من المسؤول عن قتل الموريتانيين في مالي؟ / محمد الأمين ولد الفاضل

اثنين, 01/24/2022 - 16:35

هذا سؤال تكرر طرحه كثيرا بعد الجريمة النكراء التي راح ضحيتها سبعة موريتانيين تم قتلهم بدم بارد في مالي. لا أحد يمتلك الإجابة على هذا السؤال في الوقت الحالي، المهم أن هناك تحقيقا سيفتح، وستكون موريتانيا شريكة فيه. نأمل أن يتوصل هذا التحقيق إلى نتائج محددة، وأن يتم التعرف على الجناة، وأن ينالوا العقوبات التي يستحقونها.

يمكننا في الوقت الحالي أن نتفاءل بمستوى الاهتمام الذي يوليه النظام الموريتاني لهذه الفاجعة، وكذلك لمستوى الاستعداد الذي أبداه النظام المالي لاتخاذ كل ما يلزم لكشف حقيقة ما جرى.

وفي انتظار نتائج التحقيق وتحديد الجناة ومعاقبتهم، فلا بأس بالتذكير ببعض الحقائق التي يجب أن لا تغيب عن أي واحد منا في مثل هذا الظرف العصيب.

(1)

أن الواقع الجغرافي لا يمكن إلغاؤه ولا تجاوزه تحت أي ظرف، فموريتانيا ومالي تربطهما حدود برية طويلة جدا تصل إلى 2237 كلم، وهي من حيث الطول تأتي في الرتبة 14 عالميا، و3 إفريقيا. هذه الحدود تمر تقريبا بنصف الولايات الموريتانية، فهي تمر بست ولايات: تيرس الزمور؛ آدرار؛ كيديماغا؛ لعصابه؛ الحوضين.

إنها حقيقة جغرافية يجب التعامل معها بحكمة وواقعية، فهذه الحدود الطويلة لا يمكن أن تلغى تحت أي ظرف، فلا موريتانيا تستطيع أن تلغي مالي من جوارها، ولا مالي تستطيع أن تلغي موريتانيا من جوارها.

(2)

هناك عبارة شائعة تقول : إن رفرفة أجنحة فراشة في لبرازيل قد يؤدي إلى إعصار في تكساس . من هذا المنطلق فإن ما يحدث في مالي يمكن أن نصنفه ـ بشكل أو بآخر ـ على أنه شأن داخلي موريتاني، ذلك أن تأثيراته ستنعكس مباشرة على بلادنا، إيجابا أو سلبا، تبعا لتعاملنا على المستويين الرسمي والشعبي مما يجري هناك.

(3)

أن الواقع السياسي والأمني لدى الشقيقة مالي في غاية التعقيد، فهناك مناطق شاسعة في هذه البلاد لا تخضع لسيطرة الحكومة. ومن الراجح جدا أن يتحرك عملاء بعض القوى الدولية أو الاقليمية أو حتى المحلية للقيام بكل ما من شأنه أن يزعزع  العلاقة بين موريتانيا ومالي، خاصة وأن هناك فرصا في الوقت الحالي أمام موريتانيا يمكن أن تستغلها لتعزيز علاقاتها التجارية مع مالي، وقد يكون ذلك على حساب مصالح بعض دول المنطقة.  

(4)

بغض النظر عن خطورة الانقلابات على الديمقراطية، وعن شرعية النظام القائم في مالي، فإن الشيء المؤكد هو أن النظام الحاكم في مالي قد دخل في مواجهة مكشوفة مع فرنسا، ومما لا شك فيه أن فرنسا بغرورها الاستعماري لن تقبل أن يسيء إليها الأدبَ نظامٌ حاكم في إحدى مستعمراتها. ما يحدث في مالي من محاولة للخروج من جلباب الهيمنة الفرنسية  لن تبتلعه فرنسا بسهولة، ومن المؤكد أنها ستفعل كل شيء ـ ولن تتورع عن أي شيء ـ في سبيل إعادة النظام المتمرد عليها في مالي إلى "رشده". وتدرك فرنسا أن الضربة القاضية التي ستؤدي إلى خنق مالي وإسقاط نظامها الحاكم تتمثل في إحداث توتر على الحدود الموريتانية المالية يؤدي إلى إغلاق تلك الحدود أمام التبادل التجاري، الشيء الذي يعني تشديد الحصار على مالي، وإيصاله إلى مستوى لا يمكن تحمله شعبيا ولا حكوميا.

لا يعني هذا الكلام أن لفرنسا علاقة ما بمقتل الموريتانيين السبعة، ولا أنها مسؤولة عن كل ما يمكن أن يحدث مستقبلا في هذا الاتجاه. هذه ستبقى مجرد فرضية، ولكن لا يمكن استبعادها بشكل كامل إلا من بعد ظهور نتائج التحقيق.

(5)

هذه الحقائق الأربع تتطلب الكثير من اليقظة على المستويين الرسمي والشعبين، فعلى المستوى الرسمي فإن الحكومة مطالبة ب:

ـ الدفع بالتحقيق المشترك إلى الأمام، والقيام بكل ما يمكن عمله من أجل تحديد الجناة في أسرع وقت ممكن،  ومحاسبتهم من بعد ذلك؛

ـ المزيد من التنسيق الأمني والعسكري والاستخباراتي مع مالي، وخاصة في الولايات الحدودية حتى لا تتكرر مثل هذه الجرائم البشعة ضد مواطنينا في مالي؛

ـ تعزيز الحضور الاستخباراتي والأمني والعسكري الموريتاني في المناطق الحدودية.

أما على المستوى الشعبي:

ـ فعلى جاليتنا في مالي أن تتصرف على أساس أنها تعيش في بلد يعاني من تعقيدات أمنية  في منتهى الخطورة، ويمر بحالة صراع بين قوى دولية وإقليمية ومحلية في غاية التعقيد، وهو ما يتطلب الكثير من الحيطة والحذر والابتعاد عن كل المناطق المشبوهة، وعدم التحرك في الأوقات غير الآمنة؛

ـ وعلى نخبنا أن تبتعد عن الشحن الإعلامي والسياسي، وعن كل ما من شأنه أن ينعكس سلبا على العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين : الموريتاني والمالي.

ختام القول  

في ظل الوضعية الحالية البالغة التعقيد التي تمر بها الشقيقة مالي، فإن الكثير من اليقظة مطلوب على المستويين الرسمي والشعبي في كلا البلدين، فبتلك اليقظة سنحمي العلاقات الأخوية بين البلدين، وبتلك اليقظة سيكون بإمكاننا أن نُفشل أي مخطط يسعى لتوتير الأجواء بين البلدين الشقيقين.

لا لإفلات مرتكبي جريمة قتل الموريتانيين السبعة من العقوبة؛

نعم لحدود آمنة ولتنقل آمن بين البلدين؛

نعم لتعزيز وتقوية العلاقات بين الشعبين الشقيقين ؛

عاشت الاخوة الموريتانية المالية.

 

حفظ الله موريتانيا..

حفظ الله مالي...