عبد الباري عطوان/ كيف بدأ السّحر الأسود ينقلب على أصحابه: الإسرائيليّون إلى كندا والفِلسطينيّون إلى حيفا والجليل؟

ثلاثاء, 06/25/2024 - 01:30

كيف بدأ السّحر الأسود ينقلب على أصحابه: الإسرائيليّون إلى كندا والفِلسطينيّون إلى حيفا والجليل؟ ما هي كلمات “السيّد” الأربع التي تُعَجّل بالهجرة المُعاكسة وتُضاعِفها؟

 

لندع الأكاذيب الدّعائيّة جانبًا، وخاصَّةً تِكرار بنيامين نتنياهو أكثر من مرّةٍ بأنّ الهدف من هُجومه، وحرب إبادته في قطاع غزة هو الانتصار المُطلق، المُتمثّل في استِعادِة الأسرى، والقضاء كُلِّيًّا على حركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس”، ونُؤكّد أنّ الهدف الحقيقيّ هو إخلاء القطاع من جميع سُكّانه، وتهجير مِليونين من أبنائه، سواءً إلى صحراء سيناء المِصريّة، أو قَسْرًا إلى مناطقٍ أُخرى من العالم مِثل الولايات المتحدة الأمريكيّة وكندا وأوروبا وأستراليا، وهو الهدف الذي يتقدّم على كُلّ الأهداف الأُخرى، وجاءت تصريحات جاريد كوشنر صِهر الرئيس ترامب ومُستشاره، وسِمسار العقارات الأشهر في الولايات المتحدة التي تغنّى فيها عن القيمة الماليّة العالية جدًّا للواجهة السّاحليّة للقطاع، ومخزون الغاز الضّخم في جوفه، ليفضح بذلك مُخطّط مُعلّمه وصديق عائلته نتنياهو، ولكن يبدو أنّ السّحر بدأ ينقلب على السّاحر الإسرائيلي وسماسرته الصّهاينة في العالم.

***

نشرح أكثر ونقول إنّ الهجرة الفِعليّة المُعاكسة بدأت تتجسّد، وبشَكلٍ مُتسارع هذه الأيّام في هُروب مِئات الآلاف من الإسرائيليين إلى مناطق لُجوءٍ “آمنة” في أوروبا وأمريكا الشماليّة، سواءً باستعادة جنسيّاتهم، وأجدادهم في أوروبا، وألمانيا خُصوصًا، أو البحث عن جنسيّاتٍ جديدةٍ في بُلدانٍ أُخرى.

موقع “واللا” الإسرائيلي القريب من أجهزة الاستخبارات العسكريّة والأمنيّة المدنيّة، كشف اليوم الأحد أنّ الحُكومة الكنديّة، وبضَغطٍ من اللّوبي اليهودي القوي، عرضت على الإسرائيليين، خاصَّةً في شِمال فِلسطين المُحتلّة، تأشيرة هجرة، سواءً للعمل أو الدّراسة لمُدّة ثلاث سنوات بسبب تدهور الأوضاع الأمنيّة، وإطلاق حزب الله أكثر من 5000 صاروخ مُنذ بداية الحرب على مُستوطنات الجليل ممّا حوّلها إلى كُتلةٍ من اللّهب (حرقت 80 ألف دونم) ونزوح أكثر من 200 ألف مُستوطن حتّى الآن إلى الوسط الفِلسطيني المُحتل، يرفض مُعظمهم العودة إلى مُستوطناتهم خوفًا ورُعبًا.

موقع إلكتروني كندي أسّسته سيّدة إسرائيليّة هاجرت إلى كندا عام 2019 لمُساعدة أبناء جِلدتها على الهجرة إلى كندا، أكّد هجرة مِئات الآلاف من الإسرائيليين مُنذ “طُوفان الأقصى” في السّابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023.

أربعة تطوّرات رئيسيّة ستدفع بمُضاعفة أرقام الهجرة الجماعيّة للإسرائيليين في الأيّام والأسابيع المُقبلة:

الأوّل: هدهد السيّد نصر الله، والفيديو الذي صوّره أثناء تحليقه لمُدّة 9 ساعات فوق حيفا وجِوار حيفا، وتضمّن رصدًا دقيقًا لمحطّات الطّاقة، ومِن بينها مولّدات الكهرباء والمصافي النفطيّة، ومطار اللّد (بن غوريون) ومينائيّ أسدود والقواعد البحريّة في حيفا، وأُخرى عسكريّة في الجليل الأعلى.

الثاني: المقطع الأخير في خطاب السيّد نصر الله الأخير الذي تضمّن ثلاث عبارات وردت في الفقرة التي قال فيها في حال اندلاع الحرب “سنُقاتل بلا ضوابط ولا قواعد، وبلا سقف”، وهذا معناه حسب تفسيرنا “أنّه لن يكون هُناك أيّ تفرقة بين العسكري والمدني” في قصف البُنى التحتيّة.

الثالث: تأكيد مسؤول الكهرباء الأعلى في دولة الاحتلال بأنّ أيّ قصفٍ صاروخيٍّ لمحطّات الكهرباء سيعني أنّ “إسرائيل” ستكون غير قابلة للحياة، لأنّ كُل شيء منها يعتمد على الطّاقة، وزيادة الإقبال بنسبة 400 بالمئة على شِراء المولّدات المنزليّة الصّغيرة لن يكون كافيًا، واتّفق إيلي كوهين وزير الطّاقة الإسرائيلي مع هذه الحقيقة عندما قال اليوم الأحد: “مُنشآت الطّاقة الإسرائيليّة مُهَدَّدَةٌ بالدّمار والتوقّف كُلّيًّا في حال اندلاع الحرب الواسعة مع حزب الله في الشّمال”.

الرابع: إطلاق حزب الله طائرة مُسيّرة “هدهد ثانية” عالية الدّقّة فوق مِنطقة تضم مصنعًا أمنيًّا ومُنشآت عسكريّة بالجليل الأسفل المُحتل، ممّا زادَ من الهلع الإسرائيليّ من خطط الحزب في الأيّام القليلة المُقبلة.

***

نِصف مِليون إسرائيلي غادروا فِلسطين المُحتلّة بشكلٍ نهائيّ في الأشهر الستّة الأولى من بدء هُجوم “طُوفان الأقصى”، ولا نستبعد أن يكون هذا الرّقم (550000) الذي ورد في أكثر من صحيفةٍ عبريّة قد تضاعف مرّتين مع قُرب إكمالها (الحرب) الشّهر التّاسع بعد أيّامٍ قليلة، والتّصعيد الصّاروخيّ لحزب الله على الجبهة الشّماليّة.

سُبحان مُغيّر الأحوال: الإسرائيليّون إلى كندا والفِلسطينيّون أبناء الأرض الأصليين إلى الجليل وحيفا وعكا وصفد ويافا وأسدود والسبع والقدس، وباقي المُدُن والقُرى والبلدات الفِلسطينيّة المُحتلّة، إنّه حُلُمٌ عِشناه 76 عامًا، بدأ يتحوّل إلى حقيقة، والفضل لرجال المُقاومة في غزة والضفّة ولبنان ولا يُمكن أنْ ننْسى اليمن والعِراق، وعمليّاتهم المُشتركة التي باتت ترتقي إلى مُستوى قصف حاملات الطّائرات الأمريكيّة وليس السُّفُن فقط.

عَودَتنا كلاجئين في الوطن والشّتات باتت قريبةً جدًّا، وعلى مرمى صاروخٍ دقيقٍ واحِد مُبارك من جنوب لبنان، ولا عزاء للقبب الحديديّة والباتريوت.. والأيّام بيننا.