موريتانيا.. فيروس كورونا يرفع سعر الخراف ويفرض عيدا بطقوس أخرى

خميس, 07/30/2020 - 14:19

حتى العيد الكبير وطقوسه المتوارثة منذ القدم، ضربها الفيروس اللعين: فلا معايدات هذا العام ولا تجمعات استجمامية، وأسعار الخرفان لم تعد كما كانت فقد أغلاها الفيروس، ولولا أنها من الفرائض لما ضحى أي موريتاني في هذه السنة الشهباء.

أما أرباب الأسر فقد رددوا مع المتنبي قوله “عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ»؛ رددوا معه ذلك على أنغام “الكوفيد” الحزينة وهم يواجهون تكاليف عيد متزامنة مع جائحة غير مسبوقة ما تزال تلقي بأثقالها على الأجواء.
وهناك فقراء أصابهم الرعب رددوا مع أحمد بن الحسين قوله «فَلَيتَ دونَكَ (أيها العيد) بِيداً دونَهَا بِيدُ».
رغم وباء “كورونا”، فلا محيد في المجتمع الموريتاني الذي تعيش أسرة خارج مداخيلها، عن شراء أفخم الثياب وأسمن الخراف بمناسبة العيد الكبير، ولا مناص من مواجهة الأسعار الباهظة في أسواق ينعكس عليها تضخم مزمن، رفع أسعار الخدمات وأثمان مواد الاستهلاك، وخفض قيمة العملة المحلية، وأحدث اضطراباً في الأسواق بين بائعين ومشترين ذوي قدرة شرائية ضعيفة.
أما الموظفون الموريتانيون وهم غالبية أصحاب الدخول المنتظمة، فحدث ولا حرج عن معاناتهم، كما أكد ذلك محمد سالم ولد سيدي وهو معلم مدرسة ابتدائية في تصريح أدلى به لـ “القدس العربي”، وهو يقف منذ ساعات في طابور أمام أحد البنوك المحلية مستدرا راتبه الزهيد.
يقول محمد سالم “في موريتانيا الحد الأدنى للراتب لا يتجاوز 40 ألف أوقية (حوالى 120 دولاراً)، ومعلم المدرسة الابتدائية راتبه لا يكفي لإعاشة عياله مدة عشرة أيام، فما ذا هو فاعل وقد انضافت لذلك الملابس والأضاحي؟”.
لا تقتصر ضغوط العيد على جانب الأضحيات، بل إنها تشمل جانباً آخر هو توفير الملابس الجديدة الراقية لجميع أفراد الأسرة، وهو ما يشكل عبئاً آخر على أرباب الأسر في مجتمع تترسخ فيه عادات التنافس والتفاخر في هذه المناسبات. وهكذا يكون على رب الأسرة أن يعمل لإرضاء أم العيال ولإرضاء الأبناء ولتوفير كبش الأضحية ولو تطلب الأمر أن يبيع نفسه.
وعلى مستوى أسواق المواشي في العاصمة نواكشوط، رفع وباء كورونا أسعار الخرفان، حسب تأكيدات سعدنا ولد صمبه لـ«القدس العربي»، وذلك «لعدة أسباب أبرزها صعوبة إجراءات التنقل المفروضة بسبب كورونا، وبالنظر لتكاليف نقل الخراف من مناطق تربيتها في أقصى الشرق الموريتاني وبسبب طول فترة موسم المصيف، فالمواشي، حسب قوله، ما تزال هزيلة والجاهز المعروض منها للبيع أعداد قليلة مقارنة مع الطلب».
ويرجع تجار الأغنام في العاصمة نواكشوط ارتفاع أثمان الخراف لعوامل كثيرة أخرى أهمها “أن تجار المواشي يفضلون عرض أغنامهم في أسواق السنغال المجاورة حيث يبيعونها بأثمان غالية وبعملة الفرنك الإفريقي القوية مقابل العملة الموريتانية”.
ويفضل السنغاليون خراف موريتانيا لكونها أضخم من خراف السنغال الصغيرة وهم يبذلون الغالي والنفيس للحصول عليها، فقد طلبت السنغال من موريتانيا تزويدها بأكثر من 300 ألف خروف لتأمين طلبات مواطنيها الذين يعتبرون الأضحية واجباً مقدساً مع أنها مجرد سنة مؤكدة، ومع أنها كذلك مربوطة بقدرة صاحبها على تحمل ثمنها.
وينص المذهب المالكي وهو المذهب الفقهي السائد في المغرب العربي وغرب إفريقيا، ذبح الأضحية من جميع أصناف المواشي المباحة؛ والمجزئ حسب الفقهاء هو من الإبل، ما أكمل خمس سنوات، ودخل في السّادسة ومن البقر والماعز، ما أكمل سنتين ودخل في الثّالثة، ومن الضأن ما استكمل سنة.
وتتفاوت أسعار الخراف المجزية في الأضحية بين 40.000 أوقية (120 دولاراً) و70.000 أوقية (210 دولارات)، أما الخراف التي تولى المأمون تربيتها بالتعليف المنزلي والتي تستكمل الشروط الفقهية فسعرها لا يقل عن 100.000 أوقية (280 دولاراً).
وإذا كان الموريتانيون يشترون أضاحيهم قبل العيد بيوم أو يومين فإن من السنغاليين من يشترون خروفاً صغيراً ويتولون على مدار السنة تربيته بعناية والسهر على تسمينه وربطه داخل المنزل إلى يوم العيد.
ويسود الاعتقاد بأن الكبش المربوط بالمنزل يحفظ أفراد الأسرة من العين لأن سموم عيون الزائرين سيمتصها الخروف عند دخول أي منهم إلى المنزل.
ويتولى صاحب الأضحية العناية وتربية أضحيته، ومنهم من يخصص لها كل أسبوع حماماً بالصابون، أما يوم العيد فإن الأضحية تعطر لكونها مقدمة لفداء نبي الله إسماعيل.
وبعد صلاة العيد، يذبح المضحون خرافهم اليوم لتنبعث أدخنة الشواء من المنازل، فالكل يسلخ لنفسه ويشوي لنفسه فليس هناك في يوم العيد عمال لتولي هذه المهام إذ أن الجميع في أجواء العيد يبتعدون عن مواقع العمل.
ومن أغرب العادات الأفريقية في عيد الأضحى، أن بعض المضحين لا يأكلون يوم العيد سوى المصارين والكروش، أما بقية اللحم فيمنع أكله قبل اليوم التالي للعيد، ولهؤلاء في هذه العادة تجارب كثيرة منها أن الاقتصار على أكل “الأحشاء” يوم العيد يورث طول العمر وصحة البدن.
ويصوم المضحون في موريتانيا صباح يوم العيد حتى تذبح الأضاحي فيفطرون وقت الضحى على قطعة من الكبد.
ويؤكد الفقهاء «أن صوم هذه الفترة القليلة من صبيحة يوم العيد يعادل صيام ستة آلاف سنة».
هكذا ستكون أجواء عيد الأضحى في موريتانيا والسنغال، اليوم وهكذا يختلط الدين في هذه المناسبة، بالطقوس والتجارب العجيبة والعادات الغريبة، وهكذا يفرض فيروس كورونا على الجميع إرادته وقانونه وناموسه.

عبد الله مولود

نواكشوط – “القدس العربي”