لا إرهاب على البلاد.. أشد وطأة من الفساد

أربعاء, 05/18/2016 - 12:11

إنه لمن ما يدعو إلى التعجب و يستدعي التأمل إصرار بعض الأقلام والجهات البحثية على الحديث بإسهاب وفي تكرار لا يقدم حلولا بفائض من المعالجات موضوع الإرهاب تحت عناوين تحوم كلها حول مظاهر العنف المسلح مفاهيمياConceptuel  و عقائديا Doctrinal ودوافعه السياسية والسيكولوجية Psychologique،

وممارسة تجارة السلاح والمخدرات و البشر تحت غطائه في بلد حسم بقوة أمر هذا الإرهاب بعدما أعد له بالتحديث جيشا وخاض المعارك الاستباقية وحصن الحدود بإحكام و طوى الصفحة و أغلق ساخن الملف في الداخل، ليتحول إلى محاربة الفساد "الحجر العثرة" و "العقبة الكأداء" العصية على الاستئصال؛ فساد متعدد الأضلاع والمظاهر، متنوع التجليات والأوجه والسيئ الانعكاسات على التنمية في مسار البلد وعلى عيش المواطن و توازنه. ومهما كان مستوى الاهتمام بقضايا الإرهاب موضوعا يفرض نفسه فإنه يظل من غير المستساغ في سلم الأولويات أن يقفز في الحيزين الزمني والمكاني على الموضوعين البالغ كلاهما الأهمية والأكثر إلحاحية التناول والمعالجة:

·        "الحرب" على الفساد بكل أصنافه ومن كل زواياه،
·        و"بناء" أسس الحكامة الرشيدة بكل الأبعاد،

ومن المرفوض تجاوزهما إلى الأبعد نسبيا من الناحيتين الواقعية والاجتماعية إذ يشكل ذلك أمرا يشكو نظريا وعمليا اختلالا من حيث لامنطقيته وتوجهه إلى إهدار الوقت الثمين الذي لا يعوض وتحتاجه معالجات مطلوبة بشدة لقضايا عالقة ومهملة.

تشكل الحكامة الرشيدة التي أصبحت المطلب المشروع لكل الشعوب والمسعى الحميد لكل القيادات الوطنية والوفية بالتزاماتها في مواقعها القيادية، أسلوبا ومنهجية ومبحثا معرفيا ذوو شعب تجمع:

ـ السياسي والاجتماعي
ـ والاقتصادي والتنموي،
ـ والتخطيطي والتوجيهي،
ـ والمالي والتسييري،
ـ والرقابي والتقييمي،
ـ والتقويمي والاستشرافي
ـ والرؤية الاستراتيجية،

علما بأن الحكامة الرشيدة أو الجيدة أو المستقيمة (Bonne Gouvernance) أو حسن التدبير هي تعبير عملي معلن عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده. كما يعتبرها الكثيرون أيضا "مفهوما استعجاليا تبناه المنتظم الدولي لتجاوز حالة الخلل القائم في نماذج التنمية التي لا يجد فيها المجتمع الفرصة المناسبة للتعبير عن رأيه ومواقفه وحمولته الثقافية في المشاريع التنموية التي تهدف إلى تحسين مستواه المعيشي". وأما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فيعرف مفهوم الحكامة بأنه "نسق جديد من العلاقات والمساطر والمؤسسات التي تتمفصل بها مصالح المجموعات والأفراد، وتمارس الحقوق والواجبات، وتفك الخلافات والنزاعات، يقوم على تذويب التراتبية وتشجيع التشارك بين المسيرين والمساهمين وحسن التنظيم وتوزيع المسؤوليات وصقل القدرات ودعم التواصل داخليا وخارجيا.

وإن الحاجة لماسة إلى تناول الأقلام القيمة و المراكز المستنيرة لجوانب الحكامة المتعددة و الفساد من كل أوجهه ومختلف زواياه حتى تترسخ ضرورة قيام الحكامة المنشودة و المحاربة الناجعة في ظلها لكل مظاهر الفساد و التبذير و هدر مقدرات البلاد و السعي إلى صيانتها بالأساليب المناسبة و توجيه مدخلاتها إلى إقامة عدالة اجتماعية تتجلى في التوزيع المنصف لها وتشييد البنى الضرورية من مدارس و مستشفيات و شبكة طرق منيعة و سكك حديد و مطارات و مرافئ و موانئ تنشر وتوزع بحركيتها الثروة في تنوع و تؤمن اقتصادا متوازنا يخلق فرص العمل و يضمن الاكتفاء الذاتي و يرفع البلد إلى مصاف الدول العتيدة المستقرة على أسس منيعة من العدالة الاجتماعية و الوحدة والوئام و الاستقرار.

كما يطلب منها بل ويتحتم عليها أقلاما ومراكز ومؤسسات بحثية وعلمية أن تسهم من خلال أنشطتها واهتماماتها بالمعالجات التنموية والتوجيهية والتخطيطية وحول الرؤى الاستراتيجية والشفافية والفعالية والسلامة وبتناول المقاربات المتعلقة بالتطورات والتحولات واستثمار الموارد المالية والمادية المتاحة للبلد بشكل عقلاني وإنجاز الأهداف بأقل تكلفة ممكنة، ومفهوم التنمية البشرية في أدبيات الهيئات الأممية سبيلا إلى الالتحاق بالحركة التنموية العالمية والاستفادة من إفرازاتها ومواكبة تطوراتها.

ولا شك مطلقا أنه بما تقدم ستسهم هذه الأقلام النيرة والمراكز والهيئات البحثية المضيئة علميا وعمليا ومنهجيا في نشر الوعي المدني، وتقرب إلى الأذهان مفهوم الدولة الغائب، وتوفر لا محالة خدمة جلى للبلد وحكامته وتشارك بما يليق بمستوياتها العلمية في خلق وعي وطني لا يفرق بين المواطنين وإنما يكنزهم رشدا عاليا يوطد مراكزهم ويزيدهم تنويرا وقدرة على الإسهام من دون عقد نقص في تجنيب البلاد شبح السقوط إلى الهاوية. 

الولي ولد سيدي هيبة ـ كاتب صحفي