"الْمُعارضَه ماهِ خَالگه"/محمد الأمين سيدي مولود - نائب برلماني

ثلاثاء, 02/02/2021 - 00:42

هذه عبارة يرددها كثيرون، بوعي وصدق، وبسطحية وسذاجة، وبسلبية وتحامل أيضا، يرددها من يبحث عن التغيير والبديل، ومن يسعى للتدمير والتشويه، ومن تمَلّكَه اليأس والإحباط والعجز، كما يرددها وبكثرة كثير من مؤيدي الأنظمة، مبرري أخطائها، مادحي مفسديها، مهاجمي معارضيها، ولعلّ هذا من أغرب أنواع الإشفاق أو الطرح، حيث يسعى موال عتيد في الولاء لتقوية المعارضة !!

 

"الْمُعارضَه ماهِ خَالگه"، طيب، لكن لماذا؟ من يتحمل المسؤولية؟ رموزُ المعارضة وأحزابها وشخصياتها وتياراتها، ومن ضحوا فيها منذ وجود الدولة الموريتانية إلى الآن، ومن تبعهم بإحسان، أم أنظمة حاربتهم بالسجن والحصار والتشويه؟ أم شعب أغلبيته الساحقة جدا توالي كل نظام، بل أغلبية نخبته وشبابه وموظفيه تنصهر في بوتقة الأنظمة السياسية والاجتماعية السلبية والفاسدة؟

 

هل نسيتم سباقات أغلب النخبة الحاكمة اليوم وأمس وأغلب من يواليها في كرنفالات الحزب الجمهوري وفساده وترَفِه؟ ألم يكن أغلب الشعب يجاريها ويواليها؟ هل نسيتم الانتساب المليوني لحزب الحاكم  UPR؟ ألم يكن آلاف الشباب المتعلم والعاطل عن العمل يتزاحم هناك ليشارك في أكبر عملية تزييف للواقع السياسي وتمييع للوعي وخداع للوطن والشعب؟ ألم تشارك أغلبية ساحقة من الموظفين ذوي الرواتب الهزيلة في تلك المهزلة؟ هل كان ذلك بسبب المعارضة وقادتها وأحزابها وتياراتها وكتّابها وشبابها وفتياتها الخ؟!

 

هل يوجد أو وجد في المعارضة أي رجل أعمال منتسب لأي حزب من أحزابها علنا، منتظم فيه رسميا يدفع اشتراكاته ويحضر جلساته، ولا يخشى التضييق على أعماله وتفليس مؤسساته كما حصل ويحصل منذ أربعة عقود من الزمن إلى الآن؟ لا أريد مساعدات عابرة في ظروف استثنائية، ولا هدايا مجاملة بين الأصدقاء أو القرابات، ولا دعما ضعيفا لا يمثل 1% من دعم رجال الأعمال للسلطة وأحزابها ومشتقاتها، في تحالف واضح وجلي أساسه اكتساح كل شيء سياسيا وماليا وسلطويا من طرف القبائل ورأس المال ورجالات السلط، ونتائجه خلل كبير يترجم في حصول الأنظمة المتوارثة على أكثر من 80% من البرلمان و90% من المناصب الانتخابية الأخرى بسبب استغلال وسائل الدولة والتجنيد القبلي والمال العام أيضا، وشراء الذمم، والترغيب والترهيب، والاستحواذ الدائم على 100% من الصفقات، و99,99% من التعيينات في المناصب المهمة بل وفي عموم المناصب تقريبا: وزراء، سفراء، أمناء عامون، مستشارون، مكلفون بمهام، ولاة وحكام، مديرون، رؤساء مصالح، رؤساء مجالس إدارة، حتى الوظائف غير السياسية _ هل توجد وظيفة سياسية فعلا غير وزير ؟ _ تمنع على المعارضين!!

 

الْمُعارضَه ماهِ خَالگه، كيف تخلگ؟ وقد كرست الدولة منذ نشأتها تقريبا وخاصة منذ الأحكام العسكرية وخصوصا منذ الانفتاح "الديموقراطي" المجلوب مطلع التسعينات كلّ وسائلها العامة لتشويه المعارضة والمعارضين، فكانت أجهزة الأمن والإدارة ووسائل الإعلام الرسمية الممولة من المال العام مجندة لضرب المعارضين ومضايقتهم وتشويههم وحصارهم، وكانت هذه الأجهزة تهتم بالمعارضة أكثر من اهتمامها بمحاربة الفقر والفساد والمخدرات وانفلات الأمن وتزوير الانتخابات والغش في المسابقات الخ، وتم تجنيد القوى الاجتماعية التقليدية التابعة للأنظمة لهذا الغرض أيضا؟!

 

الْمُعارضَه ماهِ خَالگه، مانّ خَالگين ألا نحنَ، لأنه لا يمكن أن توجد معارضة دون سند شعبي قوي وواع، وخاصة من القوى الحية الشبابية كالطلاب الجامعيين والعمال والنقابات المهنية والكتاب والإعلاميين الخ لقد كان قادة المعارضة التقليدية وكوادرها سبّاقين للتضحية قبل وجود النضال الناعم في هذا الفضاء الافتراضي، فضحوا بالوظائف السامية في الهيئات الأممية وبالرواتب المريحة، وبالفرص الكثيرة التي كان يمكن أن يحصلوا عليها لو التحقوا بالأنظمة طيلة العقود الثلاثة الماضية، لقد تعرضوا للسجن في ولاته وبومديد وتامشكط ونواكشوط ووادي الناقة وغيرها، وقمعوا في المظاهرات والمسيرات أيام لم يكن القمع يوثق بهذه السهولة ولا يجد التعاطف الكافي، وضويقوا في أرزاقهم وأعراضهم وانتُهكت خصوصياتُهم وجُرّمت قراباتُهم وعلاقاتهم، فماذا قدمنا نحن في فضائنا هذا من نضال يزن عشر العشر مما قدموا؟ ماذا قدم الشباب تحديدا الغاضب من المعارضة غضبا أشد من غضبه من الأنظمة؟ ماذا قدم أولئك الحادون في خطابهم، الجارحون في أسلوبهم، ممن لم يستنشق "اگرينات" في حياته، ولم يضايق بدخول سجن ولا عزل من منصب ولا مصادرة فلس؟!

 

نعم، هنالك مآخذ على المعارضة تتعلق أساسا باجتهادات سياسية قد ترضي عمرا أو تغضب زيدا، قد تخطيء وقد تصيب، وهذا طبيعي في عوالم السياسة، نعم، هنالك ضعف في القدرة على تجديد الآليات والمؤسسات والخطاب وتحديثه بما يكفي، هنالك مآخذ تتعلق بالبنية المؤسسية الحزبية في المعارضة، وبنمط الخطاب وآليات تسويقه، لكن كل هذا ترف مقارنة بالنهب والفساد الذي تمارسه الأنظمة، وليست المقاربةُ هنا السكوتَ عن أخطاء المعارضة أو ثغراتها أو تراجع أدائها فكل ذلك مشهود، بل التنبيه على الأولويات منهجيا، والفصل بين مكروهات وصغائر الاجتهاد السياسي وبين كبائر وموبقات التسيير الفعلي لشؤون الناس، فالشباب المعارض إذا لم ينتظم في الأحزاب والهيئات ويشارك في تقديم رؤية وبرامج سياسية بديلة، أو يشكل تنظيمات ويؤسس أحزابا فعالة، فإن معارضته ستبقى كلاما نظريا فقط، كذلك إذا لم يلبّ نداءات المعارضة لحضور المهرجانات والمسيرات وحملات الانتساب والتصويت، نعم التصويت للمعارضة والمعارضين، لأنه لا يوجد غير خيارين: التصويت للمعارضة بحثا عن التغيير ولو جزئيا أو التصويت للأنظمة لإبقاء ما كان على ما كان، طبعا بقيَ خيار الحياد والتفرج لمن لا يهتمون بالمعركة وهم كثر.

 

الْمُعارضَه ماهِ خَالگه، كيف تخلگ؟ والجميع يحاربها، الشباب الساخط من الواقع يساوي بينها وبين من يُسيّرون هذا الواقع بل ومن يصنعونه وصنعوه، وبينها وبين المفسدين، والقوى الموالية وهي أغلبية المجتمع لا يريد أغلبها التغيير ولا ترغب في المعارضة، والأنظمة لا تبخل جهدا في إضعاف المعارضة ومحاربتها وفي أحسن الحالات إقصاءها؛

 

الْمُعارضَه ماهِ خَالگه، خَالگه بعد، فمن وقف عقودا ضد الظلم والغبن والتهميش والتزوير غير المعارضة؟ من قاد المظاهرات والإضرابات والمسيرات ضد الفساد وضد ارتفاع الأسعار منذ التسعينات غير المعارضة والمعارضين؟ من وزع المناشير وكتب على الجدران ودخل السجون وصنع الوعي ودافع عن الحريات ودافع عن العمال وأنشأ النقابات الطلابية والعمالية الجادة غير المعارضة والمعارضين؟ قدمت المعارضة خطابا مختلفا منذ نشأتها وقدمت شخصيات ورموزا نوعية مرشحين للرئاسيات وللبرلمان وللبلديات وللمجالس الجهوية، فاختار الشعب آخرين لأسباب مختلفة تم طرق بعضها أعلاه.

 

وهنا دعوني أنقل صورة مصغرة حول فرز الواقع، ونحن في هذا الفضاء وأنتم وهم والشعب عموما من صنّاع هذا الفرز، فقد اختار اثنان من أحزاب المعارضة التقليدية وهما التكتل و"تقدم" في الترتيب الثاني للوائحهم البرلمانية في نواكشوط واللائحة الوطنية ولائحة النساء الشخصيات التالية على التوالي:

 

التكتل اختار منى بنت الدي، الإمام أحمد، مريم بنت النينين

واختار "تقدم" آمناتا افال، لو غورمو، اشوي بنت بلال،

 

فكانت النتيجة أن اختارت القوى التقليدية، وانجرّ الشعب وراءها طبعا، المجيء بأربعة نواب من UPR  في كل من هذه اللوائح، لتمنع هذه الأسماء من دخول البرلمان رغم تاريخها في النضال عن حقوقه، فهل هذا ذنب المعارضة؟ ليس هذا فقط، ربما تتذكرون المعلومة بنت بلال ومختار صار وغيرهما من رموز ضحوا فخذلناهم حين ترشحوا ..

 

الْمُعارضَه ماهِ خَالگه، هذا شعار في بعده القدحي سيرفعه مؤيدو الأنظمة ممن تغضبهم المعارضة وهم نشطاء كثر، وفي بعده التيْئيسي سيحمله الغاضبون العاجزون الفوضويون، وفي بعده الواقعي سيرفعه من سيتحمل عناء "اخلاگة المعارضه" من جديد ويسعى إلى ذلك بجد ومسؤولية؛

 

من يريد المعارضة ومن يريد التغيير حقا عليه المشاركة في صناعة البديل وذلك بتقوية المعارضة لا بإضعافها، وبطرح الأفكار والبرامج والمشاركة الميدانية لا النظرية فقط، وبإكمال النقص لا باللعن والشتم والسب والصراخ والعويل، ولا بالكذب والتزوير والسطحية، ولا بالتمييع وتجريم الجميع، فالتغيير يحتاج الصبر وطول النفس كما فعل قادة المعارضة التقليدية وتياراتها العريقة وفي ظروف صعبة وحالكة، حتى ظنوا أننا بلغنا ونضجنا ويمكننا تسلم الألوية لنريحهم ونكمل المشوار، فهل نحن كذلك؟ ومن يمنعنا من إثبات الجدارة فعليا؟

 

من يريد المعارضة ينتسبُ لأحزابها وكُتلها وتياراتها ونقاباتها واتحاداتها وجمعياتها أو ينشيء أحزابا جديدة وتيارات جديدة وكتلا جديدة وجمعيات جديدة، وعليه أن يستفيد من تجارب المعارضة وتاريخها فيثمن التضحيات ويحترم الرموز ويكرّمهم ويكمّل النقص، ومن يريد الأنظمة أو الموالاة _ وهذا حقّه _ عليه أن يلتحق بها بمسؤولية ويقدم نموذجا من الولاء مختلفا إن كان ذا رؤية، ومن التسيير إن كان أمينا، أو يذوب في جوقة الولاء كما يذوب فصّ الملح في الماء، أما من لا يصلح لهذا ولا ذاك، ولا يتقن سوى اللعن والبذاءة، فقد يدمّر لكنه لن يبني، وقد يضرّ لكنه لن ينفع، وقد يعبّر عن حق بآلية منفّرة لكنه سيعبّر عن باطل أكثر وبآليات أسوأ.

 

 

الْمُعارضَه ماهِ خَالگه، طيب، اخگو انتومَ ؤتوف،

 

 أو

 

أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكمُ / من اللوم أو سدوا المكان الذي سَدُّوا