القمة العربية.. إجراء إن صح فلا داعي له

ثلاثاء, 06/21/2016 - 21:42

المتناولون لشأن القمة العربية في بلادنا اليوم، إنما يتناولون ذلك الشأن حرصا منهم على نجاحها بإبداء كل منهم ما لديه من أفكار وتقاسمها مع الجهات المختصة في إعداد وتنظيم القمة، باعتبارها شأنا وطنيا نجاحه نجاح لكل الموريتانيين.. دون أن نغفل طبعا القلة ممن يتناولون شأنها تحسبا لفشل تنظيمها الذي سيعتبرونه نجاحا لهم.. وهو بالطبع أمر غريب، لكن ما العمل؟ يبدو أن الأمور هكذا ولكل قاعدة استثناءات، أما القاعدة هنا فهي فخر السواد الأعظم من الموريتانيين بتنظيم ونجاح وتميز أول قمة عربية على أرضهم.. 

وقد دأبنا منذ قيام الدولة الموريتانية وإلى عهد قريب على اعتماد بروتوكول الاستقبال الجماهيري للضيوف الأجانب من القادة والرؤساء، وقد كان أول ما عاصرته من تلك الاستقبالات، وأنا صغير، استقبال لرؤساء أفارقة نهاية السبعينات جاؤوا لحضور مؤتمر لا أذكر بالضبط ما هو.. أتذكر فقط أننا كتلامذة المدرسة رقم 2 بلكصر ذهبنا في صفوف يتقدمنا مدير المدرسة إلى أن وصلنا لساحة ابن عباس الآن، حيث وجدنا أمامنا نسوة يضرن الدفوف، بالإضافة لباعة " أمبورو صوص " و " بلباستيك "، ليبدأ وصول الرؤساء الذين لا أتذكر منهم الآن سوى الرئيس الكابوني الحاج عمر بنكو.

استمر إتباع هذا البروتوكول إلى عهد قريب حتى أنه أصبح تقليدا تلقائيا، فبمجرد إعلان قيام رئيس أجنبي بزيارة لبلادنا تكون تعبئة الجماهير، ونقلها من أحياء العاصمة إلى مقر الاستقبال على طول شارع المطار، على رأس إجراءات الاستعداد لاستقبال ذلك الضيف من يكون وأيا كان سبب أو ظروف زيارته، تلك الجماهير التي لا تدري من هو الضيف ولا من أين هو قادم ولا ماذا يريد من زيارته، ولا فرق في ذلك بين زيارة تاريخية أو زيارة عمل أو زيارة من أجل المشاركة في قمة أو مؤتمر.. حتى أن تلك الاستقبالات ظلت مرافقة لزيارات الرئيس المالي الأسبق موسى اتراوري الذي تردد كثيرا على بلادنا خلال التسعينات بواقع زيارة كل شهرين أو ثلاثة. واعتقد أيضا أنه كان هناك جانب مادي في هذه الاستقبالات جعل منظميها ينتظرونها ويصرون على الإبقاء عليها للاستفادة من مخصصاتها..

وأثناء الأزمة التي نشبت بيننا والسنغال نهاية الثمانينات، قام الرئيس المصري السابق حسني مبارك بزيارة لبلادنا في إطار وساطة إفريقية، حيث كان يتولى وقتها الرئاسة الدورية لمنظمة الوحدة الإفريقية، وقد كنت وقتها طالبا خارج الوطن، لكن قيل لنا أنه تم تنظيم استقبال جماهيري له حتى في تلك الظروف المتوترة والجراح النازفة، وأجواء ما قبل الحرب بين البلدين!

نشبت أزمة الخليج باحتلال العراق للكويت سنة 1990، كأسوإ أزمة وأحلك يوم من أيام العرب إلى ذلك التاريخ، فقام الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال بجولة في كافة البلدان العربية بهدف خلق رأي عام، وحشد موقف عربي رسمي لإقناع صدام حسين بالانسحاب من الكويت وحل الأزمة سلميا، وتجنيب المنطقة ويلات الحرب والدمار، فوصل الملك إلى بلادنا في إطار تلك الجولة، وأيضا استقبلناه بالجماهير والطبول فيما قد يفهمالضيف منه أنه تأييد لجهوده بينما هو في الحقيقة روتين معهود " جمدنا " عليه مهما كانت الأجواء السائدة والظروف، في شكل من أشكال الجمود على النص وغياب ل " تحيين " المواقف وتقدير الظروف، وفقر في الخبرات والتقاليد البروتوكولية.

وهو الجمود على النص نفسه الذي صاحب زيارة ولد الطايع للولايات الشرقية مرة حين تحطمت الطائرة التي كانت تقل أفراد الموسيقى العسكرية الذين قضوا كلهم في ذلك الحادث الأليم، ومع ذلك، وبعد انتهاء الزيارة استمر التلفزيون الوطني لأيام في بث محطات الزيارة وصور الجنود القتلى وهم يعزفون تحية للرئيس في وقت أصبحوا فيه تحت الأرض وثكالاهم وذووهم ينوحون عليهم، فلا أحد هنا سيتخذ المبادرة، أو يتصرف أو يشير ، بعدم ملاءمة ولا إنسانية هذا التصرف.. فقط جرت العادة على أن زيارات الرئيس تُنقل كاملة وسيتم ذلك مهما كانت الظروف! 

ورغم أن تلك الاستقبالات قد اختفت في السنوات الأخيرة ولله الحمد، إلا أنني قرأت في بعض مواقعنا الإخبارية قبل أيام، ومن لطف الله بنا أن الكثير مما يُنشر في بعض تلك المواقع غير صحيح جزئيا أو كليا، أن السلطات تعد لإقامة استقبال جماهيري كبير لضيوف القمة العربية المقرر انعقادها بنواكشوط أواخر الشهر القادم، وأن من ضمن ذلك الاستقبال سيكون هناك عرض للجمالة والخيالة. وأقول، كما يعرف الجميع، أن الظروف الأمنية اليوم تغيرت وتعقدت والهواجس تشعبت، والكثير من القادة الضيوف لا يستطيعون المرور اليوم في مواكبهم بحشد جماهيري في بلدانهم ولأسباب معروفة، وحتى لو كنا نحن متأكدون من تحكمنا وسيطرتنا على الجماهير المستخدمة في الاستقبال وسلميتها، إلا أنها قد تشكل للضيوف مصدر هواجس وعدم ارتياح في وقت نريد منها أن تشكل لهم مصدر فرح وإسعاد.. 

لا نستطيع كذلك التحكم فيما قد تستغله جهات أخرى من اندساس في هذه الجماهير، لا بهدف الإخلال بالأمن، وإنما بهدف رفع شعارات مناوئة لبعض الضيوف وتعكير أجواء الاستقبال، وستحسب تلك الجهات أنها برفعها تلك الشعارات، الذي هو تصرف عدمي، قد حققت نصرا مؤزرا وكسبت نقاطا في معاركها الجانبية، وهو احتمال في المتناول قطع الطريق عليه وبالتالي تجنبه بإلغاء فكرة إحضار الجماهير للإستقبال. ولذلك، إذا كان لا بد من تنظيم استقبال من هذا النوع، فينبغي الاقتصار فيه على الجمالة والخيالة كإبراز لجانب من تراث وحياة البلد، مع الحرص على التنظيم الجيد والمحكم واختيار الجمال والخيول الجميلة المتناسقة الأحجام، والاهتمام بملابس الجمالة والخيالة والأفضل توحيدتلك الملابس، وتجنب استخدامهم للنقاب تمييزا لنا.. لأننا نعرف بأرض الملثمين وليس المنَقبين الذين هم شعب آخر له هو الآخر خصوصيته وتراثه.

وقد تعودنا في تنظيم الاستقبالات بالجمالة على الرواحل والرجال، ولا أعرف لماذا نهمل هودج المرأة " أشقاب أو أمشقب " الذي لا يقل جمالا بملحقاته و" أكسسواراته " عن الراحلة وملحقاتها.. فيجب، إن أمكن، استخدام الهودج براكباته النساء في نصف أو ربع الجمال المستخدمة في الاستقبال، وحتى لو كان الهودج قد اختفى أو قلت أعداده لعدم الحاجة إليه في حياتنا اليوم، فإنه يمكن صناعة أعداد منه خصيصا لهذه المناسبة،أو صناعة مجسمات على شكله من الخشب إذا كان الوقت قد ضاق.. 

اقترح البعض كذلك ضرب خيام إلى جانب قاعة المؤتمر لعرض صناعاتنا التقليدية الغنية تزامنا مع هذا الحدث، وهو اقتراح وارد لكن ينبغي كذلك أن تكون هذا الخيام من الوبر إن وجدت، أو استخدام خليط من خيام الوبر وخيام القماش الحديثة، وأن تكون فسيحة وعديدة الممرات ومتقنة تنظيم العرض تجنبا لاكتظاظ الزائرين، وحبذا لو كان عددها 22 خيمة بعدد الدول الأعضاء بالجامعة العربية كل منها تحمل اسم بلد عضو.. وأن تكون مزودة بمقاعد للراحة وبالمأكولات الخفيفة والمشروبات المرطبة بما فيها مشروباتنا المعدة بمواد محلية بالإضافة للشاي الموريتاني طبعا، على أن يكون كل ذلك مجاني وتراعى فيهالنظافة وتقنيات التقديم والعرض، وسيكون كل ذلك ناقصا و " محرجا " في غياب دورات المياه النظيفة والكافية والقريبة من مكان العرض. 

فزوار هذه الخيام سيكونون أساسا من غير الرسميين من الصحافة والمدعوين الأجانب الذين سيقضون معظم وقتهم خارج قاعة المؤتمر، حيث يحضرون الجلسة الافتتاحية عادة ثم ينسحبون، لتكون تلك الخيام فسحة لهم بدل العودة إلى مقرات إقامتهم، إضافة إلى ما هو أهم وهو اكتشاف والتعرف على موروث وتاريخ البلد، ولا بأس بتقديم هدايا تذكارية من المشغولات اليدوية النفيسة للزوار من نوع خاص تحمل علم واسم البلاد.. دون أن ننسى أهمية عرض المخطوطات التي تزخر بها مكتباتنا التاريخية، إذا كان ملاك تلك المخطوطات سيقبلون إعارتها من أجل عرضها.. مع أهمية الاختيار المحكم للعارضين والاهتمام بملابسهم، وقدرتهم على التواصل وتكوينهم على اللياقة واللباقة والذوق العام، وتكوين مرشدين خصيصا لهذا العرض، وتحسيس العارضين على أن عرض هذه الصناعات هو للتعريف بثقافة البلد أساسا، وليس عرضا من أجل التسوق والبيع، إلا إذا طلب أحد الزوار شراء بعض تلك الصناعات، لكن دون إحراجه أو التوسل إليه لفعل ذلك.. 

محمدو ولد البخاري عابدين