ميثاق محاربة الرق في موريتانيا يؤكد أن الرق موجود ويدعو لمزيد من الجهود لمكافحته

أربعاء, 12/04/2019 - 12:19

دعا الميثاق الموريتاني من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين (وهم مجموعة الأرقاء السابقين) الحكومة الموريتانية بالقطيعة مع الأساليب الطلائية في معالجة ملف العبودية وآثارها وما تتركه من خطر ماثل على السلم الاجتماعي، وعلى مستقبل البلد.

جاء ذلك في بيان نشره ميثاق الدفاع عن “الحراطين” (منظمة موريتانية غير حكومية ناشطة في مجال محاربة الرق)، بمناسبة اليوم العالمي لإلغاء العبودية.

وأعرب الميثاق في بيانه عن أمله “في أن تساهم الترتيبات المعلن عنها أخيرا من طرف حكومة الرئيس الغزواني في تغيير الوضع المأساوي لضحايا الرق ودمجهم بشكل حقيقي وسريع”.

وجدد الميثاق مطالبته القوى الحية في المجتمع الموريتاني ببذل المزيد من الجهود من أجل استئصال العبودية في إطار وطني جامع.

وأضاف الميثاق أن “تقدم الوعي لدى الضمير العالمي هو الذي أدى إلى تحديد الثاني من شهر ديسمبر من كل عام يوما عالميا لإلغاء الرق الذي هو جرح نازف في جسم البشرية، وجريمة ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم، وفقا لما جسدته الاتفاقيات الدولية وما تبعها من إجراءات أخرى”.

ورغم أن موريتانيا من بين الدول التي صادقت على الاتفاقيات الدولية اللاغية للرق -يضيف الميثاق- واعتمدت قانونا خاصا يجرم ويعاقب الممارسات الاستعبادية وأنشأت محاكم متخصصة، إلا أن القضاء على ظاهرة الرق ما زال أمرا بعيد التحقيق، بحكم الممارسات الاستعبادية المتعددة وضحايا الرق الكثيرين في مختلف أنحاء الوطن، وفي ظل غياب شبه تام للتكفل بضحايا الرق، ومؤازرتهم وتوجيه الموارد اللازمة لذلك، وضمان وصولها لمستحقيها وإشراكهم في مختلف جوانب تسييرها، بعيدا عن السياسات الترويجية التي أثبتت التجارب السابقة عقمها وفشلها.

وتزامن اليوم العالمي مع مكافحة الرق مع إعلان الرئيس الموريتاني محمد الشيخ الغزواني عن إنشاء مندوبية عامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء تحت مسمى “تآزر” مكلفة بتنفيذ المشاريع المخصصة لمكافحة الفقر والإقصاء والتهميش.

حكومة الغزواني تؤسس جهازا مكلفا بمكافحة التهميش والإقصاء

وأكد بيان للرئاسة الموريتانية الثلاثاء أن “إنشاء المندوبية العامة يأتي تجسيدا لفكرة عزيزة على رئيس الجمهورية ألا وهي إقامة دولة تعتبر فيها العدالة والمساواة والإخاء والمواطنة مرتكزات وقيما تأسيسية لا مجرد مفاهيم نظرية”.

وأوضح البيان أن “المندوبية تهدف إلى تحقيق الحماية الاجتماعية واستئصال كافة أشكال التفاوت وتعزيز الانسجام الوطني وتنسيق كافة التدخلات في المناطق المستهدفة”، مبرزا أن “البرامج والمشاريع التي ستنفذها المندوبية خلال السنوات الخمس المقبلة، ستشكل مساهمة جوهرية في بلوغ الهدف الذي رسمه الرئيس الغزواني وهو أن يحس كل موريتاني وموريتانية بفخر الانتماء لهذا البلد وأن يستفيد من خبراته ويعيش مكرما آمنا في ربوعه”.

وأوضحت الرئاسة أن “الحكومة رصدت غلافا ماليا بمقدار 200 مليار أوقية قديمة (500 مليون يورو) خلال السنوات الخمس القادمة لتمويل المندوبية وتمكينها من تنفيذ برنامج طموح للترقية الاقتصادية والاجتماعية لصالح الفئات التي عانت من عدم المساواة والتهميش وذلك عبر تعزيز أدوات الإنتاج وتطوير القدرة الشرائية لدى الفقراء وتمكينهم من النفاذ إلى خدمات التعليم والصحة والماء الصالح للشرب والسكن اللائق والطاقة”.

يذكر أن “الحراطين” هم زنوج من حيث أصولهم، لكنهم تعربوا على مر التاريخ في ظل استرقاق متطاول مارسته المجموعات العربية والبربرية المحاربة في القرون الماضية.

وينتشر الحراطون، وهم كلهم مسلمون يتكلمون اللهجة الحسانية وهي عربية ملحونة، في موريتانيا التي يمثلون فيها نسبة هامة من السكان، وفي شمال السنغال الذين يبلغ تعدادهم فيها 20 في المئة ويعرفون في السنغال بمسمى “لبزوقه”، وفي مالي حيث يناهز تعدادهم المليونين.

وقد عانت هذه المجموعة ذات الوضع المشابه في كثير من جوانبه لوضع سكان منطقة دارفور السودانية، من التهميش والاستغلال على مر التاريخ حيث ظل أفرادها القوة الوحيدة التي تقع على كاهلها مشاق العمل والإنتاج وخدمة “الأسياد”.

وفي عام 1978، أسست مجموعة القيادات الأولى المتخرجة من الجامعات والمنتمية لهذه الفئة “حركة الحر” التي حددت لنفسها أهدافا بينها إيقاف ممارسة الرق ووقف تهميش واستغلال هذه المجموعة وإدماجها بحقوق كاملة في المجتمع.

وبعد سنوات من النضال اتسقت جهود مناضلي الحراطين مع الدفاعات الدولية عن حقوق الانسان، فشكل ذلك عامل مساعدة لهذه المجموعة ساهم في تغيير أوضاعها نحو الأحسن، حيث تخرج منها آلاف المتعلمين في شتى مجالات الحياة ودخل أبناؤها أروقة الدولة حكاما ووزراء ونوابا.

ولا أدل على ذلك اليوم من تولي أفراد من هذه المجموعة لرئاسة البرلمان ورئاسة المجلس الدستوري وإدارة هيئات حكومية هامة أخرى.

غير أن استمرار قسم كبير من مجموعة الحراطين في ممارسة الأنشطة التقليدية، وابتعاد مجموعات منهم عن التعلم، أضفى عليهم نوعا من الاسترقاق الاجتماعي مما جعلهم يعيشون أوضاعا صعبة وجعل منهم المكون الأساس لعمال الورش وخدمة المنازل والجزارين وممارسي الرعي وممتهني الزراعة ومهن الشقاء الأخرى.

وقد تعاملت الأنظمة الموريتانية المتعاقبة منذ 1960 وحتى اليوم مع مشكلة الحراطين تعاملا اقتصر على محو الرق بالنصوص القانونية وبالتعيينات في المناصب وبالسياسة والتهدئة، فبقيت آثار الظاهرة ماثلة، كما أن محدودية الوعي وحياة البداوة أبقت على جيوب استرقاقية وحالات استعباد في بعض المناطق داخل موريتانيا.

ومع أن مجموعات كبيرة من الحراطين تعترف بعروبة الحراطين وترى بأن مشكلة الحراطين مشكلة قابلة للحل عبر تحسين أوضاع المجموعة اقتصاديا واجتماعيا، فإن هناك عناصر تدعو للثورة وتحمل الجيل الحاضر البريء من ممارسة الرق، المسؤولية عما اقترفه الأولون من استرقاق.

ويشتم كثيرون في طروحات حركة مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية “إيرا” التي تأسست قبل سنوات برئاسة النائب بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، نوعا من التطرف ونوعا من تعميم الأحكام ومؤاخذة الجيل الحاضر بما اقترفه الأسلاف.

وتتهم هذه الحركة من تسميهم “حكام البيضان”، بالصمت عن استمرار ممارسات الاستعباد وعدم محاكمة ومعاقبة الاسترقاقيين.

“القدس العربي”