موريتانيا ومالي… أي مستقبل للعلاقات؟

أربعاء, 08/10/2022 - 10:25

في القديم قال العرب في أمثلتهم: “إن ضربتين على الرأس توجعان” كناية عن كثرة المشاكل، والمصائب، والهموم، وتعددها، وتواليها على الناس، وربما يكون هو المثل الأنسب والأكثر تماشيا، مع حال النظام الموريتاني مع جارته مالي، خاصة في ظل الصراع الفرنسي الروسي فيها وعليها.

تعددت الضربات

ولقد تعدد الضربات الآتية من مالي، على رأس نظام موريتانيا بقيادة وزير الدفاع السابق والرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، ففي آخر تقرير لها حول الوضع في مالي تحدث خبراء الأمم المتحدة عن عمليات خطف وقتل في آذار/ مارس الماضي نفذها الجيش المالي بحق مواطنين موريتانيين على الحدود مع مالي.
التقرير الذي نشرته وكالة فرانس برس بالتزامن مع استقبال نواكشوط وفدا ماليا رفيع المستوى وفي توقيت تحسنت فيه العلاقات بين نواكشوط وبوماكو، وأشاد فيه الرئيس المالي عاصيمي غويتا بموقف موريتانيا الرافض لحصار مالي الذي فشل
أثار التقرير الريبة والشكوك حول طبيعة العلاقات بين قصر الإليزيه ونظام الرئيس الحالي محمد ولد الغزواني، وأثيرت تساؤلات حول مدى رضا باريس عن سياسة ولد الغزواني الخارجية، خاصة في ما يتعلق بمالي التي صارت خصما اليوم، بعد تقربها من موسكو بوتين، فتراجع وتيرة العلاقات بين نظام ولد الغزواني وقصر الإليزيه وإن كان غير معلن بدأ فعليا في كانون الثاني/يناير حين استهدف مواطنون موريتانيون في مالي وقتلوا بدم بارد وقد تزامنت العملية مع حصار مجموعة” إيكواس” لمالي ورغبة باريس في انضمام نواكشوط إليها ، ثم توالت الاتهامات والشكوك مع عملية آذار/ مارس التي استهدفت ثلاثين موريتانيا ، تم خطفهم داخل الحدود الموريتانية، وتوالت الشكوك والاتهامات في الرأي العام ووسائل الإعلام الموريتانية عن الجهات المسؤولة عن الحادث، بين اليد الروسية ممثلة في مقاتلي “فاغنر” ويد الجماعات المسلحة من تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية وغيرها ، واتهامات أخرى وإن لم تكن صريحة لفرنسا بسبب رفض موريتانيا الدخول ضمن التحالف الإفريقي “منظمة إيكواس” الذي فرض حصارا على مالي، تحت زعم محاربة الانقلابات العسكرية وعلى رأسها انقلاب مالي الأخير عام 2020.

التدخل الروسي

1.الموقف الموريتاني من التدخل الروسي في مالي:
مع مطلع شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي بدأ الحديث يكثر عن تواجد مقاتلين روس في مالي بعد تعاقد الحكومة الانتقالية المالية معهم كبديل لفرنسا، وهو تحرك أغضب المستعمِرة السابقة لمالي وعدة دول في القارة الإفريقية والحديث هنا عن “فرنسا” فصب حكام “قصر الإليزيه” غضبا جمًا على حكومة مالي، وبدأ ما يشبه الحرب الباردة بين روسيا وفرنسا ووقوده مالي، نجحت فرنسا في جمع موقف إفريقي موحد ضد مالي ممثلا في حصار فرضته مجموعة غرب إفريقيا الاقتصادية “إيكواس” على مالي، مصحوبا بإغلاق الحدود، في محاولة للي ذراع الحكومة المالية، فكان الموقف الموريتاني رافضا لحصار لمالي، فلم تغلق موريتانيا حدودها واستمرت في تبادلها التجاري مع مالي، واستمر “المزارعون” و”المنمون” الموريتانيون على حدود جارة موريتانيا الشمالية الشرقية “مالي” في عملهم عن طريق دخولهم الأراضي المالية، كما اعتادوا على ذلك ، فمالي هي قلب القطاع الزراعي في موريتانيا، فمنها تصدر الأعلاف والقطن، وإليها يصل التجار الموريتانيون يوميا، وتوجد بها عمالة موريتانية كبيرة ويضاف إلى ذلك التبادل التجاري الكبير بين البلدين.
فرفض السلطات الموريتانية إغلاق الحدود مع جارتها، ورفضها الانضمام إلى منظمة “الإيكواس” في قبول للأمر الواقع وللتدخل الروسي في مالي، هو ما يزعج فرنسا وحلفاءها، ويربطه بعض الموريتانيين بالهجمات المتكررة خلال شهرين على الموريتانيين في مالي، فقد شهد شهر كانون الثاني/ يناير عملية فقدان أربعة مواطنين وأعلنت الرئاسة الموريتانية مقتلهم، وأوفدت وفدا رفيع المستوى إلى جارتها وضم وزراء السيادة: الدفاع والداخلية والخارجية في تحرك رسمي هو الأقوى، وتعهدت الحكومة المالية يومها بحماية أرواح الموريتانيين وبالتحقيق في الحادثة والقصاص من القتلة وهو ما لم يتحقق، بل تفاجأت السلطات والموريتانيون بعملية اختطاف هي الأعنف مع مطلع آذار/ مارس، تمثلت في فقدان قرابة 30 مواطنا موريتانيا ولم يعرف مصيرهم لحد الساعة، وقد أوفدت مالي خلال الأيام الأخيرة وفدا آخر لموريتانيا ممثلا في وزير خارجيتها، وخرج القوم باتفاق على مراقبة الحدود وتشكيل لجنة تحقيق مشتركة، فيما يبدو قبولا موريتانيا بالأوضاع على ما هي عليه، ولم تطلب السلطات ولم تبد موقفا رسميا من مقاتلي “فاغنر” الذين يتهمون بحسب ما رواه شهود عيان على الحدود بالوقوف وراء عمليات الاختطاف والقتل الأخيرة.

الموقف الفرنسي

2.التحسن المشهود في العلاقات الموريتانية المالية والموقف الفرنسي:
يمكن أن يلاحظ في الفترة الأخيرة من خلال متابعة الأحداث المتسارعة، ورغم عمليات استهداف الموريتانيين في مالي، أن العلاقات الموريتانية –المالية تعيش أزهى فتراتها، من خلال الزيارات المتتالية لوزير الخارجية المالي عبد الله ديوب إلى موريتانيا فقد زار البلاد أربع مرات في غضون شهرين، وكذلك الحالة بالنسبة لرئيس الحكومة المالي شوغل مايغا، كما وقع البلدان في العاصمة نواكشوط منتصف فبراير اتفاقا لتسهيل التبادل التجاري وتلاه تصدير القطن المالي إلى موريتانيا ، بعدها بأيام وقعت العملية الأعنف ضد الموريتانيين، وهو ما يعزز موقف بعض الموريتانيين الذين يحملون فرنسا والجماعات المسلحة المسؤولية عن الحوادث الأخيرة ،كنوع من الضغط على نظام ولد الشيخ الغزواني من أجل الدخول في الصف المناهض لمالي وإغلاق الحدود أسوة بالسنغال وساحل العاج وغيرها، فالعمليات ضد الموريتانيين جاءت من أجل إجبار موريتانيا على إغلاق حدودها، وإبداء موقف رسمي واضح من التدخل الروسي هناك، وقد لمح لذلك بيان الخارجية الموريتانية الذي أكدر رفض موريتانيا القاطع لحصار مالي، في تلميح لفرنسا ومطالبها بموقف موريتاني واضح من الأزمة.

موقف الحياد

3.موريتانيا والخيار بين روسيا ومالي:
اتخذت السلطات في موريتانيا موقف الحياد في الأزمة الأخيرة، وهو نفس الموقف من الأزمة الصحراوية بين المغرب والجزائر، الجارتين العربيتين لموريتانيا، لكن الموقف مختلف هذه المرة والحسابات يجب أن تكون مختلفة، فالصراع الدولي لن يقبل الحياد، وفرنسا ترى في وجود موسكو في مالي والمنطقة تهديدا لمصالحها، وهي التي طالما نهبت خيرات القارة السمراء، وتتحكم شركاتها في جزء من ثروات بلدان من بينها: النيجر وموريتانيا وغيرهما، كما تمتلك حق المطالبة بمديوناتها ومستحقاتها المالية على تلك الدول، ناهيك عن المشاركة في الانقلابات العسكرية، واسقاط نظم إفريقية ولقد بدأت روسيا تلعب نفس اللعبة من خلال دعمها لانقلاب مالي الأخير عام 2020 .
فموريتانيا من هذا المنظور غير قادرة في الوقت الراهن على الوقوف في وجه فرنسا وحلفائها، والانضمام للحلف الروسي –المالي وإن كانت أقرب إليه.
ومن ناحية ثانية هي غير قادرة على الوقوف ضد روسيا نظرا لخطورة وجود مقاتلين روس “فاغنر” قرب مناطقها الحدودية، وهو تهديد وجودي نظرا لخطورة تلك الجماعية ووحشيتها، وتلك ليبيا وإفريقيا الوسطى خير مثال على جرائم المقاتلين الروس أو المرتزقة بحسب التوصيف الأممي لهم.
فهي أمور كلها جعلت نظام ولد الغزواني في حيرة من أمره، بين الحليف القديم والمحتل السابق الذي نهب الخيرات والثروات، وشارك في دعم الجماعات المسلحة في المنطقة “فرنسا” وبين حليف جديد قوي.
فأي موقف سيختار نظام ولد الغزواني؟
وفي أي صف ستكون جارة مالي الشمالية “موريتانيا؟

 محمد المختار الشيخ

كاتب من موريتانيا