هل يتجه القرن الافريقي الى حروب اثنية وعرقية؟

اثنين, 11/09/2020 - 10:29

ربّما لا يعرف أحد القرن الإفريقي وخرائطه السياسيّة والعِرقيّة والإثنيّة، أكثر من المُخابرات المِصريّة بشقّيها العسكري والأمني، ولهذا كان إصرارها على التّركيز على المُفاوضات لأطولِ وقتٍ مُمكنٍ في التّعاطي مع أزمة سدّ النهضة، والابتعاد بقدر الإمكان على الخِيار العسكريّ باعتباره الخِيار الأخير، ليس من قبيل الصّدفة، أو الضّعف، وإنّما نتيجةَ الدّراية الكاملة بتزايد احتِمالات تفجير إثيوبيا من الدّاخل بسبب تفاقم الخِلافات الداخليّة العِرقيّة ووجود مُؤشّرات اندِلاعٍ وشيكٍ لشرارة الحرب الأهليّة.

عمليّة تفجير إثيوبيا من الدّاخل انطلقت شرارتها الأولى في إقليم تيغراي الشّمالي المُحاذي لإريتريا، وهذا الإقليم يُمكن أن يُطلق عليه “إسبطرة” القرن الإفريقي، وليس إثيوبيا فقط، رُغم أنّ تِعداد سُكّانه حواليّ 7 ملايين من مجموع مئة مليون تِعداد إثيوبيا.

النّظام السياسي في إثيوبيا فيدرالي يتكوّن من عشرة أقاليم تتمتّع بإدارات ذاتيّة مُستقلّة، بطريقةٍ أو أخرى تمثيلًا إثنيًّا، وأكبر هذه الإثنيات هي إثنيّة “أوروميا” التي ينتمي إليها رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد، ويُقدّر عدد سُكّانها بحواليّ 50 مليون نسمة، أيّ نِصف الشعب الإثيوبي، تليها عِرقيّة الأمهرة، ثمّ تأتي باقِي العِرقيّات ومن ضِمنها التيغراي.

أبناء إقليم تيغراي الذين تقودهم جبهة التحرير التي تحوّلت إلى حزب أخيرًا، أعلنوا التمرّد على السّلطة المركزيّة التي يقودها آبي أحمد وأجروا انتخابات في أيلول (سبتمبر) الماضي نتج عنها برلمانًا وسلطةً محليّةً، احتجاجًا على تأجيل الانتِخابات الفيدراليّة التي كان من المُفترض أن تجري في آب (اغسطس) الماضي، بقَرارٍ من آبي أحمد وحُكومته إلى أجلٍ غير مُسمّى تحت ذريعة انتِشار وباء الكورونا.

البرلمان المركزي ألغى الانتِخابات ونتائجها في إقليم التيغراي، وأقال المجلس المحلي والحُكومة، وأرسل آبي أحمد جِنرالًا لتسلم السّلطة في الإقليم الشّهر الماضي، ولكنّه مُنِع من دُخول العاصمة ميكللي، فبادر الأخير أيّ، آبي احمد، بإعلان حالة الطّوارئ بعد هُجومٍ دامٍ استهدف مُعسكرًا للجيش الفيدرالي، وأدّى إلى وقوع ضحايا لم يتم الكشف عن عددهم.

إقليم تيغراي الذي حكم أبناؤه إثيوبيا لثلاثِ عُقودٍ مُتواصلةٍ حتّى مجيء آبي أحمد عام 2018 (من الأمورو) يملك جيشًا محليًّا مِقداره 250 ألف جنديًّا، وأبناؤه يُمثّلون نِصف تِعداد الجيش الفيدرالي، وبدأت عمليّات التّعبئة والتّسليح والاستِعداد للحرب الشاملة تمهيدًا لإعلان استِقلال الإقليم وانفِصاله، ومن المُفارقة أنّ إقليم “أوروميا”، بلد رئيس الوزراء الحالي، يعيش تمرّدًا مُماثِلًا في الوقتِ الرّاهن ضدّ الحُكومة المركزيّة.

الأزَمات تُحيط بحُكومة آبي أحمد من كُلّ الجِهات، والحُروب الأهليّة العِرقيّة بدأت في الانفِجار والانتِشار أيضًا، ومن غير المُستبعد أن تتحوّل إلى حُروبٍ طائفيّة بين المُسلمين الذين يُشَكِّلون نسبةً كبيرةً من السكّان المسيحيين الذي يُجَسِّدون الأغلبيّة، حسب بعضِ الإحصاءات.

هل هُناك دورٌ للمُخابرات المِصريّة في تفجير هذه الحُروب الأهليّة في إثيوبيا وربّما في القرن الإفريقي، وإريتريا على وجه الخُصوص، التي يُقيم رئيسها أسياس أفورقي علاقات قويّة مع إسرائيل، ومع آبي أحمد وحُكومته في الوقتِ نفسه، بعد اتّفاقِ سلامٍ عام 2018 الذي حصل بمُقتضاه السيّد أحمد على جائزة نوبل للسّلام؟

يَصعُب علينا تقديم إجابة واضحة عن هذا السّؤال، لسببين: الأوّل أنّ عمل هذه المُخابرات سرّي وتحت الأرض، والثّاني عدم وجود مُعطيات مُوثّقة تُرجّح هذا الاحتِمال، ولكن هذا لا ينفي أن هذه المُخابرات مُتغَلغِلَة في إثيوبيا والصومال وإريتريا، وتُقيم عُلاقات تاريخيّة قويّة مع الإثنيات العِرقيّة في المِنطقة، وخاصّةً إقليم أوغادين الصّومالي الذي تُطالب حركة التّحرير التي تحمل اسمه بالانفِصال.

لا نعتقد أنّ خِيار التدخّل العسكري المِصري في التّعاطي مع سدّ النهضة وأخطاره وأبرزها تجويع خمس ملايين مُزارع مِصري سيظل مُستَبعدًا، خاصّةً بعد انهِيار الجولة الأخيرة، وربّما النهائيّة من المُفاوضات الثلاثيّة (مِصر، السودان، إثيوبيا) تحت رعاية الاتّحاد الإفريقي، وفشلها في الوصول إلى اتّفاقٍ حول كيفيّة مَلء خزّان السّد بالمِياه.

عندما حذّر الرئيس دونالد ترامب إثيوبيا من وجود خطّة مِصريّة عسكريّة لتَدمير السّد إذا ما استمرّت في سِياسات المُماطلة وتجنّب الحل السّلمي الأسبوع الماضي، لم يَكُن ينطق عن هوى، ولم تَكُن تصريحاته هذه زلّة لسان، وربّما تكون مُماطلة آبي أحمد هذه نتيجة ضعف، وتوصّله إلى قناعةٍ بأنّ ورقة سدّ النهضة هي الوحيدة التي قد تُبقيه في السّلطة إلى أطولِ فترةٍ مُمكنةٍ.

القرن الإفريقي يَقِف على فوّهة بركان في الوقتِ الرّاهن، وإثيوبيا تعيش الآن إرهاصات الحرب الداخليّة مُجدّدًا، والتّفجير من الدّاخل بالتّالي، ولا نعتقد أنّ حليفها الإسرائيلي يستطيع أن يمنع الحُروب الأهليّة الزّاحفة على مُعظم أرجائها، وربّما حان الوقت للجيش المِصري أن يَمُد رجله ولو مُؤقّتًا.. واللُه أعلم.

“رأي اليوم”