كيف ستتعامل موريتانيا مع قنبلة البوليساريو؟

جمعة, 10/06/2023 - 10:02

أن تعترف به في ظروف معينة لا يعني أن نواكشوط لا تتحسب جيدا مما قد يسببه لها البوليساريو من مشاكل أمنية في الأساس، ولأجل ذلك فهي تبدو متيقظة وحذرة في أخذ مسافة واسعة منه، كما بالقدر نفسه أيضا في التقارب أكثر من اللازم معه. وما تحاول أن تفعله باستمرار هو أنها تعمل وعلى قدر استطاعتها على مسك العصا من الوسط. وهذا ما يعطي انطباعا قويا لدى كثيرين عن أن الموريتانيين يسعون إلى كسب الوقت باللعب دائما على حبلين أحدهما مغربي والآخر جزائري. لقد وضعوا نصب أعينهم أن لا يكسروا خطين أحمرين هما، إغضاب المغرب من جهة واستعداء الجزائر ومن ورائها البوليساريو من جهة أخرى.
لكن إن كان السبب الذي جعلهم يلتزمون طوال السنوات الماضية، ما يدعونه حيادا إيجابيا في قضية الصحراء، هو حرصهم على أن يتجنبوا الوقوع من جديد في مستنقع أي مواجهة، أو اشتباك، أو حتى حرب مفتوحة مع أحد أطراف النزاع، فهل أن التزامهم بذلك الموقف الذي سمح لهم بالحفاظ على علاقات متوازنة مع الجارتين الكبيرتين الجزائر والمغرب وجعل حدودهم الشمالية تعيش على مدى العقود الماضية حالة من الاسترخاء والهدوء النسبي، سيضمن لهم، ولو على المدى القصير والمتوسط أن يحصلوا على الاستقرار المنشود، مع بقاء ذلك الملف مفتوحا، وتمركز ميليشيات البوليساريو على مرمى حجر من ترابهم؟ وهل أن المتغيرات الإقليمية، وربما حتى الدولية، ستفرض عليهم إن آجلا أم عاجلا، ورغبوا أم لم يرغبوا بذلك أن يغادروا مواقعهم ويتركوا حيادهم؟

الموريتانيون وضعوا نصب أعينهم أن لا يكسروا خطين أحمرين هما، إغضاب المغرب من جهة واستعداء الجزائر ومن ورائها البوليساريو من جهة أخرى

من المؤكد أنه ليس من قبيل الصدفة أبدا أن تركز صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية اليمينية والقريبة من دوائر القرار في باريس في الحديث الذي أجرته الجمعة الماضي مع الرئيس محمد ولد الغزواني على مصدرين فقط، رأت أنهما قد يشكلان تهديدا قويا للأمن والاستقرار في موريتانيا وهما، الجماعات المسلحة في شمال مالي، والمهاجرون القادمون من دول جنوب الصحراء، ويغيب عنها في المقابل أن تطرح أي سؤال أو استفسار عن مصدر آخر يهدد بلد شنقيط وهو البوليساريو. فما يهم الفرنسيين الآن وبالدرجة الأولى، وفي ظل سلسلة النكسات التي باتوا يتعرضون لها في منطقة الساحل، هو أن يحصلوا على نوع من الدعم الرمزي، ولو كان ذلك من خلال بعض الإشارات الودية التي قد ترفع من معنوياتهم وتعيد لهم قليلا من الاعتبار. ولعل ذلك ما نجح ولد الغزواني، وإلى حد كبير في القيام به في تلك المقابلة، فقد سعى جاهدا للتخفيف من وقع الهزيمة الفرنسية النكراء في النيجر، نافيا أن يكون خروج باريس من نيامي فشلا، أو إذلالا لها ومرددا وفي السياق نفسه، أن الحديث عن مشاعر معادية لفرنسا في تلك المنطقة هو من قبيل «الشعبوية الخبيثة»، وأنه لا وجود بالمعنى الدقيق للكلمة، كما قال، لمثل تلك المشاعر، بل إن كل ما في الأمر هو أن هناك نوعا مما أطلق عليه سوء الفهم الذي يحصل أحيانا بين الأصدقاء القدامى، على حد تعبيره. غير أن السؤال الذي طرحه كثيرون في أعقاب تلك التصريحات داخل وخارج موريتانيا هو، ما الذي دفع الرئيس الموريتاني لأن يحاول الآن بالذات التقرب والتودد لبلد تمر علاقته بالجارتين المغاربيتين لبلاده أي المغرب والجزائر بحالة من الفتور، فيما ترتفع الأصوات في كامل محيطها الإقليمي مطالبة بمراجعة الارتباطات معه في اتجاه التخلص من هيمنته القوية ونفوذه التقليدي على أجزاء واسعة من القارة الافريقية، وفي وقت «تقدم لنا القارة الافريقية صورا متلاحقة لدولها ونخبها تكافح من أجل الاستقلال الثقافي والسيادة ضد دولة انفردت من بين قوى الاستعمار القديم بفعل ما بوسعها لإبادة مستعمراتها ثقافيا ولغويا»، مثلما كتب ذلك رئيس حزب الصواب الموريتاني على صفحته على فيسبوك؟ إن الترحيب الموريتاني هنا في فرنسا يبدو خارج ذلك السياق تماما. والثابت أن ما يعرفه الموريتانيون جيدا هو أن بلدهم بات اليوم محط أنظار العالم، وأن القوى الكبرى صارت تتسابق لخطب وده، كما كتبت أواخر الشهر الماضي مجلة «فورين بوليسي» وذلك بالنظر على الاقل لكونه «دولة مستقرة في غرب افريقيا، وتتمتع بإمدادات طاقة حيوية وموقع ذي قيمة استراتيجية»، حسبما جاء في المجلة. لكن أكبر هاجس قد يشغلهم الآن هو ليس فقط أن يحسنوا التعامل مع الفرص التي يتيحها لهم ذلك الوضع ويحاولوا الاستفادة منها للحد الأقصى، وبما يخدم مصالحهم قبل أي شيء آخر، بل أن يسعوا أيضا إلى الابتعاد عن دائرة العواصف التي تضرب من حولهم بقوة حتى لا تبتلعهم وتدخلهم في المجهول، وليس هناك شك في أنه من الطبيعي جدا في تلك الحالة أن يشعروا بالقلق مما يجري في أكثر من دولة افريقية قريبة منهم. غير أن ذلك الأمر قد لا يجعلهم يغضون الطرف، أو يتغافلون عن خطر لطالما مثل لهم بعد إعلان استقلالهم واعتراف المغرب بدولتهم، أكبر تهديد لوحدة أراضيهم وهو خطر البوليساريو، فالروابط العرقية والثقافية الوثيقة التي تجمعهم بالصحراويين لا تجعلهم يغفلون، أو ينسون أن عاصمتهم كانت أواخر السبعينيات قاب قوسين أو أدنى من السقوط تحت سيطرة ذلك التنظيم المسلح، لولا أن تدخل الطيران الحربي الفرنسي في آخر لحظة، وقدم لهم الدعم ووقف إلى جانب قواتهم. وربما في جانب ما قد يجعلهم ذلك يشعرون بنوع من الامتنان لباريس، لكن هل كان الغرض الخفي ربما من عبارات ولد الغزواني الودية نحو فرنسا، هو التلميح لما تفرضه عليها واجبات الصداقة الوثيقة، من ضرورة الاستمرار في تقديم الدعم إلى موريتانيا في حال ما إذا وجدت نفسها داخل أتون معركة، أو حرب قد تشن عليها من جانب البوليساريو لسبب أو لآخر؟
وربما قد يقول قائل هنا، وما الذي يمكن أن يدفع الجبهة لأن تهاجم دولة تعترف بها وتقيم معها علاقات وليست في حالة حرب معها؟ إن الفرضية الوحيدة التي يمكن أن يحصل فيها ذلك هي في حال ما إذا قرر البوليساريو توسيع نطاق المواجهات مع المغرب ونقلها من الصحراء إلى داخل موريتانيا وطالبها الموريتانيون في تلك الحالة بسحب قواتها، أو الالتزام بعدم القيام بأي عمل عسكري انطلاقا من أراضيها. وما حصل في السنوات والشهور الأخيرة يدل على أن مثل ذلك السيناريو ليس بالأمر الخيالي، أو المستبعد. فما حصل في منطقة الكركرات قبل ثلاث سنوات حين قام منتسبون له بغلق الطريق الوحيدة التي تربط المغرب بموريتانيا، ربما يتكرر وبأشكال أخرى وقد يترتب عنه جر الموريتانيين بطريقة ما إلى الدخول مباشرة في النزاع الصحراوي. لكن السؤال هو، هل ستكون فرنسا في تلك الحالة هي طوق النجاة المثالي لموريتانيا؟ أم أنه بإمكان الموريتانيين أن يعتمدوا أيضا على أصدقاء آخرين من خارج أوروبا؟ المؤكد أن تخلصهم من واحدة من القنابل الموقوتة وهي قنبلة البوليساريو لن يكون بالعمل الهين.

 

نزار بولحية

كاتب وصحافي من تونس