اقتناء موريتانيا "المسيرات".. لمن رسالة الردع؟

أربعاء, 06/12/2024 - 10:46

جاء إعلان نواكشوط عن اقتناء الجيش الموريتاني طائرات مسيرة قادرة على تغطية كل التراب الوطني، إشارة إلى زيادة التحفز للقلاقل على الحدود مع مالي، خاصة مع اتهامات منسوبة لقوات مالية ومجموعة "فاغنر" الروسية بشن هجمات ضد موريتانيين.

ووفق سياسيين ومحللين سياسيين، فإن هذه الخطوة تلمح لتأثير وجود "فاغنر" على دول الساحل والصحراء (بوسط وغرب إفريقيا)، في تحويلها إلى محور للتسلح والصراع بالوكالة، مع سعي الولايات المتحدة ودول في أوروبا لوقف تقدم النفوذ الروسي هناك.

وأعلنت الرئاسة الموريتانية في بيان نشرته على موقعها، مساء الأحد، أن رئيس البلاد، محمد ولد الشيخ الغواني، "تفقد نماذج من العتاد العسكري الذي تم اقتناؤه مؤخرا، في إطار تحديث هيكلة مختلف الجيوش البرية والجوية والبحرية".

 

ومن ضمن الترسانة الجديدة على سبيل المثال لا الحصر، وفق البيان، "وحدات مدرعة وأخرى مدفعية ميدانية، ووحدات مضادة للدروع وأخرى مضادة للطائرات، ومحطات رادار، ومسيرات استطلاع وهجوم ذات فعالية عالية جدا، وقادرة على تغطية كامل الحوزة الترابية الوطنية، بما في ذلك المياه الإقليمية على مدار الساعة".

ولم يتحدث البيان عن نوع هذه الطائرات، أو عددها، أو مصدرها أو معلومات أخرى بشأنها.

 

تحفز على الحدود

جاء الإعلان عن الطائرات المسيرة بعد أسابيع من تنفيذ الجيش الموريتاني تدريبات عسكرية على الحدود مع مالي في 4 مايو الماضي؛ لتقييم جاهزية الوحدات القتالية، بعد عبور أفراد من الجيش المالي و"فاغنر" الحدود الموريتانية، وقالت وسائل إعلام موريتانية إن ذلك كان عن "طريق الخطأ".

وقبل ذلك، حذر المتحدث باسم الحكومة الموريتانية، الناني ولد أشروقه، في 9 أبريل، خلال مؤتمر صحفي، من أن القوات الموريتانية "ستوجه ضربة قاسية لكل من يحاول الدخول عمدا إلى حدودنا".

كما يأتي هذا الإعلان وسط احتقان بين موريتانيا ومالي مع توالي أنباء عن وفاة موريتانيين في مالي، في حوادث منسوبة إلى القوات المالية و"فاغنر"، وبلغ عدد المتوفين 43 شخصا خلال عملياتهم ضد الحركات المسلحة المتمردة، فسرها متخصصون بأن القوات المالية و"فاغنر" لا يميزون بين الماليين والموريتانيين القاطنين قرب الحدود؛ نتيجة التداخل العرقي.

وفي أبريل ومايو، تتابعت زيارات متبادلة لمسؤولين بين البلدين؛ حيث زار وزير الخارجية المالي، عبد الله ديوب، ووزير الدفاع، العقيد ساديو كامارا، نواكشوط لتهدئة الوضع.

 أعقبها، في 20 أبريل، زيارة قام بها وزير الدفاع الموريتاني، حنن ولد سيدي، إلى باماكو، للاجتماع مع رئيس المجلس العسكري، عاصمي غويتا. وفي 9 مايو، استقبل وزير الدفاع الموريتاني، حنن ولد سيدي، قائد أركان الجيش المالي، الفريق عمر ديارا، لبحث المشاكل الأمنية على الحدود، وإيجاد حلول مناسبة، وفق وسائل إعلام موريتانية.

ولعقود من الزمن، اتسمت علاقات البلدين بالود، إلا أنه في الحرب التي يخوضها الجيش المالي، بالتعاون مع "فاغنر" ضد جماعات متمردة وإرهابية في شمال مالي، قرب الحدود الواسعة الممتدة على مساحة 2237 كم، نجمت عنها توترات؛ حيث يُتهم الجانب المالي بأنه دخل قرى يقطنها موريتانيون.

"تحت السيطرة"

يعلق المحلل السياسي في مؤسسة "ميد أور" الإيطالية، دانييلي روفينيتي، بأن قوات المجلس العسكري المالي ربما نفذت مع الفيلق الإفريقي الروسي عمليات تشكل انتهاكا لسيادة موريتانيا، وردا على ذلك، قد تقرر موريتانيا اتخاذ أشكال من الردع والاحتواء، خاصة أنه يبدو أن المحادثات التي جرت بينهما على مدار شهر لم تكن كافية.

إلا أن المحلل السياسي يتوقع أنه رغم تصاعد التوترات، فإن الوضع سيبقى تحت السيطرة، مع دور موريتانيا كرئيسة للاتحاد الإفريقي هذا العام، وربما كذلك لأن الولايات المتحدة الأميركية لا مصلحة لها في بدء صراع جديد في المنطقة.

 

 رسالة لمالي

وعن إعلان نواكشوط اقتناء الجيش الطائرات المسيرة، يقول ممثل تنسيقية الحركات الوطنية الأزوادية في موريتانيا، سيد بن بيلا، إن هذا "وسيلة للردع"، وكذلك "رسالة للماليين بأنه ليسوا وحدهم من يمتلكون هذه التكنولوجيا الحديثة، وأنه من الضروري وقف التصعيد، ووقف استفزاز الموريتانيين، والابتعاد عن اختبار صبرهم".

وفي تقدير السياسي المعني بملف الحركات الأزوادية المتمردة في شمال مالي، والتي تدور من وقت لآخر مواجهات مسلحة بينها وبين الجيش المالي و"فاغنر"، فإن التوتر على الحدود "ربما يكون محاولة من الماليين لجذب الموريتانيين للاشتراك معهم في مواجهة الأزواديين، لكن من المؤكد أن الجانب الموريتاني لن يلتفت إلى هذه المواجهة التي لا تخصه مباشرة".

ويقع إقليم أزواد في شمال مالي على الحدود بين البلدين، وكانت حركات مسلحة سيطرت عليه؛ سعيا إلى الحكم الذاتي أو الانفصال، ونشبت نتيجة لذلك معارك بينها وبين الجيش عام 2012، انتهت باتفاقية الجزائر للسلام عام 2015، ثم عادت المعارك مرة أخرى أغسطس 2023، وانتهت بسيطرة الجيش على الوضع في نوفمبر.

ونتيجة لهذا الصراع، تستضيف موريتانيا أكثر من 91263 ماليا يعيشون في مخيمات بمنطقة الحوض الشرقي الحدودية في جنوب شرق البلاد، وفقا لبرنامج الأغذية العالمي.