ولد صلاحي يصف نفسه بأنه لم يكن بأكثر من ميت الأحياء

أربعاء, 03/11/2015 - 13:44
الحلقة16

وقد نزع  الحارس قناع  عيني أثناء قضاء حاجتي الشخصية، مع بقاء القيود التي كانت تعيق رأسي. ثم قادني دون أي اشتباك إلى مقعدي. وكان يجب انتظار ساعتين أخريين. ولم يسمحوا لنا بالصلاة طيلة ثمان وأربعين ساعة قادمة.

 

و يضيف ولد صلاحي أنه بعد ست عشر ساعة بدأ تحويلهم إلى المطار. ويصف نفسه  في هذه اللحظة ليس بأكثر  من ميت الأحياء. فساقاه لم تستطيعا  حمله  أكثر ، و يضيف كان يجب على حراسي إرسالي من قاعدة بغرام إلى اغوانتنامو.و يتابع أنهم أركبوه   في شاحنة نقلته  إلى المطار خلال خمس دقائق. وكان كل تحرك مريح ل لأن  ذلك يسمح له بتغيير وضعيته، ويريح ظهره المعذب. و يروي أنهم قد تراكموا  كتفا لكتف مع بعضهم  بعضا. ولسوء الحظ  يتابع القول  كنت متموضعا  في الاتجاه المعاكس في الطابور.

 

و يشير إلى أنه كان مرعوبا ولذلك كان متوترا. وكانت الشاحنة التي تحمله فيها مقاعد تجعل ركابها يجلس كل منهم مسندا ظهره للآخر. وكانوا في النهاية مثبتين في الرفوف ، وكان الحراس يصرخون في وجوههم أن لا تتكلموا. 

 

و يذكر أنه لم يكن لم  يعرف تماما  عدد الأشخاص الذين تحملهم  الشاحنة ، و  يعلق قائلا "الشهادة التي يمكنني الإدلاء بها هي أنني رأيت سجينا عن يميني وآخر عن شمالي و آخر من خلفي. وكان من الجيد الشعور بالدفء لهؤلاء السجناء.

 

ويتابع القول رغم الأغطية الموضوعة على آذاننا   فإننا لم نتأذى إلى أن وصلنا إلى المطار وشكرا لهدير المحركات الذي تحققنا منه بوضوح. وقامت الشاحنة بحركة إلى الوراء باتجاه الطائرة. وبدأ الحراس في الصراخ بلغة لا أعرفها ثم سمعت همهمة أجسام بشرية تتهاوى على الأرض.وأخذ حارسان أحد المعتقلين ورموه باتجاه آخرين على متن الطائرة، وصرخوا : " القانون"، وأكدوا على ضرورة الاستقبال الجيد للبضائع.

 

 و قال إنه   لما حان دوره حمله  جنديان وأمسكا برجليه ويدي ورمياه إلى المجموعة المكلفة بنقله .  وأشار إلى أنه لم  ينادي  أكثر إذ لو لفعل لسقط  على الأرض أو ربما كان  مرميا في الطائرة من قبل هؤلاء الأشخاص. وهذا لن يغير شيئا يذكر، ولذلك بدأت أفقد مشاعري يتابع روايته للأحداث.

 

 

و  يستمر في الحديث " في داخل الطائرة سبحني أشخاص على الأرض وأجلسوني على مقعد صغير، وكان حزام الأمان مشدودا علي بحيث أني لا أستطيع التنفس. ولذعني الهواء المكيف، وصرخ أحدهم :

لا تتحرك ولا تتكلم! وألصق رجلي بالأرض ، وفي تلك الفترة لم أكن أعرف كيف أقول باللغة الإنكليزية الحزام. وصرخت .. الحزام لكن لم يأت أحد لدعمي.

 

وذكر أنه كان   مختنقا ، وكان القناع  المطلي يغطي  فمه وأنفه ورقبته ، كما غطى رأسه دون أن ينسى  الحزام المشدود على معدته والذي استحال معه التنفس.

كما أشار إلى أنه  صرخ   بإصرار : سيدي ، سيدي لم أستطع التنفس ، لو سمحت سيدي. ويبدو أن التماساتي تضيع سدى في صحراء واسعة. وبعد مرور دقيقتين  جلس شخص إلى يميني شخص.

و يذكر أنه حتى هذه اللحظة لم أكن يعرف الشخص الذي يجلس بجانبه  لكنه أعاد إليه الشعور بالحضور . ونبه إلى أن أحد الحراس أعاد وضع نظاراته فقد استطاع  تمييز  بعض  التفاصيل ، إذ رأى  غرفة القبطان التي كانت أمامه ، كما تبين تمكن من تمييز  أزياء التمويه التي كان يلبسها الجنود، و أشكال زملائي السجناء الحقيقية. وبسبب تلاشي صراخ  السيد فهم  أن كل المعتقلين كانوا محشورين.

فنادى  سيدي الحزام الحزام لو سمحت.

فاستجاب له  أحد الجنود ، وشد الحزام في مكان آخر مما خفف عني.

وكان الألم في ذلك الوقت لا يطاق. و يتابع القول :شعرت  سأموت. فلم أستطع منع غضبي بطلب المساعدة بقوة:

فقلت  أيها السيد لا أستطيع التنفس.. فاقترب   مني جندي آخر وأرخي الحزام ومع أنه لم يصل إلى نقطة التسهيل لكنه أفضل من لا شيء.

فقلت هل يبقى دائما مشدودا علي!  لأنني كنت قد تعلمت هذه الكلمة عندما قلت هذا مشدود!

فقلت يجب أن تقتنعوا بهذا ، وهو ما يجعل أنطق هذه الكلمة أكثر.

وقال إنه  لا يستطيع أن أتنفس مشيرا على أنفي.  فاقترب مني أحد الجنود ساحبا القناع عن أنفي. فتنفست عميقا وشعرت بأني مرتاح تماما. وبسبب ذعرى الكبير أعاد القناع  سريعا إلى أنفي وفمي. و بنفس الأسلوب لكن نزعوا  القناع المضاد للأصوات. وقال إنه نسي  أنهم رموه  قبل أن يضعوا  القناع.

و تابع يقو إن  هذا كان قاسيا لكنه كان الحل الوحيد لكي لا يختنق . وأضاف أنه ذعر  ، إذ كان بالكاد  لديه  ما يكفي من الهواء: وكان الأسلوب الوحيد للبقاء على هو إقناعي  دماغي بالرضا بالكمية القليلة المتاحة من الأوكسجين.

 

و يستمر في الحديث بالقول  بعد الإقلاع اقترب مني أحد الجنود وقال إنه سيعطيني أدوية وصرخ في أذني أنت مريض! وأعطاني بعض الأقراص ، ثم أعطاني تفاحة و ساندويتش  وقطعة من زبد  الفول السوادني وكانت هذه هي  وجبتنا الأولى منذ بداية تحويلنا.ومنذ ذلك اليوم كرهت الفول السوداني ، ولم تكن أشتهي أكله، لكنني تظاهرت بأني آكل الساندويتش لكي أتجنب الضرب. و يذكر أنه باستثناء بعض الحالات النادرة تفادي الاتصال بالأفراد العنيفين الذين كانوا  يحرسوننا. وأخذت لقمة من الساندويتش ووضعت الباقي في يدي انتظار مجيئهم لكي  يأخذوا ما تبقى من  فضلات طعامنا.أما بالنسبة للتفاحة فكانت صعبة علي.

"الفجر" تنوه إلى أنها لا تقوم بترجمة مذكرات ولد صلاحي بقدر ما تقدم قراءة في بعض المقتطفات دون ترجمة الكتاب بشكل كامل، مقتطفات نقرأها لكي نضع بين يدي القارئ الكريم معلومات وافية عن ظروف اعتقال مواطن موريتاني سلمته بلاده ليسجن في أكثر  سجون العالم بؤسا.