... لماذا يترحّم الكثيرون على روحيّ صدام والقذافي هذه الأيّام؟ وهل سيكون مهاتير محمد “رأس الحِربة”؟

اثنين, 12/23/2019 - 00:17

فرض الولايات المتحدة الأمريكيّة عُقوبات على مَشروعيّ خط أنابيب الغاز “نورد ستريم” و”ترك ستريم”، وتجميد الأموال والأُصول لكُل الشّركات الروسيّة والأوروبيّة والتركيّة المُشاركة في المَشروعين جاء بمَثابة القطرة التي أفاضت الكأس، الأمر الذي يتَطلّب تَحرُّكًا جَماعيًّا لوضع حَدٍّ لهذهِ الغطرسة الأمريكيّة.

دائرة العُقوبات الأمريكيّة للعديد من دول العالم اتّسعت، وباتت تشمَل دولًا عُظمى مِثل الصين وروسيا وكوريا الشماليّة وكندا، ومُعظم الدول الأوروبيّة، ناهيك عن إيران وحُلفائها، إنّها حالةٌ من السّعار غير مسبوقة باتَت تُهدّد أمن العالم واستِقراره، ومِن المُؤكّد أنّها ستَنعكِس دمارًا على الوِلايات المتحدة في نِهاية المطاف.

الرّد على هذه الغطرسة الأمريكيّة يجب أن يتأتّى من خلال إلغاء هيمنة الدّولار على الاقتِصاد العالمي، وإيجاد عُملات بديلة تفُك أسر هذا الاقتصاد وتُفرّغ العُقوبات الأمريكيّة من أقوى أسلِحتها من خِلال موقفٍ جماعيٍّ دوليّ.

الصين وروسيا اتّفقتا على استِخدام العُملات المحليّة لتسديد أثمان كُل المُعاملات التجاريّة بينهما، واعتَمدت الصين “اليوان الذهبي” الجديد كعُملة رئيسيّة لتسعير النّفط، وتعهّدت بالقضاء على هيمَنة الدولار في غُضون خمس سنوات، وتُفيد إحصاءات رسميّة أنّ حجم التّبادل بهذه العُملة الصّينيّة الجديدة أصبح أكثر مِن 20 تريليون يَنًّا حتّى الآن، وهو في تَصاعدٍ مُتسارعٍ.

الدكتور مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا، أعلن أمس السبت أنّ بلاده وإيران وتركيا وقطر يبحثون تنفيذ المُعاملات التجاريّة فيما بينها بالذّهب ونظام المُقايضة، وأكّد أنّه طرح أثناء اجتماع القمّة الإسلاميّة المُصغّرة في كوالالمبور العودة إلى استِخدام الدينار الذهبي وإيجاد آليّة لتطبيقه بين هذه الدول لتَجنُّب أيّ عُقوبات أمريكيّة في المُستقبل.

تِعداد المُسلمين في العالم يَزيد عن مِليار ونِصف المِليار مُسلم، وهؤلاء ودولهم يُمكن أن يُشكّلوا كُتلةً اقتصاديّةً داعمةً للتّوجّهات الصينيّة والروسيّة لإنهاء هيمنة الدولار، كأحد الحُلول النّاجعة لمُواجهة هذا التغوّل الأمريكيّ الذي يستهدف العرب والمُسلمين، ويُغذّي “الإسلاموفوبيا” في الغرب ويصُب الزّيت على نارِها.

رَحِم الله العقيد معمر القذافي الذي تنبّه باكِرًا لهذه المَسألة، وبدأ عَمليًّا في تأسيس “الدّينار الأفريقي”، المدعوم ذَهبًا، كعُملةٍ مُوحّدةٍ للقارّة الأفريقيّة في مُواجهة الدّولار واليورو، وكانت هذه الخُطوة السياديّة هي التي أدّت إلى “فبركة” الثّورة في بلاده للتّمهيد لتدخّل حلف “الناتو” والإطاحة بنِظامه وقتله بالطّريقة البَشِعَة، وتحويل ليبيا إلى دولةٍ فاشلةٍ، وربّما يُفيد التّذكير أيضًا بأنّ الرئيس العِراقيّ الرّاحل صدام حسين كان من أوائل زُعماء العالم الذي بَدأ في الثّمانينات بتسعير نِفط بلاده بالعُملات الأُوروبيّة وليس بالدّولار، ومن هُنا تعاظَمت المُؤامرات الأمريكيّة والأوروبيّة بَل والعربيّة للإطاحةِ به وحُكمِه.

ترامب لن يستطيع مُحاربة العالم بأسرِه، وتدمير اقتصاده بالتوسّع في فرض العُقوبات، والرّد يجب أن يكون بالبَحث عن بدائلٍ عن الدّولار، وتقويض هيمنته، والنّظام الماليّ العالميّ الذي يتحكّم فيه، ونعتقد أنّ المسيرة بدأت وتزداد زخَمًا وسُرعةً.

“رأي اليوم”