من سيقهر الآخر مرتين بالتتويج بكأس أفريقيا والتأهل المونديالي مصر أم السنغال؟

أحد, 02/13/2022 - 09:52

 حافظ المنتخب المصري على عاداته وتقاليده في أدغال الماما أفريكا، بانتزاع تأشيرة اللعب في المباراة النهائية لكأس الأمم الأفريقية، بعد نجاحه في إقصاء صاحب الأرض المنتخب الكاميروني في مباراة الكلاسيكو، التي جمعتهما على الملعب «الأولمبي» بالعاصمة ياوندي في آخر ساعات الخميس الماضي، وظلت معلقة على نتيجة 0-0، إلى أن ابتسمت الساحرة المستديرة للفراعنة، ليضربوا موعدا مع السنغال في المبارة النهائية اليوم، في بروفة لا تقل حساسية وأهمية عن أم المعارك المنتظرة في النصف الثاني من مارس / آذار، لتحديد هوية المتأهل لنهائيات كأس العالم قطر 2022.

جينات الفراعنة

في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، وبعمر سنوات بالكاد تعد على الأصابع، لم أكن أفوت تحليلات أبي رحمه الله، الكروية مع أصدقائه فلاسفة المركولة المجنونة في أبسط أحياء مدينة الزقازيق. أحيانا كنت أستفيد بإشباع هوسي بالقراءة، وأحيانا كنت أتأثر بحديثهم عن عظمة ومكانة المنتخب المصري في القارة، رغم أنه لم يكن قد تسيد القارة بلغة الأرقام، لكن مع الوقت، أثبتت التجارب أن الفراعنة يملكون شفرة الكان. دعك عزيزي القارئ من قصة تقدم مصر على الجميع بسبعة ألقاب مقابل خمسة للكاميرون حتى إشعار آخر، أو وحشيتهم المفرطة في الألفية الجديدة، باللعب في المباراة النهائية 5 مرات في آخر 9 بطولات، منها 3 بطولات لم تتأهل خلالها في الفترة بين عامي 2012 و2015، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل لأحد أن شاهد المنتخب الكاميروني في هذه الوضعية؟ شخصيا عهدي مع الأسود، أنهم منتخب ذو طابع وحضور تطغى عليه الهيبة، وحتى عندما يخسر في نتيجة أي مباراة، لا يبدو ضعيفا أو بائسا بهذه الطريقة، كيف لا والحديث عن منتخب القرن الماضي في القارة السمراء، وذاك الاسم الثقيل على أي منافس، لكن مساء الخميس، تحولوا إلى أشبال أسود أمام الفراعنة، بل أكاد أقسم أنه لولا «إرهاب» الحكم الغامبي باكاري غاساما، لما انتهى الوقت الأصلي بدون أهداف، على الأقل كانت الأمور ستحسم قبل الذهاب إلى ركلات الترجيح، ولاحظنا كيف قامت الصافرة التحكيمية بدور اللاعب رقم 12 بالنسبة للمدرب البرتغالي دي أوليفييرا كونسيساو، وأسوأ منه حاملا الراية، كلاهما موجهان على طريقة «الإنسان الآلي» لاحتساب أي شيء لمصلحة الكاميرون على الخطوط، ناهيك عن قرارات التسلل المفضوحة، مثل رأسية حمدي فتحي التي أنقذها الحارس أونانا ببراعة، وإذ بمساعد الحكم يُشير إلى وجود تسلل من مباراة يتابعها في «الميتافيرس»، وأخرى لمصطفى محمد في الشوط الثاني. رغم ذلك، بدا وكأن عناد الحكم مع اللاعبين والجهاز الفني للمنتخب المصري، والذي وصل الى حد طرد المدرب كارلوس كيروش، انعكس بشكل إيجابي على روح ومعنويات اللاعبين، بل يمكن القول، إن تعنت غاساما جعلهم أكثر إصرارا وتمسكا بتحقيق الانتصار.

مفاتيح الانتقام

لا أحد يختلف على صامويل إيتو، كأسطورة وواحد من أعظم 3 الى 5 لاعبين في تاريخ القارة، لكن بالنسبة لإيتو المسؤول، فهناك علامات استفهام بالجملة حول حماسه الزائد على الحد، والتي أحيانا ما تنقلب ضده، كما ورط نفسه في ما عُرف في الإعلام المصري بـ«الخطاب العسكري» للاعبي الكاميرون، واصفا مباراتهم الفاصلة على التأهل الى النهائي بـ«الحرب»، بخلاف تحميله الزائد على اللاعبين، باصطحاب أسر ضحايا الملعب الأولمبي لتدريبات الفريق، وهو ما انعكس بشكل سلبي على أداء اللاعبين وتركيزهم داخل المستطيل الأخضر، والعكس بالنسبة للمنتخب المصري، الذي تفنن مدربه كيروش في استغلال تصريحات إيتو، بوضعها كحافز للاعبين بكلمات ورسائل يفوح منهما أدب الفلاسفة، أبرزها نصيحته للمسؤولين في الكاميرون بشن الحرب على أبواب ملعب القتلى، لمنع حدوث الأمر في قادم المواعيد، في ما أعطى مؤشرات الى أن المصريين يديرون المعركة الخاصة خارج الخطوط كما ينبغي، آخرها مضاعفة الضغط على الحكم الغامبي، بتقديم احتجاج رسمي على تعيينه، الأمر الذي ربما كان سببا في ابتعاد غاساما عن القرارات المشبوهة، والاكتفاء بممارسة حيله المعروفة عنه، متبعا سياسة «اللجم والتحجيم»، بتوزيع البطاقات الصفراء على اللاعبين وكأنها هدايا، وهذا ما شاهدناه في لقطة إشهار البطاقة الصفراء للظهير الأيمن عمر كمال عبد الوحيد، في لعبة لا تستحق أكثر من مخالفة. والمثير للريبة، أن الحكم أنذر المدافع المصري بعد ضغط من اللاعب الكاميروني، بينما حين فعلها النني في احتجاج خشن على عمر مرموش، قام الحكم بإرهاب النني ببطاقة صفراء، وغيرها من القرارات التي يستحي إيتو احتسابها لو كان حكما للمقابلة، أبسطها «التربص» بكيروش وطرده لأسباب تافهة.
أما داخل المستطيل، فكانت الأفضلية للأسود في النصف ساعة الأول، وإن جاز التعبير، كانوا الأفضل في عموم الشوط الأول، وهذا أمر منطقي، تأثرا بالدعم الجماهيري، وأيضا لرغبة اللاعبين في قتل المباراة مبكرا، وهذا كلفهم المبالغة في استنزاف طاقتهم في أول 45 دقيقة، على عكس الفراعنة، الذين تعاملوا بنفس الذكاء المعروف عنهم، بغلق المساحات بمجرد أن تمر الكرة إلى منتصف ملعبهم، متسلحين بثلاثي وسط فولاذي، يرتكز على المحارب العائد من الإصابة حمدي فتحي وعلى يمينه النني وعلى يساره عمرو السولية، وخلفهم ثنائي دفاع لم يسبق لهما اللعب معا من قبل، ورغم ذلك، لم يشعر أحد بغياب فان دايك العرب، أحمد حجازي، بعد خروجه من حسابات الطاقم الفني بداعي إصابته بتمزق في العضلة الضامة.

نجم البطولة

واحد من أسباب قوة الدفاع المصري وقدرته على تحمل الضغط في هذه البطولة، فخر محافظة الشرقية محمد عبد المنعم، الذي يثبت من مباراة الى أخرى، أنه مشروع قائد مستقبلي للفراعنة، بإمكانات دفاعية أقل ما يُقال عنها نادرة في كرة القدم المصرية، فهو ليس ذاك المدافع التقليدي، الذي يعتمد على جسده القوي أو طوله الفارع، بل يميل إلى النموذج الإيطالي أو الألماني الأنيق، كمدافع تصعب مراوغته أو التفوق عليه في ألعاب الهواء، وفي نفس الوقت، من القلائل الذين يُجيدون فن المراوغة والتمرير العمودي بدقة. وقبل أي شيء، لديه حضور وشخصية نجم دولي معتاد على منتخب بلاده منذ سنوات، وهذا النوع الفاخر من المدافعين، توقف عن الظهور منذ شيخ المحترفين هاني رمزي، الذي كان يجمع بين مؤهلات قلب الدفاع النموذجية وأناقة لاعب الوسط المبدع، وأيضا بنفس الجينات القيادية في بداية حقبة العشرينات، وهذا يفسر نجاح عبد المنعم في رقابة أعتى مهاجمي القارة، بداية بهداف أياكس أمستردام ودوري أبطال أوروبا سباستيان هالر في موقعة كوت ديفوار في دور الـ16، ثم مع يوسف النصيري في الدربي الشمال أفريقي ضد المغرب، وتبعهما فينسنت أبو بكر في صدام الكاميرون، بوقوعه كفريسة لعبد المنعم، باستثناء الضربة الرأسية التي ارتدت من العارضة في الشوط الأول، أما غير ذلك، فلم يكن لمهاجم النصر السعودي أي حضور طوال المباراة. وبالمثل شريكه في الهجوم وثاني أفضل هداف في البطولة كارل توكو إيكامبي، هو الآخر وجد معاناة للهروب من طوق محمود الونش، وكالعادة أبدع أحمد فتوح في تخفيف الضغط على الدفاع، باستخدام الحل الفردي والضغط على الجناح لمنعه من رفاهية إرسال العرضيات للثنائي المخيب، ونفس الأمر ينطبق على كمال عبد الواحد وكل اللاعبين، بما في ذلك البدلاء مهند لاشين وإمام عاشور، باستثناء الغائب الحاضر بجسده مصطفى محمد. ويُحسب لهذه المجموعة صمودها في الضغط على الكاميرون بداية من الشوط الثاني وحتى الأشواط الإضافية، في مشاهد مختلفة عن نسخة الأسود المرعبة في المباريات السابقة سواء في المجموعات أو مراحل خروج المغلوب أمام جزر القمر وغامبيا، والمثير للإعجاب بحق، أن المنتخب المصري تفوق بدنيا وذهنيا على البلد المضيف في الشوطين الإضافيين، رغم أنها كانت المرة الثالثة في ظرف سبعة أيام يلعب خلالها صلاح ورفاقه لمدة 120 دقيقة، في ظروف معقدة مع لعنة الإصابات، التي عصفت بركائز أساسية بحجم الحارس الأول محمد الشناوي والظهير الجوكر أكرم توفيق وتبعهما حجازي، لذا لم تبتسم ركلات التلاعب بالأعصاب للمصريين بالصدفة، بل لأنهم كانوا الأحق بالوصول الى المباراة النهائية، كأفضل رد على ما يُعرف في الإعلام المصري «سرقة» 2017، اعتراضا على صحة هدف أبو بكر في نهائي نسخة الغابون، وذلك بترويض الأسود أمام أعين جماهيرهم.

كل شيء أو لا شيء

بالنظر إلى ملحمة اليوم، سنجد أنها أكبر من مجرد مباراة نهائية لكأس الأمم الافريقية بين مصر والسنغال، نظرا لوقع تأثيرها سواء على الفائز أو الخاسر، قبل مباراتي الدور النهائي الحاسم من تصفيات أفريقيا المؤهلة للمونديال القطري، إذ ستمثل دفعة معنوية مثالية للطرف المنتصر، وتعطيه ثقة وأريحية أكبر داخل المستطيل الأخضر، والنقيض تماما بالنسبة للفريق المهزوم، لا سيما لو كشف النهائي الفوارق العريضة بين المنتخبين. والحديث بطبيعة الحال ليس عن الفوارق الفردية أو الجسدية، فهي كما يفهم الجميع في مصر محسومة لأسود التيرانغا، المدججين بكوكبة من ألمع الأسماء واللاعبين المؤثرين في فرقهم في الدوريات الأوروبية الكبرى. بجانب ذلك، لا يواجه ساديو ماني ورفاقه مشاكل مع الإصابات أو الغيابات الإدارية. وبالعربي الفصيح فان المنتخب السنغالي سيخوض المباراة بكل أسلحته الفتاكة في كل مراكز الملعب، بينما المنتخب المصري سيتعين عليه مواصلة الكفاح للخروج من ورطة الإصابات والإيقافات، آخرها تأكد غياب الظهير الأيمن عمر عبد الواحد لحصوله على البطاقة الصفراء الثانية في الإقصائيات، بخلاف طابور المصابين، الذي أضيف إليهم عمرو السولية، ما يعني أنه بحسابات ومنطق كرة القدم، ستكون الأفضلية للمنتخب السنغالي، لكن على أرض الملعب، لن يفوز بالنهائي الأكثر مهارة وقدرة على المراوغة، بل الأكثر جماعية وقدرة على فرض وإظهار شخصية البطل، كما أكملت الجزائر طريقها للنهاية في مغامرة القاهرة صيف 2019. وحتى نكون منصفين، فلا يمكن التقليل أو التشكيك في أحقية سباع التيرانغا في الوصول الى المباراة النهائية، فصحيح كان الطريق ممهدا له في الطريق الأسهل، بتجاوز الرأس الأخضر وغينيا الاستوائية وبوركينا فاسو في الإقصائيات، لكن هذا لا يمنع أن رجال أليو سيسي، تدرجوا في المستوى من مباراة إلى مباراة، إلى أن اقتربوا من ذروة الانسجام في الاختبار الأخير أمام الخيول البوركانيبية، بصحوة جماعية في جُل المراكز، بدأت بعودة الصلابة الدفاعية منذ تعافي العالمي كاليدو كوليبالي من الإصابة، وأيضا إدريس غايي وشيخو كوياتي وباقي لاعبي الوسط، استعادوا الكثير من مستواهم المتوقع منهم، متسلحين بأفضل نسخة للقائد ساديو ماني في مسيرته، وفي المرمى أفضل حارس مرمى في دوري أبطال أوروبا وتشلسي إدوارد ميندي.
الشاهد، أن المنتخب السنغالي وصل الى المباراة النهائية بطريقة مشابهة للفراعنة بطريقة أو بأخرى، ببداية غير مقنعة هنا وهناك، خاصة على مستوى الأداء الجماعي في الدور الأول، لكن مع بدء المباريات الإقصائية، تكشفت نوايا وأهداف كل منتخب، خصوصا ممثل العرب في النهائي، الذي كُتب عليه شق الطريق الأصعب والأكثر تعقيدا من أجل الوصول الى المباراة النهائية، ليكشف عن وجهه الغائب منذ سنين، كمنتخب يعرف مفاتيح حكم القارة السمراء، كما أوقع بالأفيال في دور الـ16، في تلك المباراة التي كانت تميل فيها التوقعات والترشيحات الى كوت ديفوار، ثم فجأة تكرر نفس السيناريو المعتاد، بفوز الفراعنة بطريقة أو بأخرى كما جرت العادة دائما منذ عقود، واستمرت مغامرة المصريين في أدغال الغابة، بترويض أسود أطلس ثم أسود الكاميرون في ربع ونصف النهائي، على أمل أن تدخل أسود التيرانغا نفس المصيدة مساء اليوم، وهذا يحتاج الحفاظ على نفس الروح القتالية والقوة الذهنية داخل المستطيل الأخضر، أو مثلما بالغ مدرب المنتخب المغربي وحيد خليلوزيتش في انتقاده لاعبي مصر، خصوصا في استبسال اللاعبين للفوز بالكرات والتحديات المشتركة، حيث يعتقد المدرب البوسني أن فريق كيروش يتعمد إيذاء خصومه باللعب الخشن وحارسه يبالغ في السقوط على أرض الملعب، بينما بشهادة الغريم قبل المنافس، فإن صلاح ورفاقه يقدمون دروسا مجانية في مفهوم الانتماء ومعنى وقيمة الدفاع عن علم الوطن في ظروف قاسية، كالتي أجبرتهم على الاستشفاء في أوعية بلاستيكية بعد مباراة المغرب. والتحدي الآن يكمن في صمود اللاعبين بدنيا وعامل التوفيق بتجنب المزيد من الإصابات، وذلك بطبيعة الحال بسبب المجهود الكبير الذي بذله اللاعبون على مدار المسابقة بوجه عام وخصوصا في آخر 3 مباريات، إلا إذا استمر أحفاد الفراعنة في إبهار العالم، ونجحوا في إنهاء البطولة بنفس القوة والعقلية غير الانهزامية، التي تتجلى في معاناة المنافسين أمامهم طوال 120 دقيقة، وهذا ما يعول عليه الملايين في مصر، أن تكون شخصية وهيبة كبير أفريقيا حاضرة في معركة الأسود الجديدة، لتذوب فوارق القوة والعضلات أمام القوة الذهنية المرعبة للمصريين، فمن يا ترى سيفوز بكأس أمم أفريقيا وبكل شيء ومن سيخسر المجد وكل شيء قبل مباراتي المونديال؟ كل التوفيق الأمنيات الطيبة لصلاح ورفاقه في نهائي اليوم وفي باقي التحديات المنتظرة ضد الصديق الغريم ساديو ماني.

 

عادل منصور

 

لندن ـ «القدس العربي»