لماذا يزعج التوتر المغربي التونسي موريتانيا؟

أربعاء, 09/07/2022 - 01:27

الموريتانيون قلقون جدا هذه الأيام، ليس فقط من حالهم، بل من أحوال جيرانهم كذلك، فالخيوط على أطرافهم باتت تتجمع وتتشابك بسرعة، وهم لا يدرون حقا ما قد تنسجه لهم ولمنطقتهم الشهور، وحتى الأسابيع القليلة المقبلة. ومع أن البعض قد لا يلقي بالا لذلك الأمر، فإن آخرين قد يستبعدون تماما أن يكون مصدر القلق الموريتاني هو التوتر الجديد بين الرباط وتونس، بعد زيارة أمين عام البوليساريو إلى العاصمة التونسية، وقد لا يتصورون أن يكون خوفهم وتوجسهم مما سيترتب عن تلك الزيارة من تداعيات على علاقاتهم بجيرانهم المغاربيين على تلك الدرجة العالية.
ومن المؤكد أن من لم يفهموا أو يقتنعوا بذلك، قد يمضون بعيدا ليقولوا كيف لدولة تعترف بالبوليساريو، وتقيم معها علاقات منذ عقود، ولم تعلن إلى الآن رسميا على الأقل أنها غيرت موقفها التقليدي مما تصفه حيادا إيجابيا في قضية الصحراء، أن تقلق أو تتوجس من زيارة قام بها مسؤول بالجبهة إلى دولة تبعد عنها مئات الكيلومترات؟ لكنّ تأمل الصورة من كل جوانبها ومن أكثر من زاوية، ومن دون اقتطاع أو اجتزاء، قد يدل على أن القلق الموريتاني أعمق وأوسع من أن يختصر فقط في جانب واحد.

موريتانيا كانت أكثر بلد في المنطقة، ظل حريصا باستمرار على الحد من الصراعات والنزاعات الثنائية، خصوصا بين المغرب والجزائر

لقد بدأت موريتانيا تتجاوز للتو أثر الصدمة العنيفة التي أحدثتها تصريحات الأمين العام المستقيل لاتحاد علماء المسلمين أحمد الريسوني، قبل فترة قصيرة، خصوصا تلك التي ذكر فيها أن وجودها كان خطأ، ومع أنه عاد ليؤكد بعدها وفي أكثر من مناسبة، أن ما صدر عنه كان موقفا شخصيا لا يلزم جهة أخرى غيره، إلا أن الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية لم يتردد في وصف تلك التصريحات في وقت لاحق بـ»المنكرة والمستنكرة والمدانة والمشجوبة» مضيفا أنها «ضد شواهد التاريخ وضد شواهد الجغرافيا وضد الشرائع الدولية»، وهذا ما جعل كثيرين يتساءلون عن طبيعة رد فعل نواكشوط على بوادر الأزمة التي ظهرت في علاقة الجارة المغربية مع أول بلد عربي، اعترف باستقلال موريتانيا وهو تونس مغامرا في ذلك الوقت بعلاقته التقليدية القوية مع الرباط. والخميس الماضي أي بعد نحو أسبوع واحد من اندلاع شرارة تلك الأزمة، خرج الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية ليقول هذه المرة، إن «حكومة موريتانيا تتابع باهتمام كبير ما حدث بين تونس والمغرب منذ أيام»، وإنها «حريصة على إشاعة جو السكينة العام، وعلى قوة ومتانة العلاقات بين شعوب المنطقة ودولها». ومع أن العبارات الدبلوماسية كانت تقليدية، إلا أنها لم تحجب قلق الموريتانيين العميق من أن ترتد إليهم تداعيات الزلزال السياسي الذي تسببت به زيارة الأمين العام لجبهة البوليساريو إلى تونس. والسؤال الذي طرح بقوة هو كيف سيتصرفون مع ما بدا اختلالا بيّنا في التوازنات الدقيقة والهشة في المنطقة؟ وإلى أي طرف سترجح كفة ميزانهم يا ترى؟ وهل سيتدخلون مجددا في ما يمكن أن يوصف بعش الدبابير، محولين حيادهم التقليدي إلى أداة قوية للضغط في اتجاه خفض التصعيد بين الجارتين المتصارعتين، أي الجزائر والمغرب، بعد أن ظلوا لسنوات طويلة منكفئين نسبيا على أنفسهم داخل منطقة الظل؟ لقد كانوا يعلمون جيدا أن استقبال قيس سعيد أواخر الشهر الماضي لزعيم جبهة البوليساريو في تونس لن يكون خاتمة القصة، أو سطرها النهائي، بل هو فقط توطئتها الأولى، وجعلتهم تجاربهم الطويلة والمريرة في الوقت نفسه مع النزاع الصحراوي، الذي كاد يعصف بدولتهم، يدركون جيدا أن غضب المغرب واستدعاءه لسفيره للتشاور، لن يعني فقط أن الشرخ قد تعمق واتسع داخل المنطقة المغاربية بأكملها، بل إن هناك تهديدا جديا وقويا قد بدأ يطل برأسه على ما يمكن أن يعتبروه أمنهم القومي. ومن المفارقات الغريبة فعلا أنه عندما كاد المغاربيون أن ينسوا تماما، أن هناك هيكلا رسميا لا يزال يضمهم على الورق على الأقل، وهو اتحاد المغرب العربي، الذي خرج أمينه العام التونسي الطيب البكوش عن صمته الطويل، ليصدر بيانا شديد اللهجة، مقارنة بالطبع مع ما اعتاد إصداره في السابق، ربما في محاولة منه للتبرؤ تماما من أي مسؤولية أو تقصير في التعاطي مع الواقع المحزن للاتحاد، قال فيه إنه «في الوقت الذي سعينا فيه لنصح تونس بالقيام بمبادرة صلحية، إثر قطع العلاقات بين الجزائر والمغرب، ثم لعقد خلوة مغاربية بين وزراء خارجية الدول المغاربية والأمين العام لصالح الحل السياسي في ليبيا، نرى بكل أسف وألم فرصة أخرى تهدر وتغيب فيها المبادرة بمناسبة انعقاد القمة اليابانية الافريقية الثامنة بتونس، وذلك على غرار جهودنا في القمة السابعة في اليابان عام 2019»، قبل أن يضيف «والأدهى أن نفاجأ بأزمة جديدة جعلت العلاقات بين تونس والمغرب تمر بامتحان عسير آخر يضاف إلى ما يعيشه المغرب الكبير من أزمات». وحتى الآن ليس معروفا ما الذي جعل البكوش وهو الذي يبدو أن علاقته ليست جيدة بالرئيس التونسي، يقدم النصح للأخير بالذات للقيام بوساطة بين الجزائر والمغرب، في الوقت الذي يعلم فيه جيدا أنه لن يكون بالنظر لعدة اعتبارات موضوعية قادرا على القيام بها، وما الذي جعله لا يبذل مسعى مماثلا على الأقل مع دولة على تماس وارتباط مباشر بالبلدين وهي موريتانيا، ولا يشير في المقابل، ولو إلى المحاولات الموريتانية العديدة التي بذلت من أجل الدفع نحو المصالحة بين المغاربة والجزائريين؟ إن تصوره، أو اعتقاده أن تونس كانت أقدر من نواكشوط على القيام بتلك المهمة الصعبة لن يكون مبررا. فقد كان واضحا جدا أن موريتانيا كانت أكثر بلد في المنطقة، ظل حريصا باستمرار على الحد من الصراعات والنزاعات الثنائية، خصوصا بين المغرب والجزائر ولسبب بسيط وهو أنها كانت دائما وأبدا هي من تدفع باهظا ثمن أي تصعيد بينهما. ومنذ إعلان استقلالها كانت تدرك جيدا أنه لن يكون من مصلحتها أن تتدهور الأوضاع، أو تسوء كثيرا بين جارتيها، ولأجل ذلك فإنها لم تكن قادرة على الاكتفاء بالصمت، بعد إعلان الجزائر الصيف الماضي عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، لقد قال وزير خارجيتها في ذلك الوقت في مؤتمر صحافي إن موريتانيا تتألم للمستوى الذي وصلت إليه الأزمة بين الجزائر والمغرب، قبل أن يضيف «أعلم أن الجميع هنا وعن حسن نية يسألنا: أين أنتم ولماذا لم تتحركوا، لكن هذا النوع من القضايا يدار بحكمة وبقدر من السرية لمن يريد أن يحقق نتيجة». غير أن الخطر الأكبر الآن هو أن استمرار الأزمة المغربية التونسية ووصولها، لا سمح الله، حد القطيعة الدبلوماسية، ما لم يبق استقبال غالي حدثا عرضيا عابرا، سيجعل موريتانيا في موقف صعب وحرج للغاية، وسيضع حيادها أمام اختبار دقيق. ومن المؤكد أن شعور الموريتانيين بذلك هو ما يزيد من قلقهم وتوجسهم مما ستحمله لهم الأيام المقبلة.

 

 

نزار بولحية

كاتب وصحافي من تونس