اغتيال شيرين.. شرف المهنة.. ونبل القضية

سبت, 05/14/2022 - 17:37
أحمد أبو المعالي - كاتب وشاعر

لم يكن القناص الذي سدد الرصاصة نحور رأس مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة في منطقة جنين المحتلة بدقة متناهية تصرف بشكل فردي أو "خبط عشواء" من تصب تمته، بل كان عملا مقصودا ويحمل دلالات محددة، بدليل أن المنطقة حينها كانت هادئة، ولم يكن هناك أي اشتباك، فضلا عن ارتداء شيرين خوذة وسترة واقية من الرصاص عليها شعار الصحافة وهو مؤشر يتحتم احترامه.

 

كل ذلك يوحي أن عملية الاغتيال الجبانة ليست سوى جزء من محاولة قوات الاحتلال الصهيوني خنق أي صوت يفضح جرائم الاحتلال، حتى لا يشهد العالم ما يقومون به من تنكيل وبطش للفلسطينيين، فهي تصفية للشهود واغتيال للحقيقة، لكنها محاولة لن تؤتي أي أكل ولن تجدي شروى نقير.

 

حاولت الراوية الصادرة عن الجاني أن تبعد التهمة عنه، لكن ورق التوت تساقط كحبات سبحة في يد شلاء، وشهد العالم حقيقة أن قوات الاحتلال كانت وراء تلك الرصاصة الغادرة.

 

إن حجم التفاعل الواسع مع عملية الاغتيال سواء تعلق الأمر بالتنديد الدولي الرسمي، أو زخم التعاطي الشعبي مع الحدث يبرهن بجلاء على عدالة القضية الفلسطينية، ونبل السقوط في شرف كشف حقيقة الاحتلال، كما يبرهن على ما تتمتع به شيرين من مصداقية ومهنية اعترف بها الكل في مسيرة طويلة، ظلت فيها تنقل الأحداث بحرفية عالية، وتعرضت خلالها لكثير من المخاطر، فكانت بذلك نموذجا للعمل الصحفي الجاد، والحامل لهم رسالته مهما كانت الظروف

 

ليست شيرين بالنسبة للاحتلال الصهيوني سوى رقم ضمن قائمة طويلة من الصحفيين الفلسطينين الذين تمت تصفيتهم من قبل جيش الاحتلال، في تجاوز لمختلف القوانين والأعراف الدولية التي طالما ضربت بها قوات الاحتلال عرض الحائط، فهي "شنشنة أعرفها من أخزم".

 

فمنذ سنة 2002 سقط أكثر من خمسين صحفيا في ساحة الحقيقة على يد الاحتلال، فضلا عن من تعرضوا لإصابات شديدة، أو من يقبعون في السجون، كل ذلك لم يحل بين الصحفي الفلسطيني وحمل الراية، وتحمل الأمانة في نقل صورة حية عن جرائم الاحتلال.

 

قوافل الشهداء تترى يوميا في مشاهد مهيبة من مختلف فئات الشعب، ولم يزد ذلك أبناء الأرض إلا تعلقا بها وإيمانا بعدالة القضية ونبل المقاومة، لم ولن يسلموها لشرذمة من شذاذ الآفاق لفظتها فجاج الأرض ذات انحدار في مسار تاريخ تلك البلاد.

 

لقد كان اغتيال شيرين أياما قبل ذكرى النكبة الذي يتذكرها الفلسطينيون كل سنة حتى لا تغيب صور ومشاهد تهجيرهم عن أراضيهم، وإقامة الدولة المزعومة المبنية على سردية صهيونية تنتهج تزوير التاريخ والتلاعب بالجغرافيا.

 

لقد ظل الكيان الصهيوني على مدى أكثر من سبعين عاما يعمل بشتى السبل ومختلف الوسائل على تغيير معالم الأرض وملامح السكان، لكن ذلك لم يأت بما تشتهي سفن الاحتلال.

 

لقد فشلت عملية هدم المباني وبناء المستوطنات وتهجير السكان والتنكيل بهم وقتلهم في أن يتنازل الفلسطينون عن شبر واحد من الأرض، ولعل مما يعطي دلالة خاصة على التشبث الأبدي بالأرض التي بارك الله حولها تمسك أهل الأرض بـ"مفاتيح" منازلهم التي أخرجوا منها قبل عقود، يتوارثونها جيلا بعد جيل، وبذلك تتحطم نظرية أن الكبار يموتون والصغار ينسون، فموت الكبار لا يعدو أن يكون وقودا للتشبث بالأرض والسعي لنزع الحق، ويزيد تعلقهم بالأرض أكثر حينما تعانقها دماء أبنائهم وبناتهم، فيمتزج دم الفلسطينني بالأرض، وينبت الزيتون مرفرفا على ذلك التلاحم.

 

"نكبة شيرين" ليست سوى امتداد لـ"نكبة الأرض" ولكن يوما ما سيرحل المحتل:

 

زعموك لم تلدي وأرجف مرجف *** متسلل وسط المدينة بالخبر

أنت التي أنجبت ذاكرة الفدا *** ورسمت حلما بالنيازك مستطر

سيماك أنك بالردى أنجبت طـــ***ـــــفلا باسما سميته فعل انتصر