باحثة اجتماعية تتحدث بصراحة عن عوائق الزواج في موريتانيا

اثنين, 01/11/2021 - 14:43

إن غاية مطمحي من هذه السطور أن تدفعك للإيمان بقضية عظيمة فاض الكيل فيها، ولا يعني أبدًا إمساكي للقلم أنني الافضل  إنما هو التواصي بالحق و الصبر على الخير.

إننا شركاء في دفع عجلة الإصلاح ليكون مجتمعنا أفضل وأقوى مما هو عليه، ولا أحسب هذا سيحصل إلا إذا تبنى كل منا هدفا ساميا ينطلق منه لإصلاح الفرد والأسرة، فمنهما يتشكل المجتمع لأن الحياة ليست إلا مجموعة من المواقف والسلوكيات، فمما هو معلوم وواضح إن كُلاً منا أسير لتصوراته وأفكاره التي هي نتاج تأثير التربية والمحيط، لكنّ أفكارنا قد تكون مجانبةً للصواب فالخطأ البشري سجن لا مفر منه إلا بالرجوع إلى منهج الفطرة السليم منهج السنن الكونية الدقيقة التي لا تحيد ولا تميل ولا تتأثر بتغير الزمان والمكان قال تعالى «فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً «

وقد تكلمت في المقالين السابقين عن بعض عقبات الزواج الموريتاني بشكل مجمل، وها انا اليوم في صدد الغوص في عمق الفكرة لتفكيكها وتفصيل جزيئاتها حتى اكون أكثر واقعية وأضع النقاط على الحروف.

إن الزواج الموريتاني كما هو معروف عبارة عن سلسلة من الإستعدادات والمراسم الإحتفالية تتوزع على عدة أيام قبل عقد القران وبعده وهي كما يلي في امثل الاحيان:

1-    مراسم تحضيرية قبل العقد وتشمل : 
•    الخطبة: وهي التماس يد الزوجة من اهلها ويكون ذلك من طرف اهل الزوج وتصاحب ذلك اجواء احتفالية تطبعها الشكلية ...ثم
•    -السلام: وهو مبلغ يتم تقديمه لاهل الزوجة قبيل يوم عقد القران...

2-    مراسم اساسية : 
•    العقد:وفيه ايضا تبرز المظاهر الاستعراضية المصاحبة للحدث كنوعية الاستقبال وتقديم المهر وتشييع الزوجين...ثم
•    -الجبيه : وهي المراسم المتعلقة بالحناء...

3-    مراسم متممة ولاحقة مثل :     
•    صبيحة ليلة العرس ومايعرف ب(افجار،الگص،ارحيل...الخ)

ان هذه المظاهر والمواقف كانت سببا في تساؤلنا: ماهو الهدف منها؟، باعتبار كل سلوك انساني جماعي انما يهدف لشيئ ما...وبعد البحث عن الاجابة وجدنا ان هذه المراسم هي اساسا استعراض عائلي، يراد منه تحريك المشاعر المتعلقة بالقرابة والروابط الأسرية لخلق ترابط قوي على مستوى المصاهرة الجديدة، يتماشى مع متطلبات العائلة ومصالحها الوجودية البحتة، كما تعتبر هذه الظرفية فضاءا خاصا للتنفيس النسوي، فهي مجال مهم لمظاهر التبذير والاسراف واستعراض القدرات المادية، فالمرأة لا تجد ذاتها الحقيقية الا في هذه المظاهر الاحتفالية العائلية وبالتالي تعتبر هذه المراسم جزءا من هويتها وسلطتها...فالزواج هنا في الحقيقة ما هو الا وسيلة تستخدمها الاُسر لإعادة انتاج شروطها ومكانتها التاريخية التقليدية، ان كل تلك المراسم ماهي الا امتداد لصراعات العائلة ومحاولة لتثبيت وجودها، وفرض نفسها على طبقات اخرى يراد لها ان تفهم الرسالة جيدا..انه فرصة العائلة لاثبات مكانة اجتماعية معينة او طلب انتماء لجماعة اخرى من خلال مشاركتهم نفس الطقوس.

ان اهم ما يميز هذه المراسم هي المصاريف المالية التي ربما تفوق قدرة العائلة نفسها، فتحتاج الى الاستدانة فقيمة الزواج تستمد فقط من المبلغ المصروف اي هي قيمة مادية بحتة لا صلة لها بالأخلاق او القيم الدينية والانسانية، ومن هنا انتقل الزواج من علاقة ثنائية الى شبكة من المصالح تهيمن على الارادة الزوجية وتجعلها رهن سلسلة من الشروط التعجيزية لا تعود على الزوجين بشيء ملموس، فتبخرت قيم انسانية سامية مثل(الحب،المودة،القناعة) بل و اصبحت ضربا من سفسطة المراهقين وهرطقة السينما، وفي المقابل تعززت قيم الانانية والذاتية واحتقار الانسان وتمجيد وعبادة المال عبادة مطلقة...ومن هنا نقترح ان تسبتدل تلك العراقيل بمراسم رمزية، تجسد روح الزوجية ولا تثقل كاهل الارادة الفطرية السليمة..فكم هو جميل ان ندخر جهودنا كاستثمار بعيد المدى يعزز الاستقرار الاسري ويساعد  الجسم الناشئ على الاستقلال وتحقيق الامان المعيشي...وهذا ما سيشجع فئة عمرية كبيرة من المجتمع على الانخراط الايجابي في الحياة وتحمل المسؤولية مبكرا تجاه الفرد والاسرة والمجتمع والدولة. 

وما اود التاكيد عليه في الختام هو احتفائي بآراء المخالفين والمعارضين، فما اراه بسيطا قد يراه غيري مهما ونبيلا، وما أؤمن بضرورة تغييره قد لا يكون له نفس الموقع في قلوب الاخرين، وتلك سنة الله التي اقتضت ان تختلف رؤانا حتى تتعدد همومنا وقضايانا ، ولكن ما اريده هو ان تتحد جهودنا للنهوض بالزواج من المستنقع الذي وقع فيه لتتكامل الانسانية تكاملا قائما على حاجة كل منا للآخر.

ورغم ان كل واحد منا سلك سبيله واختار دربه الخاص  الا ان بوتقة الاصلاح لا زالت تجمعنا وتدفعنا الى مزيد من الايجابية والتفاؤل.

ولا شك ان السبيل الذي سلكناه هو سبيل شائك وبالتالي ستواجهني وتواجهك عقبات للنيل من الفكرة، وهذه هي سنة الحياة.

كما لا ينبغي ان نتهاون بالموضوع وننظر اليه نظرة سطحية فكم من فكرة خاطئة كانت مستهجنة ابتداءا ولكنها ما ان عبثت بها ايادي المفسدين حتى صارت مزخرفة ومغرية، ورغم فساد مضمونها الا ان الجموع الغافلة اعتنقتها بسبب جمال الطرح وتهيئ الاجواء.
وكما قال:  النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة:«  لَا تَكُن إِمَّعَةً ، تقول : إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنتُ وان اساؤا اسأت «   

كما لا ينبغي ان تقوضنا حبال الانانية وحب الذات، ولا ان يعيقنا صدود المجتمع ونفوره  عن المضي قدما  في مشروعنا الاصلاحي، فالإرادة الفردية الصادقة قد تهزم إرادة المجتمع الخائرة كما قال الفيلسوف الإنكليزي(جون ستيوارت ميل) :
» فرد واحد مؤمن بشيء ما يساوي في قوته 99 فرداً من المهتمين به فقط  « 
و السؤال الآن الذي يطرح نفسه أكثر من أي وقت هو كيف ندفع بأبنائنا إلى خوض تجربة بعيدة عن التعقيدات مع مراعات خصوصيات الحياة في الوقت الراهن التي لاتكف عن التغيير ؟

 

 

الأستاذة و الناشطة الإجتماعية خدجة منت سيدي محمد