الأنظمة ترحل.. والأوطان تصان

خميس, 01/29/2015 - 13:29

نظام الحكم السياسي القائم اليوم في موريتانيا وبصرف النظر عن الجدل الجديد القديم، والأخذ والرد الدائرين عن الشرعية وحول التشاور والحوار، بين الخندقين.. موافقيه المواتين والمخالفين المباينين، والنظام وكأي نظام حكم لا يخلو من العيوب والمآخذ، وإن وفي كل الأحوال لا مندوحة من تحري الإنصاف فيما للسلطة وما عليها، ففيما ما بين مبالغة هؤلاء وإطناب أولئك، توجد منزلة بين المنزلتين. ولا ريب أن السلطة الممسكة بدفة الحكم في بلادنا أخفقت حتى الآن في أكثر من مجال وإن وبفضلها أنجزت بعض الأمور. وكان من أعظم عناوين اخفاقاتها شعار ما فتئت ترفعه وبالبند العريض، حول صون المال العام وحماية الثروة الوطنيين، وهو ما لم يحدث في الواقع، إزاء تفاقم وتغول النفوذ، وهيمنة المقربين الثلة.. والصفقة على حساب البلد وتبعا لذلك مع بعض من أرباب المصالح والثروة، للاستحواذ وعلنا على أغلب المصادر والموارد المنقولة والثابتة، إلى أن وصل الأمر وعبر البحار لمباني سفارات الدولة في الخارج.. جنبا إلى جنب سطوة مراكز القوى المتصدرة للهرم الحاكم.. وكل ذلك دون أن نغفل الأخطبوط العائلي المتعدد الأرجل والأذرع، وهلم جرا.. فباضت الفضائح المدوية وفرخت بل جنحت، مما أعاد عقارب الساعة إلى الخلف وجعل المتابعين الأكثر تفاؤلا وجلا، يعودون القهقرى بنظام ولد عبد العزيز إلى عقود أسوأ أسلافه.

وينضاف إلى ما تقدم على الأقل، من وجهة نظري المتواضعة، السيناريو سيء التأليف والحبك الذي شاب ورافق مأمورية الرئيس الأخيرة، في فصل خطير من فصول الماكيافيلية السياسية سيئة الذكر والأثر، وحسب مبدأ "الغاية تبرر الواسطة"، ففضلا عن عزوف الأحزاب السياسية الأهم ونأيها عن المشاركة فقد قدم المرشح محمد ولد عبد العزيز نفسه لأفراد شعبه للأسف الشديد، في الصورة والبوتقة ذاتها، إلى جانب ناشطين من أكثر الوجوه السياسية المحلية شططا وتطرفا وإيغالا في مطبات الشرائحية، ومتاهات الفئوية الضيقتين، واستغلالا وولاءا للعرقية، وعزفا على أوتارها وخطابها البغيض، وفيمن كانوا لا يرون غضاضة أو حرجا في الاستقواء بجهات الخارج، تلك التي لا تراعي لهذه الديار إلا ولا ذمة، ولعل من المفارقات أن بعض من كانوا على لائحة منافسيه في رئاسيات الأمس، صاروا بعض نزلاء سجونه اليوم!

ورغم هذا وذاك لا يسعنا ولا يمكننا التقليل من أهمية ما تحقق في عهد الرئيس ولد عبد العزيز وحكمه، وفي عديد المجالات التنموية.. من تعليم وبنى تحتية وحريات وأمن وخلافه، ومن إصلاح للحالة المدنية، ففي مجال التعليم نذكر له مدارس المهندسين مثل "بولي تكنيك" و مدرسة المعادن في نواكشوط، ثم معهد الزراعة في روصو، إلى جانب مدارس الامتياز وبمستوياتها المختلفة.. ناهيك عن مئات الكلمترات من الطرق المعبدة في العاصمة وربطا بين الولايات ومناطق الداخل فكا للعزلة، أما عن الحريات ومساحة الرأي في ظل هذا النظام فحدث ولا حرج، إذ صار الأمر إلى درجة ما يمكن أن ندعوه "فوضى الرأي" إن صح التعبير، حيث هناك تجاوز خطير في لغة الخطاب السياسي المسوق جماهيريا وعبر قنوات الإعلام.. من دون رقيب أو حسيب ولأصوات مابرحت تروج الكراهية المقيتة وخطابها، وأيا كان مشربها، مما يعني في المحصلة الإساءة البليغة للوطن وللوحدة بين مكونات الشعب الواحد المسالم والمسلم، وتلك في رأيي محرمات لا تمت للحرية بصلة، ووقفها عند حدها ومحاربتها واجب وفرض عين، شرعا وقانونا وعرفا ومصلحة أيضا.

 ورغم ما تطالعنا به من حين لآخر أعمدة الصحف ومواقع الأخبار من ازدياد لأنشطة عصابات الجريمة المنظمة، مما يجعل البعض وعن حسن نية يطرح الأسئلة عن الأجهزة الأمنية وعن أدائها.. والأمن واستتبابه مربط الفرس، وسوية للسائس وللمسوس، فإن الانطباع السائد لدى ذوي الشأن وإلى حد كبير أن السلطات الحالية حسنت من جاهزية قطاعات الجيش والأمن كما وكيفا وظروفا، ووفرت من الوسائل والامكانات ما لم يكن متاحا من ذي قبل.

وكل ذلك لا ينبغي الاستهانة به وإن كنا نظلم المناوئين للحكم وأيا كانت مزاياه إذا نحن ألزمناهم بإذاعة محاسن، إن وجدت لسلطة يتربصون بها الدوائر. وعلما أن ذلك لا يمنعنا وهنا لا نقدم دروسا في الوطنية لأحد ولا نعتذر من ذلك، وإنما نبدي رأيا مجردا ونسدي نصحا، بل نرفع ضوءا برتقاليا ولمن يعنيهم الأمر، في أن يظل بنصب أعين المتعاطين بالشأن العام، ومعا، من سلطة وأحزاب سياسية مسؤولة وأصحاب رأي، خطورة عالمنا هذا، وبصرف النظر عن اضطراب الإقليم، عالم تتردى فيه الدول، وأوضاعها، ثم تتهاوى وبسرعة البرق، لتذهب أدراج الرياح ثم تتلاشى أثرا بعد عين، ومن يبتغون الغوائل لموريتانيا لن نعوزهم في الطريق، البيت الجامع الذي نحن جميعا بحاجة إليه، فالأنظمة ترحل والأوطان تصان.

ولا يتأتى تصنيف وجهة النظر هذه عن هذه السلطة ولا عن عهدها في قالب الإطراء ولا الإشادة والمدح، أحرى عن التحامل والذم والقدح، فالموضوع لا يحتمل كلا القراءتين، ولا سبب وجيه يدعو صاحبه إلى أي من الخيارين، فلم يكن الكاتب إن جاريتني في الوصف، فيمن "حرموا" بقرة سلفه الحلوب، ولأسباب، لعل أهمها إعلانه الحرب على التطبيع مع العدو الصهيوني، وهو موقف شخصي ومبدئي مذاع ومعروف.. وإن كنت ضمن من باكروا مرحبين بقطع العلاقات مع "اسرائيل" من طرف النظام الجديد وبصرف النظر عن الشرعية المدفوعة في ذلك الوقت وعن البواعث، فلست على الإطلاق من "محظوظيه الجدد" إذ أني وأنا الموظف في المعاش وهو ما ينبغي في هذا السياق الإشارة إليه ولو باختصار للدلالة لا غير، سبق وأن كتبت ولفترتين متتاليتين وباللغتين المعتمدتين بواسطة بريد رئاسة الجمهورية 2011 ثم 2012 علي أحظى بلقاء الرئيس وعلي وعساي أفلح في فك إسار ملف "اكرمنت" يخصني ظل سجين الدروج لدى أحد معاونيه، وهو الحق المكتسب، نظرا لما تخوله لمقدمه الخلفية المهنية، وهو ما منعنيه مدير الجمارك الحالي، وأحد ضباط الجيش السامبن، إلى حد الساعة، أي منذ سنين اربع أو خمس، مما يساوي في مجموعه مأمورية الرئيس الأولى تقريبا، ملف موضوعه "اترانزيت" أو وسطاء الجمارك، والعجب العجاب، أن الكثرة المسموح لهم بمزاولة الحرفة، وفي الأعم والأغلب غرباء على المهنة، وإن كانوا ليسو بالغرباء على جهات النفوذ.. بل ومن بين هؤلاء موظفون حكوميون هجروا كليا مواقع تعيينهم، وقد تكون إليهم في مسيس الحاجة، بيد أنهم واظبوا في نفس الوقت على المزاحمة لدى أروقة الجمارك بكرة وعشيا، وعلى استلام رواتبهم كاملة كل نهاية شهر، وربما بالإضافة إلى الزيادات الجديدة التي منعها ولأسباب غير مبررة حتما المتقاعدون، ممن خدموا طويلا بلدهم وربما بتفان، سوء في التدبير والتقدير.

وعسى أن لا يواخذنا القارئ الكريم، ولعله سيجد لنا العذر، وقد تمادينا تماديا في حديثنا.. والحديث ذي شجون، حديث نغادره وقد لاحظنا طي موضوعنا وعن كثب أن البريد الموكل لدواوين حجاب القصر، لم يكن في حظه بأحسن مآلا من الملف السجين، وفي ذلك إن كنا في حاجة من الدلالة ما فيه، أن صاحبنا لا يصدر فيما يبديه من راي حول هذا الشأن أوذاك، أوعن هذا الجانب أو سواه، لهوى أو عداء مستحكم، كما لا يصدر في ذات الوقت عن ولاء غير مشروط، وإنما يحاول دوما توخي الموضوعية مبلغ الجهد وقدر المستطاع.