إصلاح التعليم العالي بين أزمة الترميم و جدليتي التبرير والتمرير

أربعاء, 04/20/2016 - 21:57

بسم الله الرحمن الرحيم

لاجدال في أن مؤشر النمو والتقدم يقاس في الشعوب والأمم بمستوى أداء وجودة التعليم، وأن ظرف الحصاد في هذا الأخير هو في مرحلة التعليم العالي وحرمه، من جامعات ومعاهد ومراكزبحث ...

من هذا المنطلق يشرع تسليط الضوء على ما يجري الحديث عنه مؤخرا باهتمام ويروج له بعناية، مما سمي [مشروع إصلاح التعليم العالي].

 فهل هو مشروع ينم بالفعل عن عمل علمي صادق وجاد، يستحق الذكر والإشادة؟

 أم هومجرد دعوى يُتوسل بها لتغيير أوتبديل النصوص، لحاجة في النفوس؟

وهل يفهم من مضمون هذا المشروع ـ عند القائمين عليه ـ فساد تركة الأسلاف في ماضي القطاع؟ وإذا كان ذلك كذلك فهل كتب قدرا على هذه الوزارة أن يلعن من يستوزر بها أسلافه؟

وهل للإفراط في سوء استغلال مركز النفوذ دور في تفاقم أزمة التعليم العالي في الوقت الحالي؟

من الدواعي لإثارة هذا الموضوع ـ وما أكثرها ـ أنه لم يشهد قطاع في الآونة الأخيرة، ما شهده قطاع التعليم العالي، من عدم استقرار في النظم والقرارات والمراسيم والإجراءات، التي بلغت ذروتها في ظل سيادة معالي وزيرالتعليم العالي الحالي، ولازال يعد بالمزيد الأشمل الأوسع نطاقا، كما ورد في خرجاته الأخيرة، والدعوى العريضة: (إصلاح التعليم العالي!؟).

 فعن أي إصلاح يتم الحديث؟ وهل تحقق على أرض الواقع ما يبررهذه الدعوى؟ وهل مجرد إلغاء أوتعديل أوتكميل ترتيبات النصوص لتتلاءم مع مقاسات غير خافية كفيل بإصلاح  شيء؟ أحرى إصلاح التعليم العالي؟

قبل الخوض فيما تثيره هذه التساؤلات، وما يشرع أن توضع أمامه علامات استفهام، من أمور تتعلق بالتعليم العالي مؤخرا، لابد من الاعتراف بمجهودات وزير التعليم العالي الحالي، وتحديدا في إصداره لكتاب: الدليل الإحصائي، ولو أن أساس المعطيات فيه، تتعلق فقط بمعلومات عن الطلاب والمدرسين والتعليم العالي الخصوصي، إلا أن نشر مثل هذه الإحصائيات سيمكن ـ بحسب معالي الوزير ـ من حساب وتحيين مؤشرات التعليم العالي.

 وستكون متاحة في حوليات منظمات دولية كاليونيسكو والإيسيسكو والأليسكو وغيرها، مما سيتيح مزيدا من التعريف ببلادنا، ومنظومتها للتعليم العالي وهذا شيء مهم، وأمر سيتحق الإشادة والشكر لسيادة معالي الوزير.

 بيد أن رصد ميزانية محترمة لإنشاء وزارة هامة، بإمكانات بشرية ولوجستية لايستهان بها، وتعيين إطار كفء يحمل شهادة الدكتوراه وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي، يستدعي من النتائج أكثر من صدور كتاب بحجم الدليل الإحصائي آنف الذكر، إذ يصدر في موضوعه ـ يوميا ـ عن مؤسسات صغيرة وأحيانا عن أفراد ـ تعوزهم الإمكانات ـ ما هو أهم منه، مما هوبحجمه أو أكبر.

صحيح أن مارافق صدورهذا الدليل من تطبيل وتزمير، يمكن أن يسوغه كونه سابقة من نوعه في هذه الوزارة، التي طال انتظارأن تنتج شيئا.

ولسائل من دافعي الضرائب أن يسأل: وبعد؟

فليته كان للمشروع (الكبير) الذي تحدث عنه كثيرا سيادة معالي وزير التعليم العالي الحالي، ولوى لأجله أعناق نصوص قانونية عديدة، ويعد بالمزيد...

 ليت لهذا (المشروع) انعكاسا ملموسا على:

المنظومة التربوية! أو تطوير للقدرات العلمية للعاملين في الميدان!

أو كان له نهوض بمستوى البحث العلمي في المؤسسات الجامعية ومراكز البحث!

ـ أو مردودية مالية توفر ما يمكن أن يساهم في سد بعض الخلل البيّن!

 وليت للمستهدفين من الطلاب محل في (الخارطة)، سواء تعلق الأمر بـ:

المناهج الدراسية أو الأبحاث العلمية!

أوتعلق الأمر بالمنح الدراسية (الداخلية أوالخارجية)!

أوتعلق بتحسين ظروف وخدمات السكن والنقل الجامعي!

أوتحديث وإثراء المكتبات الجامعية!

أوإنشاء وتطوير البنى التحتية للمختبرات!

أوإعداد وتطوير مايلائم الأنشطة الثقافية والرياضية للشباب في مؤسسات التعليم العالي دون استثناء!.

 وليته كان للأساتذة المتعاونين ـ في هذا (المشروع الموعود) ـ وعد أو مجرد ذكر، هذا الطاقم الذي يتحمل العبء الأكبر من عملية التدريس والتأطيرداخل المؤسسات الجامعية، وتستغل قدراته ومجهوداته العلمية وطاقاته البشرية، مقابل تعويضات زهيدة لاتسمن ولاتغني من جوع!

وليت ـ كذلك ـ لهذا (المشروع القديم الجديد) أثرا ـ مهما كان ـ في استيعاب جزء ـ ولويسيرـ من بطالة الشباب حملة الشهادات العليا، من ذوي الكفاءات العالية في مختلف التخصصات، الذين أحالتهم سياسة وتسيير وزير التعليم العالي الحالي للقطاع، عديمي الجدوى والوجود ـ للأسف ـ إلا في المقاهي ومقرات التآشر، في مكاتب ومقرات سفارات الدول الأجنبية في الداخل والخارج، وفي مقدمتها تلك التي صرّح معاليه في بعض الحفلات ـ على سبيل الفخر والإعتزاز ـ بأنه ـ شخصيا ـ من صناعتها، وأن ولاءه سيظل لها، بقي في الحكومة الحالية أو خرج منها، استمر مع هذا النظام أو انفصل عنه.

ولئن كان كل ذلك داخل ـ بالنسبة للمعني ـ في دائرة الإمكان، إلا أن الثابت ـ حسب ما نقل من تصريحاته ـ هو ولاؤه للدولة الأجنبية الصنيعة (فرنسا).

 ونحن نحترم القناعات والاختيارات الشخصية، ولو لم يكن مدار الحديث حول شخصية اعتبارية، تناط بها مصالح البلاد والعباد المسندة لهذا القطاع، لما كان للتعريج على مثل هذه الأمور محل عندنا، لكن مسّنا وأهلنا الضر بسببها، لأن معاليه يمثلنا، مادام على رأس قطاع من أهم القطاعات المعبِّرة عن ثقافتنا وتوجهاتنا، وتصريحاته محسوبة علينا، شئنا ذلك أم أبينا.

وكنا نتمنّى من معاليه أن لايقتصر إعجابه بمَثَله الأعلى (فرنسا) على الجانب العاطفي، أو المصلحة الشخصية المجردة، ولو تعلق الأمر بغير ذلك لحق لمعاليه أن يفخر بكونه )صناعة فرنسية(، أويفتخربمثاله الأعلى، وحينها لا لوم ولاعتب عليه.

 لأنه في فرنسا ـ تحديدا ـ يوجد تقديرعال للكفاءات، واحترام تام للمصلحة العامة، واعتباركبيرللمصالح الفردية المكتسبة، وبالذات ما يتعلق منها بالمدرّسين.

 وفي فرنسا لايمكن لوزير للتعليم العالي، أن يقف عقبة ـ كأداء ـ في وجه ترقية مهنية داخل أسلاك الوظيفة العمومية، بعد قبول وموافقة وزير الوظيفة العمومية ومعاونيه لها، خصوصا إن توفرت لمستحقيها الكفاءات بحصولهم على شهادات عليا في ظل مقررات تدريب.

 لأنه في فرنسا تحترم قرارات الدولة ونظمها، مجسدة في استمرارية الإدارة والمساواة بين المواطنين، فلا يتصور في فرنسا ـ مثلا ـ أن يوضع موظفون بقرارات وزارية في حالة تدريب، ويحصلون على شهادات عليا بمقتضاها، وتتم ترقية البعض منهم على أساسها، ويحرم منها آخرون لهم نفس الصفة والوضعية والحالات المتماثلة، وبالتالي ذات الحقوق.

ولاسبيل لمعاليه أن يثبت لنا ـ بوجه من الوجوه ـ أنه قد يوجد في فرنسا مايماثل الظلم الممارس في هذه القضية، المتمثِّل في التمييز وعدم المساواة بين أصحاب الحق الواحد.

والمفارقة الغريبة أن ما يمارس علينا ـ في هذه الحالة ـ من تمييز، يجهل المسؤولون عنه أو يتجاهلون، أنهم ـ بسببه ـ يقومون بخرق سافر ـ إن لم نقل هدم بيّن ـ لالتزامات الإدارة المنصوص عليها في المادة:2 من الأمر القانوني رقم:025/2007 ، بتاريخ 09 ابريل 2007.

وهي المادة المعنية بـ:(المساواة بين المواطنين)، المندرجة في: الباب الثاني المتعلق بــ: (واجبات والتزامات الإدارة) من ذات الأمر القانوني.

 ونص المادة :

[يجب على الإدارة العامة احترام وحماية المساواة بين كافة المواطنين أمام القانون، بالتالي فإن معالجتها للحالات المتماثلة للمستفيدين يجب أن تكون متساوية].

من هذا المنطلق لا شيء يسوغ ـ قانونا ـ تعطيل حقنا في الترقية والدمج في سلك التعليم العالي، بعدما تمت ترقية ودمج البعض منا، لذات الأدلة والمثبتات التي يدلي بها الباقون.

أما نحن فلم نجد من مبررلذلك، سوى أن وزيرا حل محله آخر، وللخلف أجندته وتأويلاته الشخصية واعتباراته الذاتية، التي يجد عقدة في التراجع عنها، بعدما اتّضح له الحق.

 وهو شديد التعصب لها بالرغم من تعارضها مع منطوق وروح النصوص، ومقتضيات المصلحة العامة، ومستلزمات حقوق الأفراد المكتسبة!

فهذا المنطق ـ غير المعلل ولا الوجيه (المقصي للشفافية)، يضرب ـ كذلك ـ عرض الحائط بالمادة:6 من الأمر القانوني سالف الذكر التي تقول بالحرف:

[يجب أن تؤخذ القرارات الإدارية وفقا لإجراءات شفافة بسيطة ومفهومة وأن تكون مبررة بأسباب معللة وجيهة].

وكم تمنينا أن نحظى ـ كالفرنسيين ـ بوزارة للتعليم العالي، لامجال فيها للبدء من نقطة الصفر، في كل مرة يحل فيها مسؤول جديد محل آخر، وكأن القطاع ولد مع وجود المسؤول الجديد، وترك له الحبل على الغارب يسلّط سلطته التقديرية يمنة ويسرة، بحق وبغير حق.

 ولابأس ـ في هذا السياق ـ من تذكير سيادة المعالي بأنه في فرنسا لامكان للتعالي، ولي الذراع أثناء ممارسة العمل، ولامجال لسد الأبواب أمام النقابات العمالية والطلابية، والمنتخبين ورؤساء الأحزاب، والشخصيات الأدبية المشهورة، ولاحتى عن الأفراد والعمال العاديين.

 ذلك أن انسيابية العمل وأداء الحقوق لمستحقيها في فرنسا، لايدع مجالا للحاجة لسياسة  الأبواب الموصدة، والإجراءات الشكلية غير المسبوقة، التي يُلزم بها كل من تعلق له حق في طلب مقابلة سيادة معالي وزير التعليم العالي عندنا.

 فكان الأولى بسيادة معاليه ـ في نظرنا ـ تقليد فرنسا إيجابيا، والإعجاب بها في الجوانب المضيئة المفيدة.

 ولئن كانت القائمة تطول عن الحصر في مقال موجز كهذا، إلا أنه لامناص ـ قبل ختم محل الاستشهاد ـ من تذكير معالي وزير التعليم العالي الحالي، بأنه في فرنسا (مثاله الأعلى)، لايمكن تصور وزير للتعليم العالي يكرر التصريح ـ علنا ـ أمام الأساتذة والنقابات والهيآت، في لقاء رسمي داخل حرمين جامعيين في مؤسستين مختلفين، بأنه طلب من [الرئيس] أن لايَصدُر حكمٌ قضائي لصالح أي متظلم أمام القضاء، من الموظفين حملة الشهادات العليا، الحاصلين عليها في ظل مقررات تدريب، العالقة قضاياهم أمام القضاء والإدارة، قبل صدور ونفاذ المرسوم:126/2006.

 و قد اختلف في تأويل قصد معالي وزير التعليم العالي الحالي بكلمة: [الرئيس]؟

 هل هو رئيس المحكمة العليا؟ أم هو رئيس الجمهورية؟

فإن كان معاليه يقصد رئيس المحكمة العليا، فهذه مستبعدة بل إنها مستغربة، لأن السيد رئيس المحكمة العليا الحالي كان معلّما، وحصل على شهادة عليا، ولمّا لم تنصفه الإدارة ـ حينها ـ تظلّم أمام القضاء، فصدر له حكم انتقل بموجبه من سلك التعليم الأساسي إلى سلك التعليم العالي.

وحديثنا ـ في هذه النقطة ـ يصدر عن وثائق رسمية محفوظة بتفاصيلها، ونتمنّى أن لا نضطر لنشرها، ونشرما رافقها من ملابسات في منتهى الغرابة.

 وبصرف النظر عن التفاصيل والجزئيات، فلا شيء يمنع أن ينال موظف حقّه في الترقية المهنية، داخل أسلاك الوظيفة العمومية ـ بعد حصوله على حكم قضائي ـ إثر تظلّمه أمام قضاء مستقل عادل ، حين  يئس من إنصاف الإدارة له!.

فقد صدرت أحكام قضائية عديدة ـ إضافة إلى ماذكر ـ لصالح معلمين وأساتذة إعداديات وثانويات ـ وغيرهم ـ رُقّوا كلهم بسببها للتعليم العالي.

 يشهد لذلك أن جل الأساتذة الدائمين في مؤسساتنا الجامعية، هم من هذه الفئات في الأصل، وذلك أمر طبيعي ما دام للترقية المهنية داخل أسلاك الوظيفة العمومية معنى، ولحقوق الموظفين المكتسبة اعتبار، وللكفاءات والشهادات العليا والخبرة التربوية تقدير.

 ومن دواعي استبعادنا ـ كذلك ـ لاحتمال السيد/ رئيس المحمة العليا، أنه لايمكننا استيعاب أن يعمد هذا الأخير إلى الكيل بمكيالين مستسيغا كون الترقية المهنية من باب الأحكام القضائية المنصِفِة لمن لم تنصِفْه الإدارة:[حلال له.. حرام على غيره]!

هذا من جهة.. أما من جهة ثانية وعلى تقدير أن المقصود بكلمة [الرئيس] في تصريح معالي وزير التعليم العالي الحالي سيادة رئيس الجمهورية السيد/ محمد ولد عبد العزيزفهذه أكبر من أختها لجملة اعتبارات نوجزأهمها في:

1 ـ أن سيادة رئيس الجمهورية: السيد/ محمد ولد عبد العزيز صرّح ـ أكثر من مرة ـ بوجوب استقلال القضاء، وضرورة عدم تعطيل الحقوق عن ذويها لأي سبب كان، وعليه فنسبة توجيه هذا النوع من منكرات الطلبات إليه إساءة وإهانة، ونحن ننزِّه سيادة رئيس الجمهورية أن يتجرأ عليه مسؤول ـ تحت أي ظرف ـ ليطلب منه العمل على تعطيل القضاء، وإبطال حقوق المواطنين المظلومين ...

 وإننا لنبرأ مما ورد من لبس ـ في تصريحات معالي وزير التعليم العالي الحالي ـ يضع احتمال كون المقصود بكلمة [الرئيس] المعبَّربها من طرف معالي الوزير. هو:سيادة رئيس الجمهورية!.

2 ـ أنه على افتراض صحة دعوى المدَّعي(معالي الوزير)، فمن اللافت أن يبوح مسؤول ـ رفيع المستوى ـ بإفشاء أمر خطير ـ جدا ـ كهذا، في لقاءات رسمية  تضم جما غفيرا من: الأطر و الباحثين والدكاترة، والأساتذة من ممثلي نقابات وهيآت العاملين في حقل التعليم العالي...

3 ـ أن في منطوق ومفهوم تصريح معالي الوزير ـ إن صح التقدير الثاني ـ تعطيلا لمؤسسة القضاء، ورميا لها بالتخلي عن دورها في فضّ النزاعات، وإحقاق الحقوق وتكريس العدل.

وقد تنبّه إلى وجه الخطورة ـ في حمولة تعبير معالي الوزيرـ أحد الأساتذة وهو: أمين عام لبعض نقابات التعليم العالي، فبادر في بعض اللقاءات المذكورة،  بالاعتراض على تصريح معالي الوزير، سائلا إياه:

هل ما عبّر به في تصريحه مجرد(زلة لسان)؟ أم أنه خَبَر تعززه قناعة شخصية؟ مفادها أن القضاء مسدود أمام المتظلّمين، المشمولين بملف ترقية ودمج بعض الكفاءات حملة الشهادات العليا، من بعض أسلاك التعليم (الأساسي والثانوي) في سلك: التعليم العالي، حتى لو كانت ملفاتهم مستوفية للشروط مكتملة للإجراءات؟

وهل صدرت للقضاء ـ فعلا حسب صريح تصريحه ـ أوامر بذلك؟ وعلى هذا التقدير:

أين وجه استقلالية القضاء، التي هي مبدأ دستوري؟ وأين مظهرعدالته؟

وهل من الممكن تصوّر استقرار على افتراض كون هذا الوضع واقعا؟

تحاشى سيادة معالي وزير التعليم العالي الحالي الإجابة عن هذه التساؤلات الموغلة في الإحراج!.

استنادا إلى ما سبق وغيره، نقول بملء أفواهنا: إنه من المؤسف أن يذكِّر سيادة رئيس الجمهورية ـ عدة مرات ـ بأنه بذل ويبذل مجهودات كبيرة للتغيير الإيجابي بمحاربة الفساد، ويصدر الأوامر والقرارات بذلك، ويتعهّد برفع الظلم عن المواطنين، وبتقريب الإدارة منهم،  بغية إصلاح جاد لامكان فيه للمآرب والنزوات والشَّخصَنَة، المترجِمة عن ديمومة الفساد...

 وفي نفس الوقت يستغل البعض مركزه ـ في ظل ما أريد من حق ـ  ليعمّق باطله ويسعى لتمريره بتعاظم وتطاول ، وهويصور أنه بهذه الطريقة يخدم النظام والوطن، والعكس هو الصحيح!

ألم يعلم من هذا صنيعه بأنه يزاول ـ والحالة هذه ـ ثلاثة أنواع من الظلم هي:

1 ـ  ظلمه لنفسه لمّا لم يحملها على الإرعواء عن الإفراط ومجاوزة الحد في التعدي.

2 ـ ظلمه للغير وعلى رأسهم الذين يقف ـ باستماتة ـ في وجه حقهم المشروع في الترقية والدمج في التعليم العالي، بعدما وقّع على محضر مع وزير الوظيفة العمومية يثبت حقهم في ذلك، هذا المحضر الذي صيغ ليعتمد ما أثبتته ـ قبل ذلك ـ محاضر اللجان الفنية المشتركة، المعيّنة بأمر من معاليه ونظيره في الوظيفة العمومية.

ولمّا طال بأصحاب الحق انتظار تنفيذ معالي الوزيرلالتزاماته الموثّقة، طلب الموظفون حملة الشهادات العليا، المتظلمون أمام إدارته ـ عدة مرات ـ مقابلته لمراجعته في الموضوع، ومناقشته بالأدلة المادية ولغة الوثائق، رجاء تقويم تصوّره المغلوط تجاه قضيتهم، فأصرَّ على التّأبي والامتناع، دون أن يكلف نفسه عناء تقديم أي مبرر!؟

 وبدلا من ذلك واصل التعديلات والتغييرات ـ غير البريئة ـ في النُّظم والقوانين، حتى تخدم غرضه الهادف ـ في مُحصّلته النهائية ـ لتقعيد الظلم، إبقاء لما كان ـ من فساد وجور وحيف في التعليم العالي ـ على ماكان، في ثوب مستعار ظاهره مليح، وباطنه من قبله عذابات، يتجرّعها ولايكاد يسيغها الموظفون والأساتذة والطلبة والعمال، في قطاع التعليم العالي على حد سواء.

3 ـ ظلمه للنظام المحسوب عليه، وبالخصوص رئيس الدولة السيد/ محمد ولد عبد العزيز، إذ من المألوف أن يحمِّل الرأي العام، أو المظلمون ـ على الأقل ـ رأس النظام مسؤولية أغلاط معاونيه، وفي مقدمتهم في هذه القضية سيادة معالي وزير التعليم العالي الحالي ومن يتمنّع بهما، اللذين يصرّان على عدم رفع أيديهما عن التعليم العالي، رغم إبعادهما عنه، وشغلهما لمناصب سامية حتى اللحظة!

وكان حريا بسيادة معاليه استحضارالمثل الحساني [إِزَيَّنْهالَك لْمَا يَنْفَعَكْ فِيهَ].

ولسنا ندري هل لهذا المثل مقابل في اللغة الفرنسية التي تحظى ـ على ما يبدو ـ بكامل الاهتمام والعناية من طرف معاليه، ولو كان على حساب ثقافته العربية الأم، وذلك ما برزت بوادره في مضمون بعض تصريحاته وخرجاته، وما دشّنه من تغييرات وتعديلات في النصوص، وربما القادم أدهى وأمر؟.

 وبما أن رئيس الجمهورية السيد / محمد ولد عبد العزيزفي قراراته وأهدافه، وفي تصريحاته المعلنة، ذكر ـ مرارا ـ بأنه بريء من كل تصرف يمارِس أو يكرِّس الظلم، فهو ـ من وجهة نظرنا ـ لايتحمل أوزار أفراد من وزرائه، مهما تشبّعوا بما لم يعطوا، ولبسوا ثياب مغالطة وتدليس.

 يتأكد ذلك إن لم يقرّظلمهم أويحميه ـ بوجه من الوجوه ـ بعد أن بيّناه له وللناس بما فيه الكفاية.

 ونأمل أن لا يتيح سيادة الرئيس لظالمنا منهم ـ في هذه القضية ـ فرصة البقاء والديمومة، ليعيث مزيدا من الإفساد في التعليم العالي، باسم الإصلاح والعصرنة، موهما إياه والرأي العام أنه يحسن صنعا، نعم إنها صناعة التحريض وإثارة المواطنين، وأي مواطنين؟

إنهم أصحاب الأدمغة والعقول والكفاءات العليا، من مختلف أطياف المجتمع وجميع شرائحه وجهاته، الذين لم ولن تثنيهم صنوف المماطلة، وتنوع أساليب ووسائل الظلم، عن مطالبتهم بحقوقهم المكتسبة، إيمانا منهم بأن الوطن بخير ويسع الجميع، وأنه لاطائل من إصلاح أونهوض يقصى معه أصحاب الكفاءات والخبرات، من ذوي الشهادات العليا في مختلف التخصصات وشتى صنوف المعرفة.

ولأنه [ لا يمكن قيام المجتمع المسالم - والحالة هذه- بدون آلية تكبح جماح التعسّف] كما كتب أحد قضاتنا في الأيام الماضية.

ومهما يكن من أمر، فلماذا لا تحل اللباقة وحسن المعاملة محل الفظاظة والغلظة؟

إذ لو كان الحال كذلك، لكان أهدأ للنفوس وأجبر للخواطر، حتى التي منها تكابد وقع ظلم سافرطال أمده، فأفقدها الثقة بالوعود الإدارية المتكررة الجوفاء.

فمادام أفضل البشرية يخاطبه رب البرية بقوله:[ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ]، فما بالك بزيد وعمرو...

لقد حرصنا طوال الفترة الماضية أن لاننشر الغسيل، وإن نُشر أن يبقى داخليا، لكن مواصلة سدّ الأبواب في وجوهنا، من طرف المعنيين بتسوية وضعيتنا، العالقة أمام إداراتهم قبل صدور ونفاذ المرسوم 126/2006، لم تترك أمامنا ـ للأسف ـ أي خيار أومنفذ نلِجه.

 فهذه السياسة ـ اللا متسيسة ـ أبعدت الإدارة منا ومن المواطنين، وهذا ما دفعنا ـ مكرهين ـ لقرار اللجوء إلى الإعلام المقروء، الذي ندشِّنه ـ اليوم ـ بهذا المقال، المجمل في محتواه، المشفوع ـ بحول الله ـ بسلسلة متواصلة من المقالات، المفصِّلة لما أجمل فيه، والمدعَّمة بالوثائق الرسمية الموقعة والمختومة من طرف من تمت الإشارة إليهم ( تصريحا أو تلويحا).

 وإن لم يف ذلك بالغرض المطلوب، فلن يكون مستبعدا اتخاذ التدابير الكفيلة بتدويل هذا الملف، وكذا الملاحقة القضائية لكل من تسبّب ـ من قريب أوبعيد ـ في محاولة تعطيل أوتأخيرحصولنا على حقنا الثابت، علما بأن الأسماء محفوظة وإن طال الزمن.

يستوى في ذلك من لازال من المعنيين في وظيفته الأصلية، أومن انفصل عنها لسبب أو لآخر، أو من أملى له الله ـ ابتلاء واختبارا ـ فظن أن بورك له في الظّلم، حين رُقّي لوظائف عليا، زادت من غفلته وأمنه مكر الله، وطفق يعمل على استدامة الجور ـ عن سابق إصرار ـ وسعى ـ سعيا غير مشكور ـ لتنصيب حراس، يبدو أنه لايراهم مؤتمنين على شيء، أكثر من هذه المهمة غير النبيلة.

نقول هذا ونحن نستحضر قوله تعالى:[ لاَ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً ] النساء : 148.

فالذنب لاينسى والديان لايموت، وكما تدين تدان.

 وما ضاع حق وراءه طلاب أكفاء، يعرفون ـ جيدا ـ من أين تؤكل الكتف، ويميزون بين مالهم مما عليهم.

 أما المرسوم 126/2006 فلنا عودة إليه، في الحلقات القادمة ـ بحول الله ـ وسنوضّح ظروف وملابسات صدوره الاستعجالية، في المرحلة الانتقالية.

 وسنبيّن ـ بما لايدع مجالا للشك ـ كيف يوظفه ويستغله لصالحهم، المعطِّلون لحقوقنا المكتسبة، الذين هم أول من أثبت ـ قبل غيرهم ـ أنه لايفي بالغرض الداعي إليه أصلا.

 وإلا فلماذا يظل ـ ذات المرسوم ـ مرتعا للتعديل والتغيير والتبديل من طرف هؤلاء؟! الجواب: أنه كلما كبّلهم عدّلوه على مقاساتهم.

فهذه العجالة مجرد نفثة، ضاق ذووها ذرعا ونفد صبرهم، بعد سنوات من المماطلة والتسويف.

 ولم يعد بمكنتهم تجرع المزيد من الصبر على المسكوت عنه، من حيف وظلم يغطَّى عليه بتصريحات إعلامية (استهلاكية)، تلمِّع مشروعا يدّعي إصلاحا موهوما، لا أثر له في الواقع ، ولانصير له من الأدلة والبيِّنات في الظاهر، ولا أفق له في العاجل ولا الآجل.

 فهو مشروع بنسخته الحالية ـ في نظرنا ـ غير مشروع،  لوقوف مدعيه من أزمة التعليم العالي موقف المكرِّس لما كان، في قالب مزيّف شعاره: الإصلاح، وظاهره: الترميم، وباطنه: التبريروالتمرير، ووسيلته: التلاعب بالنصوص خدمة لمصالح ضيقة، وعلى الوطن والمواطن السلام.

صحيح أنه لايوجد في الثقافة الفرنسية (المثل الأعلى) لبعض المسؤولين ما يماثل قوله تعالى في الحديث القدسي:

 [يا عبادي إني حرَّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا].

ولاما يماثل قوله صلى الله عليه وسلم في المتفق عليه:

ـ [واتّق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب].

ولاما في قوله صلى الله عليه وسلم:

ـ [إن الله ليملي للظّالم حتى إذا أخذه لم يفلته] ثم قرأ ـ صلى الله عليه وسلم ـ

قوله تعالى:[وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَة] هود : 102.

كما ليس في تلك الثقافة من شعر يضاهي ما ينسب لعلي بن أبي طالب ـ رضي الله هنه ـ من قوله:

 لا تظلمنَّ إذا ما كنت مقتـــدراً

فَالظُلْمُ مَرْتَعُهُ يُفْضِي إلى النَّـدَمِ

 تنامُ عَيْنُكَ والمَظْلـــــومُ مُنَتَبِهٌ

يدعو عليك وعين الله لم تنــــم

 

أما المظلمون المتظلمون (ضحايا الاستهتار بحقوقهم المكتسبة، والعبثية بمصيرهم) فحقّ لهم تمثّل قول القائل:

أناةٌ فإن لم تغنِ عقَّب بعدها ... وعيداً فإن لم يغن أغنت عزائمه

وأخيرا نذكّر من شوهوا الحق في قضيتنا، وشوشوا عليها بين يدي صاحب القرار، وقلبوا الحقائق رأسا على عقب ، ومنعوا رسائلنا وأفرادنا من الوصول إليه، لعلمهم بأن أدلنا ساطعة وحججنا دامغة، ومن شأن اتّصالنا به فضح أمرهم ودحض خبرهم...

 نقول لكل هؤلاء وأولئك: إن تمكنتم من الحيلولة بيننا وبين رئيس الجمهورية، فأنتم في عجز مطلق عن أن تحولوا بيننا وبين رب الأرض والسماوات، الذي يعلم السر وأخفى، الفعّال لما يريد، فهوحسبنا ونعم الوكيل، وإليه المشتكى.

يتواصل بالتحليل والتوثيق وكشف المستور

الموظفون حملة الشهادات العليا المتحصّل عليها في ظل مقررات تدريب،  المستحقون للترقية والدمج في سلك التعليم العالي،  العالقة قضاياهم أمام الإدارة ،  قبل صدور ونفاذ المرسوم 126/2006.