إحكام الخناق على بيان إسحاق (ح: 1)

خميس, 05/19/2016 - 10:40

يهودية البنا وماسونية الإخوان

ما أكثر من يوجهون الانتقاد للإخوان المسلمين عامة ولأهل تواصل خاصة! وذلك حقهم الطبعي، فالخلاف في المنطلقات والأهداف والتصورات والوسائل يثمر ضرورة خلافا في الرؤى والمواقف، ولأهل كل فكر أن ينتقدوا خصومهم، وأن يشيدوا بأفكارهم ورؤاهم، واعترافا بهذا الحق لا أولي اهتماما يذكر بما يكتب عن الإسلاميين ففي تجاربهم ما يقال، وكثير مما يكتب قد يصلح لتخصيب وترشيد تلك التجارب، وللإسلاميين من الأقلام ما فيه بلغة وغناء بحمد الله.

 

حين قرأت للدكتور الكنتي ما كتب عن الإسلاميين مما له وجه ومحمل، ومما محمله التحامل والتلفيق، وقفت متفرجا كعادتي غالبا، حتى إذا بدا أنه وقف يراعه حصريا على ثلب هذا التوجه عامة وعلى ترصد مواسم الإساءة للشيخ محمد الحسن بن الددو خاصة بسبب وبلا سبب، وبلغ الزيل الزبى، وجدت من واجبي نصرة للحق لا الخلق تبيين أغاليط الدكتور، فكتبت في ذلك بعض المقالات تفنيدا علميا لبعض تجاوزات الدكتور مع شيء من التحليل النفسي استنادا إلى قرائن الواقع.

 

لا أكتم أنني أول ما عرفت كتابات الدكتور ألفيت لدى صاحبها ملكة في الكتابة لا ينكرها إلا مكابر فهو كاتب أصيل حين يتأدب، غير أنه في علوم الفقه والفكر متشبع بما لم يعط، ولديه أزمة في التوثيق، بيد أنني لم أتصور أن ينزل الدكتور إلى المستوى الذي نزل إليه في لقائه مع قناة الساحل ذلك اللقاء الخليق بأن يسمى اللقاء الكاشف، فكتبت عليه تعليقا خاطفا، ولعله كان موفقا فقد استفز الدكتور فكتب مقالا كاشفا بصفة أكبر - وإن كانت أخفى على العامة - أسماه البيان لما أشكل على الإخوان.

 

لم يكن بيان الدكتور بيانا لما أشكل مما أجمل في برنامج اللقاء، بل بيانا لما خفي من مصادر معلومات الرجل وطريقة تعاطيه الأكاديمي، والمنطلق الذي يصدر عنه في أحكامه على الآخرين؟

 

جاء البيان طويلا مفعما بما يستوجب الإيضاح والإفصاح وهو ما يجعل هذا الإحكام سلسلة نتوقف في كل حلقة منها مع فكرة من بنات غير الدكتور.

 

يصر الدكتور على يهودية البنا وماسونية الإخوان وقد نعى علي في بيانه استغرابي لما صدر عنه في ذلك ولقد كنت وما زلت أستغرب صدور هذا الحكم منه لثلاثة أسباب رئيسة:

1-  أن الحكم على أي فكر يستوجب محاكمة مبادئه ومنطلقاته طبقا لما أنتجه المبشرون به والداعون إليه وليس فيما كتبه الإخوان ما يشي بماسونيتهم.

2- أن التكوين الأكاديمي المفترض للدكتور يكسب نوعا من التدقيق والفحص العلمي والتحليل والمقارنة يعصم صاحبه عادة من ترديد كل فكرة تصادف هواه لمجرد أنها كذلك، فقد يصلح صدور هذه الأفكار من مراهق مولع بالغرائب واكتشاف ما يوصف بالأسرار، أما أن يصدر من أكاديمي دون الاستدلال العلمي المقنع فأمر غريب.

3- أننا لو صدقنا كل اتهام لشخصية عامة أو لتيار معين، فسنصير كل مكونات هذه الأمة وقادتها خونة عملاء، أو جواسيس دخلاء، فأين الشخصية أو التيار الذين لم تؤلف حولهما تلفيقات، أو تحاول أطراف توريطهما في التآمر على الأمة؟ وحينها لن يكون البنا والإخوان أكثر الناس خسائر باعتبار كم وكيف المصادر المشوشة، فهذا المرحوم جمال عبد الناصر ألفت في عمالته ورعايته من طرف الاستخبارات الأمريكية كتب منها على سبيل المثال كتاب لعبة الأمم لمندوب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مايلز كوبلند ترجمة إبراهيم جوزيني خاصة (ص 73 - 99) وهذا المرحوم القذافي يكفي أن تكتب كلمة أصل القذافي في محرك البحث حتى تجد مقالات ومقابلات حول أصوله اليهودية وهلم جر...

 

وهكذا تنشطر الأمة بين عملاء متصارعين ليس فيهم من يمتلك فكرا ولا رؤية ولا منهجا، وكلهم يعمل حسب الخطة المعدة له أو بما يقتضيه أصله اليهودي.

 

أظن أن الإقرار بأن مستوى التباين في المنطلقات الفكرية والأهداف السياسية بين تياراتنا كفيل بأن نتخالف معه إلى أبعد الحدود أكثر موضوعية من التنقيب عما يثبت عمالة بعض الأطراف الأخرى، كما أنه أدعى لإمكانية التصالح وتضميد الجراح.

 

وما دام الدكتور مصرا على طرح هذه القضية فلا مناص من نقاشها، وهنا أتقطع أسفا حين أسطر للتاريخ أن الدكتور محمد إسحق الكنتي وهو يوثق لفكرة من أخطر الأفكار اكتفى بالسطو على مقال منشور في موقع لكاتب يدعى طلعت الطرابيشي ونقل منه بالنص حينا وبالمعنى حينا دون الإشارة إليه، كما أوضحت ذلك في تدوينة منفصلة، وقد أخطأ من ظن أن الدكتور نقل كلام العقاد في المقال الذي ذكر، ولدي على هذا الكلام عدة أدلة:

 

الأول: أن هذا التوافق في نوع الاستشهاد وحجمه بالنقطة والفاصلة لا يمكن أن يكون اعتباطيا.

الثاني: أن تفسير الماسونية كما نقله الدكتور ليس في مقال العقاد بل في مقال الطرابشي.

الثالث: نقل الدكتور أن الغزالي سعى لإثبات ماسونية الإخوان وهو ما ذكره الطرابيشي بنفس العبارات ولا ذكر له في مقال العقاد.

الرابع: نقل الدكتور موقف ثروت الخرباوي من الإخوان بنفس العبارات التي نقلها الطرابيشي ولا ذكر للخرباوي في مقال العقاد بل إن العقاد توفي وهو في السابعة من العمر.

ويمكن مطالعة مقال الطرابيشي على موقع الوفد.

نتناول الرد على يهودية البنا وماسونية الإخوان عبر ثلاث وقفات:

 

الوقفة الأولى مع العقاد:

للعقاد منزلة سامقة في الفكر والأدب، غير أنه سياسي له خصومته السياسية مع الإخوان، فقد كان صديقا حميما للنقراشي مقربا منه، ولم يأت العقاد في المسألة بدليل، كما يقرر رجاء النقاش وهو غير متهم في موالاة الإخوان: "إن السبب في موقف العقاد واضح تمام الوضوح فموقف العقاد من الإخوان لم يكن موقفا فكريا بقدر ما هو موقف حزبي، فإذا اتفقت الإخوان مع الحزب الذي ينتمي إليه العقاد سكت عنها، ولم يعترض على نشاطها العملي أو الفكري، ولكن إذا تعارض نشاط الإخوان مع الحزب السياسي الذي ينتمي إليه العقاد وقف العقاد ضدها وهاجمها واعترض عليها أشد الاعتراض" (رجاء النقاش: العقاد بين اليمين واليسار – دار المريخ للنشر ص 294) ثم يستعرض النقاش مقال العقاد المشار إليه في مقال الدكتور معلقا: "وهكذا يستخدم العقاد منطقه الذكي في التشهير بالإخوان وهذه الحجة التي يثبت بها انتماء الإخوان إلى الحركة الإسرائيلية رغم ما فيها من الطرافة والذكاء – كما أشرت - إلا أنها تخلو من الروح العلمية المنصفة فحتى لو صح أن البنا من أصل يهودي وهو أمر لم يقم عليه أي دليل معقول، فإن هذا لا يكفي للتدليل على أنه متآمر بحكم أصله، وإذا أردنا أن نثبت التآمر على شخص ما فيجب أن تكون لدينا أدلة أخرى غير أصله وجنسه، ولو أخذنا بهذا المنطق لقلنا إن العقاد لا يمكن إلا أن يكون معاديا للقومية العربية – مثلا - لمجرد أنه من أصل غير عربي إذ أنه من أصل كردي عن طريق والدته ومثل هذه الاستنتاجات إن دلت على ذكاء فإنها لا تكفي للوصول إلى الحقيقة" (رجاء النقاش: العقاد بين اليمين واليسار – دار المريخ للنشر ص 305-306).

 

ولعل من المهم أن نضيف إلى كلام النقاش ثلاثة أمور:

-     الأول أن أسرة البنا لم تكن مجهولة فوالده أحمد أحد أكابر العلماء الذين خدموا السنة النبوية ويكفي في استجلاء ذلك كتابه الفتح الرباني في ترتيب مسند أحمد بن حنبل الشيباني الذي رتب فيه المسند على أبواب الفقه.

-     الثاني أن القول بأن البنا مشتق من البنائين الأحرار فضلا عن تعسفه الاشتقاقي هو تجاهل للتاريخ فهذا الاسم معروف منذ قرون بعيدة، ويكفي في ذلك أن نطالع هذه الترجمة في كتاب السخاوي الضوء اللامع في أعلام القرن التاسع: "عبد الله بن أحمد بن قاسم بن مناد النفزاوي القروي بلداً نسبة للقيروان المغربي المالكي. ولد في حدود سنة خمس وثمانين وسبعمائة بالقيروان وقرأ بها القرآن لنافع على محمد بن أبي زيد صاحب قصر المنستير... وشغف بالتصوف وأهله فأخذ عن أبي زيد عبد الرحمن البنا وسالم المرو وغيرهما، وحج مراراً من سنة تسع وعشرين إلى سنة ست وأربعين ولقيه البقاعي فيها وقال إنه كان شيخاً جسناً يلوح عليه الخير وسلامة الفطرة" (السخاوي: الضوء اللامع ج2 ص 424 نسخة الشاملة) ومن طريف الصدف أن اسم الجد الأول للإمام حسن هو الاسم نفسه عبد الرحمن البنا مطابق للشيخ المذكور.

-     الثالث: أن القول بأن الساعاتي حكر على اليهودية فيه من التعسف وتجاهل التاريخ مثل ما في جعل البنا مشتقة من البنائين الأحرار فقد عرف أعلام من الفقهاء والشعراء بابن الساعاتي منهم الشاعر المصري أبو الحسن علي بن رستم بن هردوز المعروف بابن الساعاتي، الملقب بهاء الدين، الشاعر المشهور؛ الذي ترجم له ابن خلكان المتوفى سنة أربع وستمائة بالقاهرة.(ابن خلكان: وفيات الأعيان ج3 ص395-396).

 

هكذا يرى المنصف أن كلام العقاد في المسألة كلام سياسي عاطفي خال من المؤيدات العلمية.

 

الوقفة الثانية مع الغزالي:

ينقل الطرابيشي الذي ورد كلامه في مقال الدكتور - دون أن ينسب إليه - أن الشيخ محمد الغزالي سعى إلى إثبات ماسونية الإخوان في كتبه "قذائف الحق" وهذه فرية عظيمة، فلم يقصد الغزالي ذلك مطلقا، بل إنه في الباب الرابع من الكتاب حذر من تحول الحرب على الإخوان إلى حرب على الإسلام قائلا: "انتسبت لجماعة الإخوان في العشرين من عمري، ومكثت فيها قرابة سبع عشرة سنة، كنت خلالها عضواً في هيئتها التأسيسية، ثم عضواً في مكتب الإرشاد العام..

 

وشاء الله أن يقع نزاع حاد بيني وبين قيادة الجماعة، انتهى بصدور قرار يقضى بفصلي وفصل عدد آخر من الأعضاء.

 

وبعد عدة شهور من ذلك الحدث صدر قرار حكومي بحل الجماعة كلها والإجهاز على جميع أنشطتها.

 

وأريد أن أكون منصفاً، فإن الزعم بأن جميع الإخوان أشرار سخف وافتراء، والزعم بأن الجماعة كلها كانت معصومة من الخطأ غرور وادعاء..

 

ثم استعرض حوارا طريفا بينه وبين شخص ثم أورد ما يفيد بأن حرب عبد الناصر على الإخوان تحولت إلى حرب على الإسلام (الغزالي: قذائف الحق ص 81 - 89 دار القلم دمشق ط 2 سنة 1997).

 

صحيح أن الغرالي غضب غضبة مضرية بعد صدور قرار فصله وأنه كان –كآخرين سواه - يرى أن الهضيبي لم يكن من أجيال الدعوة الأولى، وأن في الجماعة من كان أولى منه بخلافة البنا، وربما توجس من أن تكون أياد خفية امتدت لإضعاف الدعوة والقضاء عليها، كما استاء استياء بالغا من المغالاة في مفهوم الطاعة، وكان الفصل الذي خصصه للسمع والطاعة من كتاب "من معالم الحق في كفاحنا الحديث" ناطقا بذلك لكن كل ذلك لم يمنعه من مناصرة الإخوان وإنصافهم فيقول "وعندما أنهض الإسلام جماعة الإخوان في مصر كيما ينصفوا مبادئه ويذودوا عن حماه تنضرت وجوه كثيرة، وسرت حرارة الأمل في أوصال المؤمنين، وتمشت إلى جانبها رعدة الخوف في قلوب الفساق والظالمين، وسارت الدعوة تطوى المراحل البعيدة وهى تمر مر السحاب.

 

وشرفها الذى تباهى به الأولين والآخرين أنها تتأثر بصاحب الرسالة العظمى صلوات الله عليه وسلامه وتقبس من سناه. ثم جاءت المحنة الكبرى فقتل حسن البنا جهرة لا اغتيالا، واقتيد خيرة إخوانه إلى المنافي والسجون، وظل الإرهاب المسلط يجرعهم الغصص ويتوقع منهم الفتنة حتى جاء نصر الله، فانجابت الغمة وعادوا أحرارا. أرأيت؟ كان شرف الدعوة التي قادها المسلمون أنها خطر على الإقطاع الزراعي والافتيات الرأسمالي، والاستبداد السياسي، لأنها صدى الإسلام الصحيح. والإسلام الصحيح لا يبقى حيثما تسود وتتوغل هذه المفاسد الشائنة". من معالم الحق ص 184.ط4 يناير 2005 نهضة مصر للطباعة والنشر

 

وإذا كان قد صدر من الغزالي ما يسيء إلى الهضيبي تحت تأثير الغضب الهادر، فقد كفر عن ذلك ونسخه بكلام يقطر عاطفة وصدقا: "من أيام مات الأستاذ حسن الهضيبي وبلغتني وصيته: لقد أوصي أن يدفن خفية، لا إعلان ولا مواكب, وطلب أن يواري جثمانه في مقابر الصدقة..

 

وعقدت لساني دهشة, وأنا أسمع العبارة الأخيرة في مقابر الصدقة!

 

إنني أعرف حسن الهضيبي، وقد أصلحت ما بيني وبينه قبل أن يموت بنحو عامين.. في نفس هذا الرجل ترفع وأنفة لا يتكلفها، وهو إذا اعتقد شيئا استمات فيه دون لف أو مكر..

 

قلت: ولم مقابر الصدقة؟!

ولم يغب عنى الجواب. لقد كان مستشارا راسخ المكانة، رفيع الهامة.

 

لو اشتغل بمهاجمة الشريعة الإسلامية لنال جائزة الدولة التقديرية التي نالها غيره. ولو خدم الغزو الثقافي لعاش في شيخوخته موفور الراحة، مكفول الرزق.

 

ولكنه خدم الإسلام، فتجرع الصاب والعلقم! طعن مع الدين الجريح. وأهين مع الدين المهان! فأراد أن تصحبه هذه المكانة في منقلبه إلى الله!

 

فليدفن في مقابر الصدقة مع النكرات التي لا يباليها المجتمع!

فليدفن مع أناس أسلموا أرواحهم في غرفات السجن الحربي، وهم رازحون تحت وطأة عذاب تنوء به الجبال!" (الشيخ الغزالي: قذائف الحق ص 128-129).

 

ما أبعد هذا الكلام من السعي لإثبات ماسونية الإخوان

 

الوقفة الثالثة مع الخرباوي:

اكتفى الطرابيشي الذي يأخذ عنه الدكتور دون الإحالة إليه بأن يذكر أن ثروة الخرباوي صار على هذا النهج دون أن يذكر مصدره في ذلك ولعله اتكل على شهرة مقالاته وكتاب (سر المعبد الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين) الذي أصدره الخرباوي سنة 2012 وجه فيه كثيرا من الانتقادات للإخوان غير أنما يهمنا هنا ما يتعلق بالماسونية والإخوان.

 

لقد تضمن كتاب الخرباوي أكبر دليل على عدم ماسونية الإخوان على لسان أستاذه وصديقه أحمد إبراهيم أبو غالي الذي يقول: "لا يقول أحد إن الإخوان تنظيم ماسوني لو قلنا ذلك لكان تعسفا وافتئاتا على البحث العلمي، ولكن لو قلنا ونحن نعمل قواعد الاستقراء إن الماسون كجمعية دولية تريد ابتلاع العالم كله في بطنها لم تقم بدفع بعض الماسونيين إلى الانخراط في تنظيم الإخوان وترقيتهم فيها بهدف تحريف الإخوان عن منهجهم الحقيقي نكون قد تعدينا على قواعد البحث العلمي، ولقمنا باتهام الشيخ محمد الغزالي الذي قال ذلك بالخفة والرعونة والكذب" (ثروت الخرباوي: سر المعبد ص 242).

 

لا جرم أن ثمة فرقا كبيرا بين أن نصنف جماعة بأنها ماسونية، وبين أن نتحدث عن محاولات اختراق الجماعة كمحاولة اختراق سائر التنظيمات والقوى الفاعلة، فهذا أمر غير مستبعد غير أنه لا توجد أدلة على حدوثه، وهذه كتب الشيخ محمد الغزالي وافرة محفوظة ليس فيها كتاب يسمى (ملامح الحق) كما يدعي الخرباوي (الخرباوي: سر المعبد ص 28) وحتى لو افترضنا جدلا صحة ما حكى عن الغزالي من قوله: "ولقد سمعنا كلاما كثيرا عن انتساب عدد من الماسون بينهم الأستاذ حسن الهضيبي نفسه لجماعة الإخوان ولكنني لا أعرف بالضبط كيف استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالإسلام أن تخنق جماعة كبيرة على النحو الذي فعلته؟ وربما كشف المستقبل أسرار هذه المأساة" (الخرباوي: سر المعبد ص 29) فهو كلام ليس فيه ما يؤكد حكم الغزالي بماسونية الهضيبي إذ يحكي في سورة الغضب – وهو حالة ضعف إنساني - شائعات سمعها، "ولقد سمعنا..." ثم يستغرب كيف يحدث ذلك، ثم يتنبأ بأن يكشف المستقبل حقيقة هذه المأساة، وقد فعل، فظهر الهضيبي وقد خدم الإسلام، فتجرع الصاب والعلقم! طعن مع الدين الجريح. وأهين مع الدين المهان! حسب تعبير الغزالي، وما كان له رحمة الله عليه أن يؤكد ماسونية أحد ثم يصفه بعد ذلك بتلك الأوصاف التي هي أسمى مبتغى الصالحين.

 

ولقد كانت محاولة الخرباوي ربط العلاقة بين إجراءات البيعة في النظام الخاص - لا مجرد الانتساب للإخوان – وبين إجراءات الماسونية محاولة يائسة (راجع الخرباوي: سر المعبد ص 22- ص27).

 

إن أصدق تعليق على إجراءات لانضمام للجماعات السرية أيا تكن طبيعتها ممن لم ينتسب إليها هو جواب الإمام الشعبي رحمه الله لمن سأله عن أم إبليس فقال ذلك عرس لم أشهده، كذلك فإن مراسيم البيعة في الجماعات السرية عرس لم أشهد غير أنه من خلال ما قرأت للخرباوي وعلى التسليم بصحته –إذ لست مهتما بما يؤكده أو يدحضه - لا يعدو استفادة من تجربة بشرية في ميدان التنظيم، كما استفاد النبي صلى الله عليه وسلم من خندق فارس في الحرب، ومن تجارب فارس والروم في الغيلة بخصوص شؤون الأسرة، ذلك أنه ما دامت البيعة كما يقرر الخرباوي (الخرباوي: سر المعبد ص 22) بوضع اليد على المصحف وعلى أن يقسم المبايع على أن يجاهد في سبيل الله حتى ينتصر الإسلام أو يهلك دونه فإن بين تلك الغاية والماسونية أبعد مما بين المشرق والمغرب.

 

الأستاذ محمدن بن الرباني