موريتانيا: الحوار يغلي ومقايضة تغيير سن الترشح بتعديل مدد الرئاسة

خميس, 10/06/2016 - 00:34

دخلت جلسات الحوار السياسي الشامل المتواصل حاليا في نواكشوط مرحلة الغليان بين أنصار الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الذين يهيمنون على الورشات وممثلي المعارضة المعتدلة الذين جنحوا إلى المشاركة في التشاور عكس معارضي منتدى الديمقراطية المتشددين الذي فضلوا المقاطعة.

وأخذت قضية تعديل مواد في الدستور لاستحداث منصب «نائب الرئيس» ولتغيير سن الترشح للرئاسة جانبا كبيرا من النقاشات.
فقد اعترض متدخلون عديدون على استحداث منصب نائب الرئيس لعدم الحاجة إليه ولكونه غير موجود في أنظمة دول الجوار، بينما طالب به البعض ممن تتهمهم المعارضة بالتحضير من خلال هذه البوابة «لأجندة الرئيس المخفية» التي ستضمن له البقاء في السلطة في حال ما إذا لم يتمكن من تمرير تعديل يفتح له باب مأموريات الرئاسة.
وفوجئ المشاركون في ورشة الإصلاحات الدستورية بالناشط السياسي في حزب «الحراك من أجل الوطن» الموالي طارق ولد النور وهو يدعو في مداخلة له «لمبايعة الرئيس محمد ولد عبد العزيز ملكا للمملكة الموريتانية مناديا بتحويل المشاركين في الورشات إلى مجلس للبيعة».
ولاقت هذه الدعوة احتجاجات من مندوبي التحالف الشعبي والتحالف الديموقراطي المعارضين، كما قوبلت بسخرية واسعة بين المدونين الموريتانيين وبخاصة مدوني المعارضة الذين جعلوا منها مادة للتندر.
وحازت مراجعة المادة 26 (جديدة) في الدستور المتعلقة بسقف عمر الترشح للرئاسة أمس على جانب كبير جدا من النقاشات.
وعندما طرح ممثلو المعارضة هذه التعديل رد عليهم النائب الخليل ولد الطيب من حزب الحاكم بأن الموالاة تربط بين تعديل هذه المادة وتعديل المادتين 26 و28 التي تحد مدد الرئاسة بمأموريتين اثنتين.
وفسر المراقبون هذ المقايضة بأنها «سعي من الموالاة لتعديل أحكام الدستور المتعلقة بالمأموريات الرئاسية لتمكين الرئيس من الترشح لمأمورية أخرى».
وتنص المادة 28 من الدستور الموريتاني على «أنه يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة»، كما تنص المادة 99 على أنه «لا يجوز الشروع في أي إجراء يرمي إلى مراجعة الدستور، إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصبغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة والمبدأ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وذلك طبقاً لما تنص عليه المادتان 26 و28».
وفيما تتواصل النقاشات داخل ورشات الحوار كشف موقع «زهرة شنقيط» الذي يوصف بسعة مصادره داخل النظام، عن نية الرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز وضع دستور موريتاني جديد والتأسيس لجمهورية ثالثة عبر إجراء تغييرات جوهرية فى شكل المنظومة السياسية داخل البلد».
وأكد الموقع «أن الرئيس الموريتاني حسم مستهل ايلول / سبتمبر الماضي مستقبله السياسى وآليات الانتقال من الجمهورية الثانية إلى الجمهورية الثالثة مع أبرز معاونيه، كما أقر الترتيبات العسكرية والأمنية اللازمة لتمرير القرار واحتواء تداعياته السلبية داخليا وخارجيا».
وتحدثت مصادر «الزهرة» عن «استفتاء مباشر لإلغاء عدد من المؤسسات الدستورية فى الدستور الجديد، أبرزها مجلس الشيوخ ووسيط الجمهورية والمجلس الإسلامي الأعلى والمجلس الاقتصادى والاجتماعي، بينما سيتم تعزيز صلاحيات الجمعية الوطنية وإنشاء محكمة دستورية».
وتقول المصادر نفسها «إن الرئيس الموريتاني قرر العدول عن تعديل الدستور داخل البرلمان أو نقاشه مع أعضاء الغرفتين تفاديا لعرقلة الاستفتاء أو إثارة الجدل داخل البرلمان حول القضايا المنصوص عليها فى الدستور الجديد».
وسيوجه الرئيس دعوة للشعب لاستفتائه حول الدستور الجديد، مع تكليف الأغلبية الداعمة له بخوض حملة للترويج للدستور وشرح أبعاد التحول الجاري، والعمل من أجل إقراره بنسبة كبيرة.
وتحدثت مصادر «زهرة شنقيط» عن «إشكال يواجهه الرئيس الآن حول الحاجة لتأسيس لجنة مستقلة للانتخابات يعهد إليها بتنظيم الاستفتاء، وهو ما قد يتطلب بعض الوقت بفعل اختلاف رؤى القوى السياسية الفاعلة في الحوار الحالي، بينما تتطلب مقتضيات الدستور وقرار المجلس الدستوري الأخير إجراء انتخابات شاملة للمجلس أو إلغائه بشكل نهائي».
«ولتجاوز هذا الإشكال، تضيف الزهرة، تقرر إصدار مرسوم جديد من مجلس الوزراء يدعو هيئة الناخبين في موريتانيا لاختيار أعضاء المجلس، لكن القرار المتخذ بالتوازي معها هو تقديم مسودة الدستور الجديد للاستفتاء خلال الأشهر الثلاثة المقبلة من أجل إلغاء المجلس بشكل نهائي، وتعطيل المسار الانتخابي الرامي إلى تجديد الغرفة».
ويذكر هنا أن أعضاء مجلس الشيوخ وهم في الغالب من الموالاة بدأوا إظهار تذمرهم خلال النقاشات المتعلقة بإلغاء مجلس الشيوخ داخل ورشات الحوار.
وتحدثت مصادر «زهرة شنقيط» عن «نية الرئيس الموريتاني إجراء تعديل وزاري كبير، والدفع بأوجه سياسية جديدة إلى التشكيلة الوزارية، مع إجراء سلسلة من التعيينات في المناصب الإدارية والتنفيذية تحضيرا للمشهد المقبل، كما سيجرى تغييرات واسعة في الإدارة الإقليمية والسفارات الموريتانية في الخارج، مكملا الإجراءات الأمنية والعسكرية التي اتخذها قبل أسبوع، والتي وصفت بأنها الأشمل والأعمق داخل المؤسسة العسكرية منذ وصول الرئيس للسلطة عام 2008 بعد الانقلاب العسكري الذى أطاح بالرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله».
هذا ووجه مدونون موريتانيون تحذيرات للأطراف السياسية المشاركة في الحوار السياسي المتواصل حاليا في موريتانيا، كيلا ينجرفوا في تعديلات للدستور قد تعقد مستقبل البلد وتدخله في دوامة العنف، كما حدث في بلدان أفريقية أخرى.
وأكد الدكتور الشيخ ولد سيدي عبد الله، أستاذ الأدب في جامعة نواكشوط في تدوينة له أمس، «أن موريتانيا الآن قطعة قماش يتم تصميمها وتفصيلها على مقاس كروش لا تعرف الشبع … سواء ظلت جمهورية أو تحولت إلى مملكة هناك أشخاص يعتقدون أنهم هم شعب الله المختار وهم الآن يفصلون قطعة القماش على مقاسهم .. ونحن نائمون في الفلفل».
وتساءل المدون قائلا «هل تعتقدون أن الشخصيات التي قبلت دعوة النظام الى الحوار ستختم لقاءها دون مكافآت دستورية .. ستتم دسترة الجميع بقرارات لا تصلح لغيرهم مدى الحياة ..هي مقايضة .. فقط اقرأوا ما بين السطور ستجدون في بهو كل جملة واحدا من تلك الشخصيات إما مضطجعا وإما جالسا القرفصاء وفي يده قصعة من خالي الإكاديميين الدستوريين والخبراء».
ووجه المدون البارز والإعلامي ولد سيدي عبد الله نداء قال فيه «من أجل موريتانيا : اتقوا الله في هذا الوطن وفي أجياله المقبلة..تذكروا أن التاريخ لا يرحم وأن قبولكم وتأييدكم لأي تعديل دستوري من شأنه تحقيق مآرب لأفراد أو أحزاب معينة هو خيانة لوطن أحفادكم .. تذكروا أنه يوما ما سيتم الكشف عن الذين باعوا الوطن بدراهم معدودة».
وأضاف «من أجل موريتانيا : تذكروا أن الأنظمة زائلة .. وحده الوطن باق .. لا تفهموا أن الدستور وأنات مرضى «الكزرات» (الضواحي) وصرير أمعاء جياع «الكبات» (الأحياء الشعبية) مجرد لعبة شد وجذب بين ساسة .. هذه ملفات توجه بوصلة شعب وأمة ..من أجل أحفادكم .. لا تستبدلوا الولاء للأشخاص بالولاء للوطن «.
أما المدون والمعارض المتشدد أحمدو ولد وديعة فقد كتب في تدوينة له يقول «لدى صديقنا الجنرال عشق دفين للانقلابات فهو حين يمضي وقتا دون أن ينقلب يشعر بحالة فراغ وهوس لا يخرج منها إلا حين ينفذ مخططا انقلابيا..ما يجري في قصر المؤتمرات ليس سوى طبعة جديدة من طبعات انقلابات الجنرال عزيز يجري التسخين لها منذ سنوات وقد أينعت وحان قطافها».
وأضاف «إن أول من طالب بمبايعة رئيس موريتاني ملكا كان من شريحة الشباب، وإن ذلك مما يقلق على مستقبل هذه البلاد..لم أكن أتوقع بأنه سيبلغ بنا الانحدار لأن نطالب بمبايعة الرئيس ملكا، ولم أكن أتوقع بأن تلك الدعوة إن جاءت ستأتي من شاب..كنتُ أعتقد بأنها ستأتي من شيخ طاعن في السن».

 

عبد الله مولود/نواكشوط – «القدس العربي»: