه خارج جماعة الرئيس المنصرف.
ويسعى هذا الاتجاه لمنع الرئيس السابق وجماعته من أي دور سياسي مركزي في الدولة، وأن تكون مقاليد السلطة كلها بيد الرئيس غزواني.
وبينما يتصارع هذان الاتجاهان، يقف الرئيس محمد الغزواني متفرجا على المعركة المحتدمة من حوله، دون أن يميل لأي من الطرفين حتى الآن مع أن من أنصاره من يتهمه بالتمالؤ مع سلفه وصديقه.
ويرى محللون خبراء في الشأن الموريتاني، أن الرئيس الغزواني يوجد في موقف حرج لا يحسد عليه: فإن هو عارض سلفه الرئيس السابق في طموحاته إرضاء لأنصاره وتوطيدا لحكمه، فإن ذلك قد يقود الرئيس السابق الماهر في صراعات الحكم لتنفيذ الخطة “ب” المهيئة، ربما، لإنهاء حكم الرئيس غزواني إن هو اعترض، وإذا هو اصطف إلى جانب الرئيس السابق فإن ذلك سيفقده مصداقية شعبية يواصل بناءها بصعوبة بالغة.
وأيا كانت التطورات، فإن الآمال التي عقدها الكثيرون على استقرار موريتانيا بعد مغادرة الرئيس ولد عبد العزيز للسلطة وتولي الجنرال المتصوف الهادئ مقاليد السلطة، توجد على شفا التبخر والتلاشي، ليس بسبب الصراع الحالي بين الرئيس المنصرف وخصومه فحسب، بل بسبب رياح الغاز التي بدأت تهب على المشهد السيسي المضطرب، حاملة معها أتربة وغبار الاصطراع على الثروة.

عبد الله مولود

نواكشوط- “القدس العربي”