وإنك لعلى خلق عظيم

أربعاء, 01/21/2015 - 22:04

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ورضي الله عن الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين  أما بعد

فقد وصف الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم).

       

أبعد ثناء خالقنا تعالى         على طه ثناء للورى لالا

فما أبقت على خلق عظيم   مؤكـــــــــــــــدة لمخلوق مقالا

قال سعد بن هاشم بن عامر: يا أم المؤمنين أنبئينى عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

قالت ألست تقرأ القرآن قلت بلى. قالت فإن خلق نبى الله صلى الله عليه وسلم- كان القرآن.  قال  فهممت أن أقوم ولا أسأل أحدا عن شىء حتى أموت.  رواه مسلم.

 

عن أنس رضى الله عنه قال خدمت النبي صلى الله عليه عشر سنين فما قال لي أف قط وما قال لشيء صنعته ؟ لم صنعته ؟ولا لشيء تركته لم تركته ؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا؟

 

وكان سبب إسلام زيد بن سعنة -وهو من أجل أحبار اليهود الذين أسلموا –ما شاهد من علامات النبوة في النبي صلى الله عليه وسلم ومنها أنه لا تزيده شده الجهل عليه إلا حلما وقد اختبر ذلك فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل حلول أجل قضاء دينه بيومين أو ثلاثة وأغلظ له في القول وطالبه بقضاء الدين وكان معه  عمر فهدده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم  إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر أن تأمرني بحسن الأداء و تأمره بحسن التباعة اذهب به يا عمر فاقضه حقه و زده عشرين صاعا من تمر مكان ما رعته  قال زيد : فذهب بي عمر فقضاني حقي وزادني عشرين صاعا من تمر فقلت : ما هذه الزيادة ؟ قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أن أزيدك مكان ما رعتك فقلت : أتعرفني يا عمر ؟ قال : لا فمن أنت ؟ قلت : أنا زيد بن سعنة قال : الحبر ؟ قلت : نعم الحبر قال : فما دعاك أن تقول لرسول الله صلى الله عليه و سلم ما قلت وتفعل به ما فعلت فقلت : يا عمر كل علامات النبوة قد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم اختبرهما منه : يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما فقد اختبرتهما فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه و سلم نبيا وأشهدك أن شطر مالي - فإني أكثرها مالا - صدقة على أمة محمد صلى الله عليه و سلم فقال عمر أوعلى بعضهم فإنك لا تسعهم كلهم قلت : أو على بعضهم فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال زيد : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و سلم فآمن به وصدقه وشهد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم مشاهد كثيرة ثم توفي في غزوة تبوك مقبلا غير مدبر).

 

الجود

كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس قال ابن عباس رضي الله عنه  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان رواه البخاري

 

وما سئل شيئا قط فقال: لا.

 

وكان هذا معروفا عند الصحابة رضي الله عنهم ولذلك لما أهدت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بردة جديدة وقالت له نسجت هذه بيدي أكسوكـــها فقبلها منها قال سهل بن سعد فأخذها النبي صلى الله عليه و سلم محتاجا إليها فخرج إلينا وإنها إزاره فقال رجل من القوم يا رسول الله اكسنيها . فقال ( نعم ) . فجلس النبي صلى الله عليه و سلم في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه فقال له القوم ما أحسنت سألتها إياه لقد علمت أنه لا يرد سائلا . فقال الرجل والله ما سألته إلا لتكون كفني يوم أموت . قال سهل  فكانت كفنه. والحديث في صحيح البخاري .

 

ولقد أعطى رجلا غنما بين جبلين فذهب إلى قومه وهو يقول يا فوم أسلموا   فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.

 

الشجاعة

وكان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وكانوا إذا احمر البأس يتقون بالنبي صلى الله عليه وسلم فيكون الشجاع منهم هو الذي يحاذيه كما في صحيح مسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه.

 

ولقد فزع أهل المدينة ليلة فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد سبقهم إلى موقع الفزع وهو يقول لن تراعوا كما في صحيح البخاري.

 

وقصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم والسيف مسلولا بيد الرجل وهو يقول من يمنعك مني فقال : الله ولم يعاقبه النبي صلى الله عليه وسلم والقصة في الصحيحين.

 

الوفاء بالعهد

وكان أوفى الناس يشهد بذلك الكفار ولما سأل هرقل أبا سفيان – وكان كافرا -عن النبي صلى الله عليه وسلم هل يغدر؟ فقال لا.

 

ومن عجائب الوفاء  ما رواه مسلم  عن  حذيفة بن اليمان قال ما منعنى أن أشهد بدرا إلا أنى خرجت أنا وأبى - حسيل - قال فأخذنا كفار قريش قالوا إنكم تريدون محمدا فقلنا ما نريده ما نريد إلا المدينة. فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرناه الخبر فقال « انصرفا نفى لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم".

 

التواضع

كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيب الدعوة ويعود المرضى ويصلي على الجنائز ويزور أصحابه، ويقول: ( لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت).

 

وكان يعيش بين أصحابه لا يتميز عنهم حتى إن الأعرابي يأتي ويقول أيكم محمد ؟ ويقول إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك فيقول صلى الله عليه وسلم  سل عما بدا لك

 

ومن تواضعه ما ذكرت عائشة رضي الله عنها عند ما سئلت ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته ؟ فالت كان يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة . رواه البخاري وفي صحيح ابن حبان.

 

أنها سئلت أي شيء كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته قالت ما يفعل أحدكم في مهنة أهله يخصف نعله ويخيط ثوبه ويرقع دلوه.

 

ولما اشتكى فصلى قاعدا ورآهم يصلون خلفه قياما أشار إليهم أن  يجلسوا ثم قال لهم بعد الصلاة إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود روه أحمد وابن خزيمة في صحيحه وكان ينهى عن الإطراء وهو مجاوزة الحد والمدح ويقول : " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله. رواه البخاري.

 

  أنس بن مالك قال: كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه و سلم فتنطلق به حيث شاءت.

 

قال ابن حجر في فتح الباري (10/490) "والمقصود من الأخذ باليد لازمه وهو الرفق والانقياد، وقد اشتمل على أنواع من المبالغة في التواضع لذكره المرأة دون الرجل والأمة دون الحرة وحيث عمم بلفظ الإماء أي أمة كانت وبقوله حيث شاءت أي من الأمكنة والتعبير بالأخذ باليد إشارة إلى غاية التصرف حتى لو كانت حاجتها خارج المدينة والتمست منه مساعدتها في تلك الحاجة لساعد على ذلك وهذا دال على مزيد تواضعه".

 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الإطراء ويقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولو عبد الله ورسوله". رواه البخاري.

 

زهد النبي صلى الله عليه وسلم

انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ودرعه مرهونة عند يهودي. كما في صحيح البخاري.

 

وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة: ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه و سلم نار. فقلت يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء. 

 

وراودته الجبال الشم من ذهب *** عن نفسه فأراها أيما شمم

 

عدل النبي صلى الله عليه وسلم

كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على العدل وأكثرهم إقامة له وكيف لا والله عز وجل يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم (وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم ) وكان خلق النبي صلى الله عليه وسلم القرآن .

 

ولما سرقت المرأة المخزومية وشق على أهلها إقامة الحد عليها.

 

قام رسول الله خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: ( أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). ثم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بتلك المرأة فقطعت يدها فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت قالت عائشة فكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم رواه  البخاري ومسلم.

 

وكان صلى الله عليه وسلم يعدل فيقدم الأيمن وإن كان عن يساره من هو أفضل وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن شماله أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن. رواه البخاري.

 

الصدق والأمانة:

عرف صلى الله عليه وسلم بالصدق والأمانة  عند الكفار فكانوا لا يشكون في صدقه ولا في أمانته ولما سأل هرقل أبا سفيان بن حرب – وهو إذاك كافر – هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قال أبو سفيان : لا فكان رد هرقل سألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله.

 

ولما صعد النبي   صلى الله عليه وسلم على الصفا وقال: يا صباحاه اجتمعت إليه قريش فقال : أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم أما كنتم تصدقوني قالوا بلي قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. والحديث في صحيح البخاري.

 

ولما أخبر سعد بن معاذ أمية بن خلف  أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إنه قاتله قال والله ما يكذب محمد إذا حدث فلما أخبر امرأته بما أخبره به سعد بن معاذ قالت والله ما يكذب محمد. والحديث في صحيح البخاري .

 

والحديث عن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مجاله واسع لا يفي بتفصيله هذا المقال المختصر

صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.

الدكتور / محمد الأمين بن الشيخ بن مزيد