الجمارك تحتفل بـ26 يناير.. بين الطموح والأمل

أربعاء, 01/21/2015 - 22:01

تعتبر الجمارك قطاعا هاما وحيويا من قطاعات وزارة المالية في بلدها موريتاني، وهو البلد الذي مازال يعد ضمن بلدان العالم الثالث، والجمارك هيئة شبه عسكرية تتكفل بتحصيل الضرائب والرسوم الجمركية على البضائع المصدرة والمستوردة معا، وبحسب النوعية والمنشأ، والعمل كذلك على حماية الحدود من التهريب بشتى أشكاله وحماية المنتج الوطني أيضا.

ظهر قطاع الجمارك الموريتاني للوجود وأخذ موقعه وباشر بداية أدواره فجر الاستقلال الداخلي 1958 ، وكان أول من أخذ بزمام إدارته بادئ ذي بدء موظف فرنسي من موظفي إدارة المستعمرات الفرنسية، معين من طرف حكومة الاستقلال، ومرد ذلك للعجز الكبير في الأطر والكادر في ذلك الوقت، وفيما تلا ذلك سيعرف القطاع المالي أكثر من مدير موريتاني، وكان أغلبهم من خارج المهنة.

وكانوا إن لم تخني الذاكرة على النحو التالي، عدد المدراء العامين الذين مروا على القطاع حتى الآن 11 مديرا، باستثناء المدير الفرنسي الآنف الذكر، خمسة من الدرك واثنان من الجيش ومفوض شرطة واحد، وثلاثة من أبناء القطاع، هم المفتشون: با آمادو بوكار، سيدي ولد أحمد، ومحمد ولد محمدو.

وليس سرا أن الضرائب الجمركية المحصلة بمكاتب الجمارك تشكل في الوقت الراهن مصدرا رئيسيا لموارد الخزانة العامة، بل هي أهم مصادرها على الإطلاق للسيولة، وهو أمر مرشح للاستمرار وربما لفترة طويلة.

ورغم ما تلوكه الألسن عن الجمارك ومنتسبيها بالحق وبالباطل، وكنت أحدهم لله الحمد، ولعقود فلا يمكننا مع ذلك التغاضي وإنكار التضحيات التي يقدمها العاملون في هذا الموقع، وتفانيهم في خدمة بلدهم، وسهرهم على أداء واجبهم، رغم تواضع الوسائل والإمكانيات المتاحة، بالمقارنة مع المهام الموكلة الجسيمة وبالتحديات الخطيرة التي يواجهونها، علما أن القطاع كغيره من المرافق الحكومية لا يخلوا من مقصرين هنا.. ومفرطين هناك..

ومما يذكر لقطاع الجمارك ببلادنا أنه قدم وزراء ثلاثة بارزين من مفتشيه وسفير على حد العلم، اثنان للمالية، هما سماري جارامونا، ومحفوظ ولد لمرابط، وأخيرا أحد وزراء الإعلام في عهود التعددية، هو محمد يحي ولد حرمه، أما السفير فهو المختار ولد داهي.

وعلى ذكر هؤلاء وفضلا عنهم، فالقطاع زخر ويزخر بإمكانات فردية نادرة، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، صديقي العزيزين والفقيدين الأديبين، الباشا ولد مولاي اعلي، والطيب ولد ديدي، وهما من كانا وكيلي جمارك رحمهما، الله ناهيك عن لارباس مفتش الجمارك. وفي مجال مختلف إمام ثاني أقدم مسجد جامع باكجوجت في اينشيري هو وكيل الجمارك المتقاعد محمد الامين ولد سيدي .

ولا يسعنا الخوض في هذا الحديث عن زملائي الجمارك بمناسبة يومهم الذي يحيونه عيدا 26 يناير من كل سنة، وهو يوم يعود الفضل في تبنيه على الأغلب، واستنانه، للمدير الأسبق انجاك جينغ، من دون أن نذكر "لقيصر" ما يتوجب أن يذكر لقيصر!

إذ أن المدير العام الحالي للجمارك، الجنرال الداه ولد المامي، هو ثاني اثنين من ضباط الجيش الوطني اعتلى المنصب، وعرف منذ ولوجه الموقع بقدر كبير من الصرامة، خصوصا مع مسطرة التحصيل والجمركة، ومن دون كلل أو ملل، وأغلب الظن أنه نجح إلى حد كبير في مسعاه، في جعل أرقام المحصلات الجمركية في السنوات الأخيرة تزداد وباطراد.

وأذكر أني مرة وخارج العاصمة بل العمران.. أتيحت لي فرصة لقاء مع رئيس الجمهورية، وكان بطبيعة الحال اللقاء وديا، في خريف 2009، ومن دون ترتيب سابق، وفي دردشة ودية على الغداء ورد ذكر القطاع الجمركي ضمن ثنايا الحديث، وورد ذكر المدير الحالي للجمارك الداه ولد المامي، والحديث ذي شجون، وكانت فيما يبدو الثقة عالية في الرجل من رئيس الجمهورية، ومني بالطبع تكرر الثناء، ولقد كنت حينها مازلت موظفا نشطا بمكتب جمارك "ميناء انواكشوط المستقل" الذي يرأسه يومئذ مفتش الجمارك، ومازال هو صاحبه محمد السالك ولد اللولاه، الذي يعد اليوم أحد أهم مساعدي الجنرال والمدير العام، ومكتبه ظل يحتل الصدارة في التحصيل الجمركي في البلاد.

وبصفة مجملة فالحصيلة في المجال كما رأينا وبصفة عامة، وباعتبار المهام والأرقام ظلت إيجابية، لكن ستبقى مع ذلك أسئلة لدى البعض، وربما تكون ملحة حول أمور عديدة تتعلق بإدارة الجمارك، منها ملفات قديمة مازالت سجينة الدروج لأذون اترانزيت والعبور، وربما تكون قد تآكلت أوراقها، ومازال بعض أصحابها مع ذلك أحياء يرزقون، وينتظرون، ولعل وعسى!! ومن بينهم منتسبي جمارك سابقون لبوا حزمة الشروط "المفلفلة" وهم مستحقون أو هكذا يعتقدون، وآخرون مواطنون مقيمون في المهاجر من أجل لقمة العيش لا غير، ومن وطن طارد لأبنائه! لكنهم في حاجة إلى رعاية من بلدهم وإداراته، وهو على كل حال حقهم، وإلى تعاط أفضل مع همومهم.

وأخيرا وليس آخرا هيئات المتقاعدين هذه، ومنها تلك التي أنشئت من أجل الجمارك ما بالهن لا يلتفن إلى هؤلاء المنتسبين ولا يذكرونهم، اللهم إلا عند المطالبة بثمن بطاقة الانتساب، أو عند الحشرجة والموت. وعلى ذكر بطاقات انتساب متقاعدي الجمارك، فثمنها 7000 أوقية أي حوالي 10 دولار! والسؤال هل هذه الهيئات للمتقاعدين حقا والمنتسبين، وهم الكثرة، أم هي نوادي مغلقة لأصحاب "البراءة" القائمين عليها، وهم الذين لا يتجاوزن في الغالب عدد أصابع اليد الواحدة وهل نحتاج كل مرة مع هذه الهيئات إلى مسيرات مماثلة لمسيرة الألف ميل لمتقاعدي ازويرات.

وهنا وهو أمر له علاقة حميمة بالجمارك وقبل أن نختم، أثني ثناء طيبا على خدمات هيئة أخرى لمنتسبي الجمارك هي ودادية الجمارك وأهنئ القائمين عليها وأثمن ما يقومون به من أجل منتسبيهم.

إنها أمور تتطلب اهتماما وحلولا عاجلة، وإلى لقاء قريب قادم. وعيد سعيد وكل عام وأنتم بخير

مراقب الجمارك السابق

محمد ولد عبد الودود (ولد اماه)